غربة (فيسبوكية)
أصبح من السهل جداً التمييز بين الفيسبوكي السوري «المغترب» والفيسبوكي السوري «المحلي..» فالأول لا يوفر جهداً في متابعة الأحداث اليومية بلهفة، والتعليق المكثف على كل شاردة وواردة يراها أو يسمعها
وتتحول «حماسته» في كثير من الأحيان إلى إهانات صاخبة لمن يظن أنه يقف وراء هجرته «القسرية»، كما يحاول دوماً أن يقنع نفسه، متهماً منتقديه -بكل صفاقة- بـ«الغيرة» وناظراً -بشكل مثير للدهشة- إلى كل ما يحدث بعين مشجع كروي، يثور خلال تسعين دقيقة وينسى بعدها كل ما حصل ويحصل وسيحصل..دون أن يطالعنا هذا «الوطني» العظيم بأخبار عودته المرتقبة إلى البلاد، رغم حنينه الدائم إليها...!!. وليس المقصود هنا من تسرب خلسة عبر حدود الجيران هرباً من ضيق الحال، بل ذلك الجالس في منتجعات العالم الآخر، والذي يعمد يومياً إلى الاطلاع عبر حساباته الشخصية على أحوال العباد منظّراً حول الواقع السوري الذي قد لا يذكر منه إلا أيام طفولته..ربما ينبغي أن لا نلومه، وكيف نفعل؟؟ فربما دفعته غيرته الفطرية إلى المشاركة، لكن ينبغي عليه أيضاً أن لا يتوقع أن توضع تحليلاته موضع الاهتمام، خاصة بعد أن يلحقها بصورة له وهو يحتسي، بابتسامة صفراء، القهوة الصباحية في إحدى الشرفات الباريسية...!!.
أما السوري «المحلي» إن -صح التعبير- فيمكن تخيله بصورة ثابتة لا تتغير في الذهن، يقلب بين الصفحات بملل واضح.. ينفث التنهيدة تلو الأخرى، وعندما يستوقفه خبر دموي جديد يغمض عينيه، ويفتحهما ببطء كمن يود الاستيقاظ من كابوس عنيد، ويحاول جاهداً تجنب قراءة التعليقات المدرجة في الأسفل.. ربما يتذكر الأيام التي كان يشارك فيها بتعليق أو اثنين.. لا تثير الفكرة اهتمامه الآن.. فقد انضمت السخرية إلى زميلاتها في صفوف المهجرين.. وهناك الكثير من الجديد الذي يستحوذ على جل اهتمامه.. سيترك الشاشة أمامه عما قريب، ويلتفت ليرى أسرته مجمعة في إحدى الزوايا التي لا تشبه بيته القديم على الإطلاق.. تنتظر منه الكثير من مسلمات العيش لسوريين في مكان آخر بعيد جداً..
لا يجوز التعميم هنا، فالبعض أُجبر على الاختيار..واختار.. ومن المفيد هنا القول بأن كلا «النوعين» يحويان الغث والسمين. لكن ذاك المتنهد الأبدي الآن.. ضاقت أنفاسه بما يجري، لدرجة لم تعد تجدي معها جرعات التجاهل الاعتيادي.. ولن تنفع كلمة «كفى» الضائعة بين أصقاع الشتات..!!