«أندرسون».. إبداع يتجاوز هوليود
تعتمد السينما الأمريكية على أمجاد الماضي، وشهرة نجومها. وتعاني مواضيعها من النزعة التجارية والابتذال وسرقة الأفكار الأصلية من البلدان الأخرى. ولكن ظهر مؤخراً جيل هوليوودي جديد شق طريقه إلى عالم السينما بمخرجين شباب، تمكنوا من أن يتركوا بصمات شخصية في عالم هوليوود، منهم «ستيفن سودربيرغ» وحسه التجديدي.
، و«دايفد فينشر» المحترف من الناحية البصرية والجمالية، و«ريتشارد لينكلاتر» المشهور بحواراته، و«كوينتن تارانتينو» الذي يتميز بمعرفته الموسوعية، و«صوفيا كوبولا» بمزاجاتها وموسيقاها، و«ألكسندر باين» بشخصياته وغيرهم الكثير. ويسطع بينهم نجم المخرج الشاب «بول توماس أندرسون» المتميز بكل ما سبق ذكره، وتأخذ هذه الإبداعات عنده حدها الأقصى
ينتمي المخرج والسينارست الأمريكي «أندرسون 1970» إلى جيل مخرجي الـVCR))، وهم المخرجون الذين أتيح لهم مشاهدة أعمال كثيرة في صغرهم على أشرطة الكاسيت، وصنع أفلام قصيرة كثيرة في صغره. ارتاد «أندرسون» مدرسة السينما في نيويورك ليومين فقط، ولم يعجبه أسلوب المدرسة في الإعطاء إذ جعلت تجربة ممتعة كحضور الأفلام تبدو كفروض منزلية، كما لم تعجبه تقييمات الأساتذة المتعالية على السينما الجماهيرية. ففضل تعلم السينما في منزله بحضور الأفلام مع التعليقات الصوتية من المخرجين الكبار عليها.
بدايات صعبة.. وانعطاف
بدأ «أندرسون» مشواره كمخرج في فيلمه القصير «سجائر وقهوة»، الحائز على إعجاب المتابعين، وفتح له باب التعاون مع السينما الأمريكية المستقلة في فيلم (Hard Eight) عام 1996 الذي نبه إلى موهبة الشاب ذي الـ26 عاماً، تبعه بفيلم (Boogie Nights) عام 1997 وكان محوره صناعة الأفلام الإباحية في السبعينيات والثمانينيات وتضمن عدداً كبيراً من الشخصيات الرئيسية. قاده نجاح هذا الفيلم تجارياً ونقدياً إلى رائعته الثانية (ماغنوليا) عام 1999، معتمداً فيه على شخصيات متعددة، وقد لاقى نجاحاً نقدياً هائلاً على الرغم من معاناته التجارية، ونبه الفيلم إلى أندرسون كأحد أهم المخرجين الأمريكيين منذ عقود، ويعد من أجرأ الأفلام التي مرت على السينما الأمريكية.
يقول أندرسون عن فيلمه هذا: «هناك شعور في داخلي أنني سوف أخرج أفلاماً كثيرة، بعضها سينجح وبعضها الأخر سيفشل، لكن ماغنوليا سيبقى بكل الأحوال أفضل الأفلام التي أخرجتها». يعود أندرسون في فيلم (Punch Drunk Love) إلى الكوميديا الرومنسية الخفيفة المتناقضة مع أعماله السابقة، والتي حاز بفضلها على جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان. ثم بعدها بخمس سنوات في فيلم (There Will Be Blood) الذي نصب أندرسون كأحد أكثر المخرجين الأمريكيين أصالة، وعد أفضل الأفلام في العقد الأول من القرن الحادي العشرين. وفي عام 2012 أخرج أندرسون فيلمه السادس (The Master) الذي عانى من إحجام شركات الإنتاج الكبيرة عنه، رغم أنه لاقى نجاحاً نقدياً وتجارياً. وهو الأن يحضر لفيلمه الثامن (Inherit Vice).
مواضيع شائكة وتكنيك خاص
تأخذ عدد من أفلام أندرسون وادي سان فرناندو في لوس أنجلس مكاناً لها، مع شخصيات مختلة ويائسة. ومن بين المواضيع التي يتعامل معها أندرسون بكثرة نجد العائلات المتفككة، الغربة، الندم، الوحدة، قوة المسامحة، وأشباح الماضي. تشتهر أفلامه بقوة نمطها البصري، الذي يتشكل من حركة كاميرا مستمرة، ولقطات طويلة متحركة، واستخدام عبقري للموسيقا، وإضاءة وديكورات واقعية بقدر ما تكون رائعة وجذابة. كما يتميز بمقدرة رائعة على التعامل مع الممثلين و تشهد له أدوار توم كروز وجوليان مور وفيليب هوفمان وخواكيم فينكس وأدم ساندلر.
ويذكر أندرسون أنه تأثر بعدد كبير من المخرجين منهم (مارتن سكورسيزي، جوناثان ديمي، روبرت ألتمان، ستانلي كوبريك، أورسون ويلز و ماكس اوفيلس). وبالفعل تمتلئ أفلامه بلقطات وأفكار مشابهة لأعمال هؤلاء المخرجين العظام، حيث تستطيع أن تحس بجنون كوبريك وموسيقاه ولقطات سكورسيزي الطويلة، وبنية سيناريو التمان، وأصالة أورسن ويلز وتقنياته. إلا أن عبقرية أندرسون وتكامل قدراته وأسلوبه تجعلان من التقنيات القديمة والمجربة على مدى طويل في صناعة السينما تبدو حديثة وطازجة كما لو أنك تشاهدها لأول مرة في حياتك.