إعلام الـ «لا حل»
منذ بداية الأزمة، وحتى انعقاد مؤتمر موسكو، لعبت الكثير من وسائل الإعلام دوراً مؤثراً في تعقيد الوضع المعقد أصلاً، وقد كان وما يزال الشغل الشاغل لها، التشويش على كل جهد خيّر، عبر إبراز ما هو إشكالي حصراً دون غيره، وعبر التركيز على ما هو مختلف عليه بالحد الأقصى، وعبر طرح ما يستفز هذا الطرف أو ذاك، ويزيد من تخندقه، وعبر محاولة تضخيم دور جهة ما، وتقزيم وزن جهة أخرى، وأخيراًعبر تجاهل ما يمكن أن يكون أمراً جامعاً..
كلما صدر تصريح إيجابي من هنا أو هناك بدأت بتحويره وتفسيره على غير حقيقته، وبما يخدم الـ «لا حل»، وكلّما جرت الدعوة إلى مؤتمرجدي راحت تشكك به سلفاً. ذرائعها جاهزة دائماً، في سياق الحالة المأزقية التي حشرت فيها كل الأطراف، في ظل الكيمياء المعقدة للأزمة..
لدى إعلام حزب الـ «لاحل» ما يكفي من التبرير حتى «يشيطن» هذا الطرف أو ذاك، ويحمّله كل أوزار الوضع على الخريطة السورية النازفة من جهاتها الأربع، إذ يكفي في ظل الحرب الدائرة، حرب الخنادق، وحرب المواقف، وحرب الأعصاب الدائرة، أن تستفز من تريد، وتؤثر على رأي من تريد، حتى ترفع من منسوب التوتر، طالما أن البنى السياسية التقليدية غالباً ما تحدد الموقف على أساس رود الأفعال، دون تحليل منطقي عقلاني هادئ للحدث، كما يفترض، وكما تتطلب أدنى درجة من الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يحدث من دمار مادي وروحي، تجاه حرب الاستنزاف التي يُراد لها ألا تنتهي..
انعقد منتدى موسكو فاستنفر إعلام الـ «لا حل» بطاقاته القصوى، وراح يستحضر كل ما من شأنه أن يقلل من وزن المنتدى، مرة بداعي عدم حضور كل أطراف المعارضة، ومرة لمستوى وفد النظام، ومرة ثالثة من خلال التشكيك بالدور الروسي أصلاً، أو من خلال المسارعة في الحكم على النتائج، أو اعتباره انتصاراً لطرف على آخر، أو اعتباره مؤتمر حل نهائي، مع العلم أن اللقاء من ألفه إلى يائه لقاء تشاوري، لا يلزم أحداً بنتائجه..
إعلام الـ «لا حل» هذا، إعلام عابر للاصطفافات المعروفة القائمة، ويتجاوز الخرائط المرسومة بالسلاح، إعلام يتوزع بين جميع الأطراف..