«ريتسوس» في ترجمة جديدة 

«ريتسوس» في ترجمة جديدة 

 

صدر مؤخراً عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، المجلد الأول من الأعمال الكاملة للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، ترجمة جمال حيدر. .

 

يؤكد المترجم في المقدمة التي وضها للمجلد الأول: «إن ريتسوس فنان تشكيلي يرسم بريشة فائقة الدقة مفردات تخاطب البصر مثلما تخاطب الوعي. فالتأثيرات الإيقاعية والنغمية تأتي من خلال استحضار المشاهد الصوتية بالدرجة الأولى، مضيفاً رنيناً خاصاً على فنه الكتابي لعمق صلته بالفن البصري كلوحات مركبة الأبعاد قادرة على سرد الحكاية العالقة بخطوطها».

لقد نالت نتاجات ريتسوس الشهرة والنجاح، وأصبحت أشعاره أغاني ضد الفقر والجوع والظلم والقمع والسجون، رددها الناس على إيقاع الآلات الموسيقية الشعبية اليونانية، بعد أن قام الموسيقار «ميكيس ثيوذراكيس» بتلحينها، فالتقطتها جموع العمال والطلبة ورددتها حناجرهم أثناء المسيرات والتظاهرات المختلفة.  

جرى ترشيح ريتسوس أكثر من مرة منذ عام 1980 لجائزة نوبل للآداب، لكنه لم ينلها، وعوضاً عن ذلك نال عدة جوائز عالمية ومحلية، لم يهتم لهذا الأمر وقام بشرح رأيه وتفسيره لهذه الظاهرة قائلاً: «رشح الروائي ليون تولستوي لنيل الجائزة، ولم يحصل عليها. حينئذ نالها الشاعر الفرنسي إسيلي بريندو لاعتبارات عدة، منها العلاقات الدبلوماسية المتنامية بين فرنسا والسويد، أين بريندو الآن؟ لقد محاه الدهر، بينما ظل تولستوي عموداً بارزاً في مساحات الإبداع والفكر». 

وعندما نال الشاعر التشيلي بابلو نيرودا جائزة نوبل عام 1971 قال يومها: «أعلم تماماً أن ذلك الإغريقي ريتسوس يستحقها أكثر مني». أما الكاتب الإيطالي (ايتالو كاليفينو)فقد وصفه قائلاً: «ريتسوس شاعر مناضل منتفض نحو وظيفة شعرية سامية، ينحت بإزميله الشعري حروفاً للجياع».

يبرز التنوّع المدهش في عالم ريتسوس الشعري، حيث يضم قصائده القصيرة، والتي قام فيها بالاشتغال على التفاصيل اليومية، ومحاولة الارتقاء باليومي والعادي والاعتماد على تاريخ اليونان وحكاياته الرمزية، إضافة إلى قصائد ملحمية طويلة وأخرى درامية، اعتمدت أيضاً على الأساطير اليونانية ولكن من أجل الكشف عن وجه اليونان المعاصرة من خلال رمزية مكثفة وعالية المستوى يكشف كل التناقضات التي التقطها حسه وانتباهه من حياته الزاخرة بالمواجع ومن خلال ما رآه أو قرأه يقول ريتسوس عن المرحلة الصعبة من حياته :

«لم يكن لدي ناشر أول الأمر، فكان علي أن أموّل مؤلفاتي بنفسي، وكنت ما أن أستعيد جزءاً من التكاليف، بعد بيع كتاب، حتى أدفع الثاني إلى المطبعة، ولم يتسن لي الحصول على شروط عمل ملائمة إلا عند بلوغي التاسعة والأربعين من عمري، أما قبل ذلك فقد عملت مجرّد مراجع في إحدى دور النشر، ولكن ذلك أفادني كثيراً، فقد قرأت، وأعدت قراءة دوستويفسكي وغيره من الأعلام. وفي وقت سابق عملت في المسرح، وكانت مهنة شاقة، وفوق ذلك كان علي أن أهتم بأسرتي، كنت أحتاج إلى نوم عميق، لكنني في تلك الفترة لم أستطع ذلك حتى نشرت "سوناتا في ضوء القمر" ونلت الجائزة الوطنية للشعر، فتحسنت أحوالي. وفي بداية عام 1956 وقعت عقداً مع دار "كيذروس" التي رغم ظروف عديدة لم أتخل عنها قط، إن الإخلاص خصلة مهمة في نظري».

أما المترجم جمال حيدر فقد أكد في مقدمته أن هذا العمل برمته يمثل خطوة أولى في مسيرة طويلة، وقال «إنه مشروع العمر الذي أعود إليه في مساحات الزمن الممكنة، وترجمة الكم الأوفر من نتاجات ريتسوس، لتصدر الأعمال الشعرية بأجزاء متعاقبة، وهذا ما يمكن تقديمه للقارىء العربي غير المتجذر الذي لم يعرف شاعراً بقامة ريتسوس، أو ذلك الذي يسعى لتعزيز معرفته بأشعاره. وسيكون الجزء الثاني من أعماله الشعرية بالاشتراك مع الصديق الشاعر عبدالكريم كاصد الذي بذل جهوداً متميزة لمراجعة نصوص هذا الكتاب في شكلها الأخير ومقارنتها بالترجمات الأجنبية المتوفرة، وفي أحايين عدة الاستعانة بأكثر من ترجمة في لغة واحدة للاستدلال إلى روح النص، وكان من نتاج هذا التعاون أيضاً، كتابٌ مشتركٌ لنصوص مختارة لريتسوس من المقرر أن يصدر عن إحدى دور النشر العربية».