الثلاثي جبران... موعد مع الحبّ والمقاومة
يحلّ الثلاثي الفلسطيني بعد غد ضيفاً على «ميوزيك هول» بدعوة من مهرجان «ليبان جاز». أمسية ترمي إلى جمع تبرعات لـ «جمعية توحيد شبيبة لبنان» (ULYP) التي تعنى بتعليم الشباب والأولاد والنساء. في زيارتهم الثانية الى لبنان، يستعيدون أبرز محطات أعمالهم ويوجّهون تحية الى محمود درويش
للثلاثي جبران، سمير (1973) ووسام (1983) وعدنان (1985) علاقة وثيقة بآلة العود. هم اعتادوا على أن تكون بينهم كفرد من العائلة، بعدما ترعرعوا مع والد وجدّ صنعا هذه الآلة وعزفا عليها. خلال العام الماضي، احتفل الإخوة الثلاثة بالعيد العاشر لتأسيس فرقتهم. بدأ سمير العزف منفرداً، وسرعان من تأثر به وسام وانضمّ إليه، فكان أولّ عربي يتخرّج من «مؤسسة أنطونيو ستراديفاري» الإيطالية لصناعة الآلات الوترية.
وأخيراً، انضمّ إليهما عدنان الذي تعلّم بنفسه العزف على العود رغم ميله إلى الايقاع ليكتمل الثلاثي الذي يعزف على أعواد من صنع وسام نفسه. كانت الحفلة الأولى للفرقة في باريس عام 2004. لكن ماذا عن أسلوب هذا الثلاثي الذي حقق لنفسه شهرة تخطّت حدود فلسطين والعالم العربي؟ ليس هناك من خط موسيقي معيّن يتبعونه، بل نوع من الإرادة التي تقودهم الى الحفاظ على تراث الموسيقى العربية، على نحو يشجّع من هم لا ينتمون الى هذه الثقافة على تذوّق فنّ العود. يتأثر الثلاثي بأنماط موسيقية غربية أيضاً، إضافة الى الموسيقى العربية الكلاسيكية. يتأملون في الجاز والروك وغيرهما من الأنواع. ولكنهم في الوقت عينه يحرصون على عدم تغيير هويتهم العربية من أجل التقرب من السامع. بلوغهم العالمية لا يعني اضطرارهم لإحداث تغييرات لجهة جدّيتهم ومهنيتهم في نقل هذه الهوية. فهم مصرّون، وفق كلام سمير في تواصل مع «الأخبار» على «أن تفرّق جماهيرنا بين كوننا موسيقيين فلسطينيين، وموسيقيين من فلسطين مدركين ضغط الهوية على الإبداع والثقافة. ونحن نؤمن بأن الفولكلور ليس فقط مادة من الماضي، بل هو المضي في تأليف ما هو جميل حتى يصبح يوماً بدوره فولكلوراً نفتخر به عندما يفرض نفسه على المشهد الثقافي».
للصمت مكانته في عمل هذا الثلاثي الشغوف. وسط الزحمة الموسيقية التي نعيشها في زمننا هذا، لم يعد في نظرهم أي وقت للفنان للتروي وسماع صوت الصمت. بحسب سمير «الصمت بين النغمات هو موسيقى بذاته». من أجل العمل بجدية، يتبع الثلاثي طقساً يقضي بالانفراد في مكان ما. كما يؤمنون أن الارتجال من أهم أسس بناء القطعة وعنصر المفاجأة أيضاً يأتي للتحرر من انسيابية الجملة التقليدية.
رافق الثلاثي الشاعر محمود درويش طوال 12 عاماً. جمعتهم معه نحو 30 حفلة في أوروبا والعالم العربي. قبل رحيله ببضعة أسابيع، رافقوه للمرة الأخيرة في إحدى المدن الفرنسية. يصعب على الموسيقيين الثلاثة التعبير عن العلاقة التي ربطتهم بدرويش والعمل الذي اقترن بهذه العلاقة وحمل عنوان «في ظلّ الكلام». يقرّ سمير بأنهم لطالما انتظروا ما سيتفوه به من كلام كيّ يتعلقّوا بنوع من الأمل، إذ إنه مثّل الثورة والإيمان بقدسية أرض فلسطين.
على صعيد آخر، ينكب الثلاثي على تأليف برنامج جديد بدأ العمل عليه ويتوقع أن يصدر في النصف الثاني من هذا العام. كما ستكون له مشاركة ضمن فعاليات مهرجان جرش الدولي 2015. أما الحفلة التي يقدّمها الموسيقيون الثلاثة في «ميوزيك هول» في بيروت بعد غد الاثنين، فتندرج في إطار دعوة قدمتها لهم مؤسسة «يوليب» المعنية بمجال التعليم. يقول سمير: «هذه هي المرة الثانية التي نأتي فيها الى لبنان وأذكر أنّنا بكينا في المرة الأولى التي حطت بنا الطائرة في مطار بيروت. كانت هذه سابقة بالنسبة إلينا، نحن المعتادون على التجوال في كل بقاع العالم. أذكر أنني قلت على المسرح اعذروني إذا تلعثمت بالكلام أو في العزف، فأنا كالعاشق الذي يلتقي حبيبته في أول الحب، فيرتبك ويتوتر». في اللقاء الثاني، يعد الثلاثي بأن يكون أقل ارتباكاً، خصوصاً أنه على موعد مع الحب. «سنبحر سوياً في أعمالنا من ألبوم «مجاز» و»رندنة» و»أسفار» وسنتذكر درويش ليشجو بصوته وشعره ونتمنى أن تزورونا في المرة القادمة في قدسنا المحرر من الاحتلال». واقع الثقافة في فلسطين يعتبره سمير ديناميكياً وغنياً منذ احتلال الأراضي حتى اليوم، وفي الكثير من المجالات. «لنتذكر الشعراء والكتّاب الكبار أمثال محمود درويش، وسميح القاسم، وابرهيم طوقان، وغسان كنفاني، وادوار سعيد، واميل حبيبي وغيرهم كثر». يشير أيضاً إلى أسماء لمعت في مجالات فنية أخرى كالسينما مثل إيليا سليمان، وميشال خليفة، ورشيد مشهراوي، وهاني أبو أسعد، ومي المصري، وآن ماري جاسر وغيرهم، وكذلك في الموسيقى أمثال المؤلف الكلاسيكي باتريك لاما، والفرق والمغنيين والمؤلفين الشباب المعروفين في العالم. ويضيف أن ظروف القمع والحياة الصعبة هي ما يولّد في الواقع حاجة داخلية الى التعبير والابداع. «الحركة الموسيقية في فلسطين لا تهدأ وعدد التلاميذ المنتسبين إلى معاهد الموسيقى كبير. أصبحت الثقافة هي المتنفس الوحيد للأمل وللمقاومة أيضاً، مقاومة الواقع المرير والاحتلال البغيض. وما ينقصنا هو صناعة الموسيقى بما فيه الإنتاج الفني والتسويق والترويج».
المصدر: الأخبار