عدن هي الغرب

عدن هي الغرب

«كوني فناناً، لا أريد أن أكون سياسياً، السياسة هي تعاملاتك اليومية، كل منا لديه قدرة وطريقة استخدام هذه القدرة تجعل الناس سعداء أو غير سعداء».

بهذه الكلمات، يدافع المخرج اليوناني الكبير «كوستاس غافراس» عن أفلامه السياسية المفعمة بآرائه وانتقاداته التي لا تروق للمجتمع الغربي، فبالنسبة له السياسة ليست مركز أفلامه كما يتهمه البعض، فـ «شوارزينغر ذاته قدم أفلاماً سياسية أكثر مني» كما يقول، لأن كل شيء يقوم به الفنان يعبر عن آرائه ونظرته للحياة التي ينقلها للمتلقين، وبها يمكن له أن يجعل العالم مكاناً أفضل أو أسوأ، فالسياسة هي شيء ذاتي بحت.
يعري «غافراس» في فيلمه «عدن هي الغرب» أسطورة العصر الحديث، وجنة الله التي سلبت أحلام كل شباب مجتمعنا، «الغرب».
يدرك المخرج اليوناني الذي هاجر في شبابه إلى فرنسا، بعد اعتقال أبيه الشيوعي في اليونان ورفض أمريكا لهجرته، معنى هذه الأكذوبة الساحرة جيداً.
يروي الفيلم  قصة الشاب إيلياس القادم من بلد متوسطي غير محدد. يمتلك الشاب الذكي والطموح والحالم جداً، الموهبة والبديهة والعزيمة التي تمكن من النجاح في حياته، إلا أن الغرب يسرق فكره وأحلامه.
 يحاول إيلياس الهجرة إلى فرنسا بطريقة غير شرعية، عن طريق سفينة بعض المهربين، لكن يعترض خفر السواحل الرحلة ويلقي القبض على المهربين. يقفز ايلياس، مدفوعاً بطموحه، من السفينة ويصل إلى شاطئ فرنسا، أمام أحد منتجعات النخبة،  ويتمكن بفضل ذكائه من انتحال صفة عامل في المنتجع والبقاء لعدة أيام فيه، إلى أن يلتقي بالساحر «نيكلبي» فيصبح مساعداً له في عروضه، ويقول له: «إن أتيت لباريس تعال لرؤيتي».
كان هذا الوعد كفيلاً بإقناع ايلياس الطموح السفر في رحلة متعبة إلى باريس، يتعرف خلالها على المجتمع الفرنسي البسيط، وبعض الأشخاص الفقراء الطيبين الذين يشبهون المكان الذي أتى منه، الذين يحسون بمعاناة هذا الغريب، ويساعدونه في رحلته، وحظي ايلياس بالعديد من الفرص ليكمل حياة جيدة معهم، إلا أن حلم باريس قد أعمى عينيه فما الذي يمكن أن تخبئه له وعود ذلك الساحر المبهر.
في باريس يعمل ايلياس في أحد المعامل التي تستغل المهاجرين غير الشرعيين بأبخس الأجور ليجد ايلياس، الهارب من الظلم والاستغلال في بلاده، نفسه في ظلم أكبر مطعم بالديمقراطية، واستغلال أجشع مطعم بحقوق الإنسان، حقوق لن تنالها إلا إذا كانت أوراقك رسمية!!.
هنا تنهار أحلامه بجنة موعودة لم يبق منها سوى وعود الساحر، فيطوف باريس بحثاً عنه، رغم ملاحقة الشرطة له، وعندما يجده يذكّره إيلياس بنفسه قائلاً: «أنا ايلياس.. لقد قلت لي إذا كنت في باريس تعال لرؤيتي»، فيقول الساحر «ها قد رأيتني... وها أنت في باريس»، ثم يبتسم له ويرحل...