«شارلي ابيدو»..
مرة أخرى تكشف الماكينة الإعلامية عن بؤسها وسطحيتها في سياق تناول الحدث الفرنسي، بضخ مزيد من الدجل والتزييف. أغلب القراءات التي حاولت مقاربة حدث الاقتحام والاغتيال في مقر صحيفة «شارلي ابيدو» الفرنسية، دارت ضمن تلك الحلقة المفرغة التي تصور الأمر وكأنه صراع بين العلمانية والتدين، بين التخلف والحداثة، بين ثقافة وأخرى.. وغيرها من مفردات الاستهلاك الإعلامي التي تساهم في التغطية على جوهر الصراع الدائر، في أسبابه العميقة، في أدواته المتعددة التي تبدو أنها متناقضة ولكنها تخدم الهدف ذاته..
لن نقول إن التطرف غريب عن تراثنا بالمطلق، كي لا يتأرق ليبراليو«نا» الأكارم، ففي هذا التراث من التطرف ما فيه، ولكن هل هذا التطرف هو كما يقدمه لنا الإعلام الغربي وتلامذته الكسالى؟ وهل التطرف المتصاعد في عالم اليوم هو مسألة ثقافية فقط؟ وما هي سبل مواجهته؟ أم هو تطرف مصنّع- في زيادة تطرفه- إعلامياً، وممول وبات أداةً لتمرير مشاريع سياسية لهذه القوة الدولية أو تلك؟ فإذا كانت 1500 جريدة 1100 مجلة و90000 محطة راديو و1500 محطة تلفزيون و2400 دار نشر هي ممتلكات ست شركات عالمية فقط. وإذا كان الغرب بأثريائه وشركاته وبورصاته ومصارفه يستحوذ على 80% من الثروة المنتجة عالمياً، فهل يمكن إجراء أية محاكمة عقلانية، لأية ظاهرة عالمية دون أخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار؟ وهل يمكن تحديد موقف سياسي صحيح من أية قضية في العالم دون طرح السؤال الأساسي والبديهي في علم السياسة، وهو من المستفيد؟
لقد حفظنا الدرس– درس مكافحة الإرهاب- عن ظهر قلب. سيجتر المحللون كثيراً من الكلام حول الحدث، وستضخ الماكينة الإعلامية روايات عديدة وكثيرة حول المنفذين، وسيتبناها هذه التنظيم أو ذاك، وسيخرج من يبرر له ذلك، وقد «نتفاجأ» بتكرار مثل هذا الحدث في دول «متمدنة» أخرى سيحدث كل ذلك.. وطاحونة الدم ستستمر في الدوران، وسقطت 12 ضحية وسيسقط آلافاً أخرى، ليس مهماً هنا أو هناك، فالجغرافيا مستباحة أمام «الأنسنة» الغربية، كما التاريخ مستباح، كما الثقافات مستباحة، وقبل كل شيء كما الثروة مستباحة.. دون أن يذكرنا أحد أن التطرف «العلماني»، والتطرف «الديني» وجهان لعملة واحدة، إذا لم نقل أنها من مستنقع استخباراتي واحد.