بين غوبلز وبريخت؟!
أعطى لزوجته السم لقتل أطفاله الستة، فأعطت زوجته السم لأبنائها وفارقوا الحياة بعد ربع ساعة، وبعد وفاة أبنائه، أقدم هو وزوجته على الانتحار خارج المبنى العسكري الذي كان يقيم فيه، وفارقوا الحياة؟!
تلك كانت النهاية التراجيدية، لوزير الدعاية النازية «بول جوزيف غوبلز» بعد أن أصبح الجيش الأحمر على أبواب برلين، وهو صاحب مقولة «كلما سمعت كلمة ثقافة، تحسست مسدسي».. و «اكذب، اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس»
هذا الرجل بآرائه و سلوكه، يكثف موقف النازية من عملية المعرفة والثقافة عموماً، ودور وسائل الإعلام ووظيفتها وأدواتها، وتعكس في الوقت ذاته بؤس الحالة النفسية للمهزوم ورد فعله المحتمل..
يونس بحري.. الذي كان يعمل «خطيباً وإماماً» في عدد من الدول الأوربية، أصبح خلال سنوات الحرب العالمية الثانية مراسل إذاعة «محطة برلين العربية الإذاعية» الالمانية، ومن «مآثره» الإعلامية أنه: لقّب الزعيم النازي هتلر بـ «حج محمد هتلر» لتسويقه في «الأوساط الإسلامية» وعرف بأنه بوق المشروع الألماني..
انتهى غوبلز كرمز للثقافة الفاشية بنهايته المأساوية المذكورة أعلاه، يونس بحري كذراع إعلامي لتلك الثقافة، وخير معبّر عنها، انتقل بعد هزيمة ألمانيا من موقع إلى آخر عند هذا الزعيم أو ذاك، في عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، وانتهى الاثنان مع المشروع الذي سوّقا له في حينه.
في ذكرى الانتصار على الفاشية، وفي ظل تفشي النزعات الفاشية بتجلياتها المختلفة الدينية والعرقية من جديد، بأدواتها المتعددة الاقتصادية، والعسكرية والإعلامية والدعائية.. ماذا عن نماذج «غوبلز»، و «يونس بحري» في الإعلام المعاصر؟
الفاشية التي تجري محاولات محمومة لإعادة انتاجها في الظروف الراهنة، بالاستناد إلى التجربة السابقة، والتي تستخدم ذات الأدوات الدعائية، نظرية «اكذب» ذاتها، لن يكون مصيرها أفضل من مصير سابقتها، حيث ظهرت بعد الحرب وخلالها، أعمال إبداعية خالدة في الرواية والشعر والسينما والمسرح والموسيقى، ومدارس إعلامية جديدة تستخدم لغة السلام والتقدم الاجتماعي وتروج لهما، وذلك كمعادل طبيعي للانتصار السياسي والعسكري الذي حققته قوى السلام، وبما ينسجم مع الطبيعة البشرية وقيمها، إن الصراع الجاري اليوم في جانب منه يدور على الثقافة التي يجب أن تسود، ثقافة غوبلز، وبحري من جهة، أو ثقافة بريخت، وتيودوراكيس، وناظم حكمت من جهة أخرى.