شنغهاي للتعاون والجنوب العالمي: الربط عبر بنك التنمية الجديد
في مطلع كانون الأول، تم الإعلان عن استثمار إندونيسيا نحو 1 مليار دولار أمريكي في «بنك التنمية الجديد»، وذلك بوصفه أول مساهمة لها في إطار الانضمام إلى هذا البنك الذي أنشأته دول بريكس قبل 10 سنوات. وبحسب وزير التنسيق للشؤون الاقتصادية في إندونيسيا، فإن هذا القرار يعكس الدور النشط للجمهورية في تعزيز التعاون بين دول «الجنوب العالمي». وأوضح، أن الانخراط في بنك التنمية الجديد من شأنه توسيع وصول الدولة إلى الأسواق وتعميق التعاون مع أكبر الاقتصادات النامية. وخلال فترة الرئاسة الروسية لمجموعة بريكس عام 2024، تقدّمت إندونيسيا بطلب رسمي للانضمام إلى التكتل، ومع 1 كانون الثاني 2025 أصبحت دولة عضواً كاملاً في هذا التجمع الدولي.
يقوم بنك التنمية الجديد بتعبئة الموارد لتمويل مشاريع دول «الجنوب العالمي» في مجالات، في مقدمتها، الطاقة النظيفة غير الأحفورية، والبنية التحتية للنقل، وإمدادات المياه، والإسكان والخدمات البلدية، والرعاية الصحية، وحماية البيئة. وفي الوقت نفسه، يقدّم البنك قروضاً بشروط تفضيلية للدول المقترِضة، بما في ذلك القروض بالعملات الوطنية لتلك الدول؛ وقد تجاوزت حصة هذه العملات في النشاط الإقراضي للبنك حتى الآن 35 %، ومن المرجّح أن ترتفع أكثر في المستقبل.
الهدف الرئيسي لبنك التنمية الجديد، هو تقليص الفجوة بين إتاحة الموارد المالية واحتياجات الدول الأعضاء المؤسِّسة، إضافة إلى الدول الأخرى التي تُعد مستثمرين محتملين في البنك. ويُشار هنا إلى أن جميع هؤلاء المستثمرين الجدد في بنك التنمية الجديد هم اليوم شركاء في الحوار ضمن أطر «منظمة شنغهاي للتعاون» وبريكس.
وقد بلغت القيمة الإجمالية للقروض التي وافق عليها بنك التنمية الجديد لمشاريع مختلفة قرابة 40 مليار دولار. وتشمل أولويات هذه المشاريع: زيادة قدرات إنتاج الطاقة النظيفة بمقدار 2.4 ألف ميغاواط، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 14.7 مليون طن سنوياً، وبناء 35 ألف وحدة سكنية، و43 مدرسة، و1.4 ألف كيلومتر من الأنفاق والقنوات، و40.4 ألف كيلومتر من الطرق. إجمالاً، وافق بنك التنمية الجديد على نحو 120 مشروعاً من هذا النوع، وكان المستفيدون الرئيسيون منها: الصين، والهند، وجنوب أفريقيا.
مشروع نظام النقل الإقليمي السريع
كان الإقليم الوطني للعاصمة الهندية يعاني اختناقاً شديداً بسبب الازدحام المروري. فقد قُدِّر عدد الركاب اليومي على ممر دلهي– غازي آباد– ميروت بنحو 0.69 مليون شخص، في حين استخدم 63 % من المشاركين في الحركة المرورية بالسيارات الخاصة. وبسبب الاختناقات، كانت الرحلة بين دلهي وميروت في ولاية أوتار براديش تستغرق 3 إلى 4 ساعات. كما أدى النمو السريع في حركة السيارات إلى جعل نيودلهي ومحيطها من أكثر مناطق العالم تلوثاً. ومن المتوقع أن تزداد الضغوط على الإقليم الحضري للعاصمة الهندية، إذ يُفترض أن يصبح بحلول عام 2030 أكبر تجمع حضري من حيث عدد السكان في العالم. ويشكّل ذلك تحدياً كبيراً ليس فقط لنظام النقل، بل أيضاً لأنظمة إمدادات المياه والكهرباء وتوفير السكن وغيرها.
في عام 2020، جرى توقيع اتفاق خصّص بموجبه بنك التنمية الجديد للهند 500 مليون دولار أمريكي لإنشاء نظام نقل إقليمي سريع على ممر دلهي– غازي آباد – ميروت، بطول 82 كيلومتراً، منها 62 كيلومتراً تحت الأرض. ومن المتوقع أن تقلّص القطارات السريعة زمن الرحلة من دلهي إلى ميروت إلى ساعة واحدة. وفي تشرين الأول 2025، جرى تشغيل أول مقطع من هذا الخط فائق السرعة، الذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية والبيئة في الإقليم الحضري للعاصمة الهندية بشكل ملموس.
محطة الغاز الطبيعي المسال
في آذار 2021، وافق بنك التنمية الجديد على تمويل مشروع محطة كبرى في شمال الصين مخصّصة لاستقبال ونقل وتخزين الغاز الطبيعي المسال. واليوم، تلعب هذه المحطة دوراً مهماً في تزويد السوق الصينية بالغاز الطبيعي المنقول بحراً، بما في ذلك الإمدادات القادمة من روسيا.
ويعدّ خبراء مشروع محطة الغاز الطبيعي المسال في تيانجين من أكثر المشاريع أهمية من الناحية البيئية، إذ يرتبط التحول إلى الغاز في الصين باستخدام طاقة أنظف، والتخلي عن الاعتماد التقليدي على الفحم. ومن شأن هذه المحطة الجديدة الإسهام في الحفاظ على استخدام الغاز الطبيعي وزيادته، وبالتالي تحسين البيئة بشكل ملحوظ. وقد جرى تنفيذ المشروع حتى نهاية عام 2025 بنسبة تقارب 70 %.
مشروع الخط السادس لمترو تشينغداو
من بين أكبر المشاريع الأخرى في محفظة بنك التنمية الجديد، مشروع الخط السادس لمترو تشينغداو في الصين، الذي خُصص له 3.237 مليارات يوان. وقد دخلت المرحلة الأولى من هذا الخط الخدمة في نيسان 2024، وحصلت فوراً على جائزة «الرابطة الدولية للأنفاق» في فئة «تكنولوجيا البناء الأخضر للمترو، في ظروف جيولوجية ساحلية معقدة».
يبلغ طول المرحلة الأولى من الخط السادس أكثر من 30 كيلومتراً، وتشمل 21 محطة تحت الأرض. وهو أكبر خط مترو في الصين يُنفَّذ باستخدام هياكل مسبقة الصنع، وأول خط مترو في تشينغداو يعمل بنظام تحكم آلي كامل. والأهم من ذلك، أن هذا الخط يهدف إلى حل مشكلة الازدحام المتزايد في النقل، التي أصبحت عائقاً جدياً أمام نمو وتطور منطقة الساحل الغربي الجديدة في مدينة تشينغداو المينائية الكبرى. فثلاث مناطق اقتصادية سريعة النمو في هذا الجزء من الصين، كانت تفتقر إلى وسائل نقل عام صديقة للبيئة، ما تسبب بمشكلات مرورية ومخاطر بيئية متزايدة نتيجة انبعاثات العوادم.
خلال عامي 2023–2024، وافق بنك التنمية الجديد على تمويل 10 مشاريع بقيمة إجمالية بلغت 2.06 مليار دولار أمريكي. وكانت البرازيل والهند في صدارة الدول من حيث عدد المشاريع المعتمدة، فيما استحوذت المشاريع الهادفة إلى تطوير بنية تحتية للنقل أقل ضرراً بالبيئة على الحصة الأكبر، تلتها برامج تحسين إمدادات المياه.
وقال أستاذ الجامعة الأوروبية في مدريد، غييرمو ميغيل روكافورت بيريز: «أجد مشروع الهند «Piramal Finance Affordable Housing Project» مثيراً للاهتمام للغاية، إذ يوفّر الوصول إلى السكن عبر قروض ميسّرة ومناسبة للفئات الاجتماعية الهشّة، وكذلك المشروع البرازيلي «Pará Sanitation Development Project» الذي يركّز على المياه والصرف الصحي. من الواضح أن القوة الدافعة لبنك التنمية الجديد هي دعم التنمية».
ويشير الخبراء إلى ارتفاع نسبة الموافقة على مشاريع بنك التنمية الجديد، التي بلغت 62.5%، ما يعكس جدوى عدد كبير من هذه البرامج في دول بريكس وتماسكها الاقتصادي، وهو ما يؤخذ بعين الاعتبار عند إقرار المشاريع وفق الأولويات.
كما يوجّه بنك التنمية الجديد تمويلاً إلى روسيا. ففي عام 2024، أُعلن عن تخصيص 1.2 مليار دولار لمشاريع بنية تحتية في مجالات دعم تطوير النظام القضائي، وتطوير أنظمة إمدادات المياه والصرف الصحي، إضافة إلى مشروعين آخرين يهدفان إلى تطوير البلدات التاريخية الصغيرة، وتعزيز إمكاناتها السياحية. وبالنسبة لروسيا، كما هو الحال مع باقي الدول، فإن التعاون مع بنك التنمية الجديد يعني الوصول إلى موارد مالية طويلة الأجل بشروط أفضل مما هو متاح في السوق التجارية.
وفي تصريح أدلت به رئيسة بنك التنمية الجديد، ديلما روسيف، في سانت بطرسبورغ بتاريخ 18 حزيران 2025، أكدت: أن البنك أصبح «لاعباً استراتيجياً في الأسواق المالية للجنوب العالمي، وقد جرى الاتفاق على توسيع قائمة الدول الأعضاء، وإضافة أعضاء جدد شركاء في البنك». وأوضحت أن «دولتين جرى اختيارهما بالفعل كأعضاء جدد، هما أوزبكستان وكولومبيا، فيما لا تزال دولتان شريكتان في مرحلة المراجعة النهائية، هما إثيوبيا وإندونيسيا».
وبذلك، فإن بنك التنمية الجديد، مع انضمام هذه الدول الأربع «الجديدة»، يعزّز التفاعل ضمن أطر منظمة شنغهاي
للتعاون وبريكس والجنوب العالمي عموماً، في مواجهة ما يوصف بالإملاءات النيوكولونيالية لما يُسمّى اليوم «الغرب الجماعي» السابق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258