«المال والإعلام».. وتبادل الأدوار

«المال والإعلام».. وتبادل الأدوار

تناقلت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عدداً من المستجدات على الصعيد الإعلامي العربي، كان أبرزها استقالة الصحفي الفلسطيني، عبد الباري عطوان، من رئاسة تحرير صحيفة القدس العربي  بعد أن شغل هذا المنصب قرابة ربع قرن

، ليأتي إعلان الاستقالة عبر الافتتاحية الأخيرة التي كتبها عطوان بتاريخ 9 تموز  حينما ودّع قرّاؤه، واستعرض رحلته الطويلة مع الصحيفة، و«الضغوط والتهديدات» التي تعرض لها على مر السنين، معلناً بأنه سيكمل تواصله مع القراء عبر تويتر وفيسبوك، في حين بقيت أسباب الاستقالة خفية بعد أن اكتفى بالإشارة إلى أن «أطرافاً أخرى لعبت دوراً في الدفع باتجاه هذا القرار». تزامنت استقالة عطوان مع حدوث «استقالات جماعية» لموظفين من الجزيرة مباشر مصر، احتجاجاً على أسلوب تغطية القناة «المتحيّز» لجماعة الإخوان المسلمين. لتنشر جريدة الأخبار بعد ذلك مقالاً تحت عنوان:«الجزيرة أمريكا.. تتشبه بـ سي إن إن وتغازل اسرائيل»، تكشف فيه معلوماتٍ حول توجهات الأمير الجديد، تميم بن حمد، نحو التركيز  في المرحلة القادمة على قناتي الجزيرة الإنكليزية والأمريكية مقابل «تهدئة اللعبة الإعلامية في الجزيرة العربية» حسب وصف الكاتب. ويشير المقال لاحتمال حدوث «تغيرات جذرية» في القناة الأم قد تطال حتى اسم القناة ذاته، ويسلط الضوء على النقاشات التي تجري في أروقة الجزيرة أمريكا حول هوية القناة وأسلوب تعاطيها مع اسرائيل.
تباينت درجات الاهتمام الإعلامي بتلك المستجدات (تحديداً استقالة عطوان) بحيث تجاهلتها العديد من القنوات في الوقت الذي اكتفت به (البي بي سي) مثلاً بوصف عبد الباري عطوان بـ «الشخصية الإعلامية المثيرة للجدل»، دون أن تنكر استضافته عدة مرات كخبير في شؤون الشرق الأوسط. في حين أظهرت بعض الجرائد تعاطفاً مع «الصحفي المُقال».
خصصت جريدة الأخبار وقفات مطوّلة عند كل تلك الأحداث كان أبرزها مقال بعنوان «عزمي بشارة يطيح بعبد الباري عطوان» حيث تربط كاتبة المقال، سونيا الزين، بين استقالة عطوان وتعيين عزمي بشارة مستشاراً سياسياً وإعلامياً للأمير الجديد. وتستعرض تاريخ العلاقة بين جريدة القدس العربي وقطر التي كانت تدعم الجريدة ماليا،ً وتتحدث عن وجود نوع من التفاهمات بين الصحيفة و«قطر ما قبل الربيع العربي» في إشارةٍ إلى أن الحال اختلفت في السنتين الأخيرتين.
لا يحتاج المرء قدراً كبيراً من الذكاء حتى يدرك علاقة كل تلك المستجدات بتنصيب الأمير، تميم بن حمد، والسياسات القطرية بـ«حلّتها الجديدة»، في محاولات للإيهام بتغيرات إعلامية جذرية لمؤسسات الجزيرة الإعلامية كنوع من «الرتوش الإضافية» على مشهد الديمقراطية القطري والتنازل عن السلطة..!! التي تركت البعض يتساءلون عن احتمالات تغير في السياسات القطرية، بالرغم من أن المشهد الإعلامي –السياسي- يقدم إجابات كافية حول طبيعة التوجهات القطرية القديمة- الجديدة.
يمكن النظر إلى بعض تلك التطورات ومنها الضغوط القطرية على عبد الباري عطوان بإتجاه تقديم استقالته كمثال جديد لسطوة المال على السياسات التحريرية والمحاولة المستميتة لإيجاد منافذ تأثير على الرأي العام باستغلال جماهيرية القدس العربي وأعداد توزيعها، في حين يظهر التطلع نحو تفعيل الجزيرتين الأمريكية والإنكليزية اتجاهاً نحو إشهار الموقف القطري الحقيقي من إسرائيل دون الحاجة للمواربات والإيحاء بتبني خط المقاومة الذي تخفّت فيه الجزيرة العربية عدة سنوات. في حين تعكس حادثة الاستقالات الجماعية وحوادث أخرى مشابهة درجة التخبط والفوضى التي تعيشها مؤسسة الجزيرة ودولة قطر من ورائها.
يبقى الشعب أو جمهور المشاهدين والقراء اللاعب الخفي والعنصر الحاسم المشترك في تلك الأحداث جميعها، والذي أثبت ألا وجود لتبعية مطلقة لوسيلة إعلامية بعينها، وأن الخبرات ودرجة الوعي التي اكتسبها الشارع بفعل التجارب والصدامات الواقعية المؤلمة خلال السنتين الماضيتين قادرة بكليتها على خلخلة والإطاحة بأضخم المؤسسات الإعلامية مهما بلغت درجة «مهنيتها وتطورها»، ما يجبر الكثيرين بأن يعيدوا النظر بآرائهم حول التأثير الحقيقي لتلك المؤسسات على إرادة الشعوب، وما إذا كان تحكّمها بزوايا التصوير وكوادر المشهد يعني امتلاكها الصورة كاملة.