بين «الخيميائي» و«وردة باراثيلسو»..

بين «الخيميائي» و«وردة باراثيلسو»..

الكثير من التساؤلات تظهر حول أسباب الشهرة المثيرة للجدل التي تحصل عليها بعض الكتب، أو بعض الكتّاب، في وقت قصير. هل من دور للمنظومات السياسية والإعلامية في هذه المسألة؟

يمثل الكاتب البرازيلي باولو كويلو أفضل مثال على ما سبق ذكره، خاصة بعد الشهرة التي نالتها رواية «الخيميائي»، بعد نشرها عام 1988. يضاف إليها نشر أعماله في 160 دولة، وترجمتها إلى 67 لغة، وبيع منها أكثر من 150 مليون نسخة..
ما مقابل الشهرة؟
في البداية يطالعنا أمر غاية في الغرابة حول شهرة باولو كويلو، هو الاهتمام البالغ من قادة بلدان كُثر، وانكبابهم على قراءة أعماله من جهة. ومن جهة ثانية، احتلال أعماله للمنصات الأدبية في إمبراطوريات الإعلام العالمية. وتزخر صفحات الصحافة بالعديد من الأمثلة على ذلك؛ رئيس الوزراء الإيطالي، ماسيمو داليما، وصف «الخيميائي» بـ«القصة الخرافية المدهشة. إنها كناية عن حياة كل فرد». بينما علّقت صحيفة «الإنديبندنت» البريطانية على الرواية ذاتها بأنّها «خرافة أخاذة، عن القدر». وهذه عيّنات من عشرات الإشادات والدعايات التي تناولت الرواية المذكورة، وكاتبها، على المستوى «الرسمي» والإعلامي العالمي..
راكم باولو كويلو ثروة هائلة من بيع 150 مليون نسخة من كتبه حول العالم،  ساعده في ذلك عمله في المؤسسات الدولية المشبوهة فهو عضو في «معهد شيمون بيريز للسلام»!.. ومستشار اليونسكو «للتنوع الثقافي»، بالإضافة لكونه مستشاراً خاصاً لـ«الحوار بين الحضارات والثقافات». وربما يعطي ترويج هذه المؤسسات لأعماله، في كل مكان، جواباً كافياً عن سبب شهرته العالمية منقطعة النظير في عالم تملؤه المواهب والإبداعات.
ما حقيقة «الخيميائي»؟
ربما لا يعرف الكثير من القراء العرب، وفي مقدمتهم محبو هذه الرواية وكاتبها حقيقة الأمر. لكن القارئ الأرجنتيني يعرف تماماً أن باولو كويلو قد سرق أحداث روايته من كاتبهم الكبير خورخي بورخيس «1899-1986».
كتب بورخيس قصته القصيرة المسماة «وردة باراثيلسو»، قبل أن يصبح كويلو كاتباً بعقود، أو بالأحرى عندما كان هذا الأخير طفلاً رضيعاً. تتشابه أحداث رواية كويلو مع أحداث قصة «وردة بارثيلسو» القصيرة لدرجة كبيرة، تصل إلى حدود التطابق. ولولا أن كويلو قام بتغيير أسماء الشخصيات، وبعض التفاصيل الأخرى، لكنت تظن أنك تقرأ القصة ذاتها.
العالم يعرف بنحوٍ جيد القامة الكبيرة لبورخيس في الأدب. فقد آمن هذا الرجل وبشدة أن الكتابة والفكر يمكن أن يغيرا العالم نحو الأفضل. جمهور القراء بالإسبانية أحبوا كتاباته، وتداولوها بنحوٍ واسع في خمسينيات القرن الماضي، حتى أصبح من كبار أدباء أمريكا اللاتينية في القرن العشرين.
إن الشهرة التي يحوزها كاتب، مثل باولو كويلو، تدلل على الدور المتعاظم للمنظومات السياسية والإعلامية، في الإعلاء من شأن كاتبٍ ما، وطمس تأثير آخر، خلال العقود الأخيرة. يجري ذلك وفقاً لطبيعة «أدبه»، ومدى «حياديته» المزعومة، ومجانبته لأكثر القضايا الإشكالية التي باتت تملأ عالمنا. الكثير من الأدباء «المشهورين» اليوم، بفضل إمبراطوريات الإعلام والأدب، بلغوا ما بلغوه بسبب ابتعادهم عن الجوانب الجوهرية التي تمس الإنسان المعاصر، بل عملوا على بثّ الروح في عوالم الماورائيات والشعوذة، والسرقة الموصوفة للنصوص العظيمة بعد «ترجمتها» على نحوٍ رديء.