الكيان خائفٌ من عزلِه اقتصادياً
ذكرت صحيفة «The Times of Israel» خبراً صادماً بالنسبة «لإسرائيل»: الدولة العبرية مهددة بعُزلة اقتصادية. والمصدر الأول لهذا الخبر لم يكن سوى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه.
ترجمة: أوديت الحسين
في اجتماع وزارة المالية «الإسرائيلية» في القدس يوم 15 أيلول، صرّح رئيس الوزراء قائلاً: «إسرائيل في حالة من العزلة». وأضاف، أنّه ربما «سيكون علينا الانتقال إلى اقتصاد قائم على الاكتفاء الذاتي». وأوضح: «سنضطر بشكل متزايد إلى التكيّف مع اقتصاد يتسم بملامح الاستقلالية من دون تجارة خارجية». وأشار نتنياهو إلى أنّ الاكتفاء الذاتي ضروري بالدرجة الأولى للحفاظ على القدرة الدفاعية «لإسرائيل»: «لكن قد نجد أنفسنا في وضع تُحاصر فيه صناعاتنا الدفاعية. علينا تطوير هذه الصناعات هنا: لا أن نكتفي بالأبحاث والتطوير فقط، بل أن نمتلك القدرة على إنتاج ما نحتاج إليه».
ألقى «بيبي» الغاضب باللوم على المسلمين الذين يملؤون أوروبا بسرعة، على حد قوله، مما يجبر السياسيين الأوروبيين على تبني مواقف معادية «لإسرائيل» والحد من التجارة مع الدولة العبرية.
لكن وفقاً للإحصاءات الرسمية، تبلغ نسبة المسلمين المقيمين في السويد وفرنسا والنمسا 8 إلى 9%، وفي ألمانيا وبريطانيا – أكثر قليلاً من 6%، إضافة إلى ذلك، يتبنى الكثير من السكان الأصليين في البلدان الأوروبية مواقف معادية «لإسرائيل» وعلى هذه المواقف نفسها يقف العديد من المواطنين من أصول يهودية.
في الأشهر الأخيرة، ونتيجة للعمليات العسكرية «الإسرائيلية»، مُسح قطاع غزة إلى حدّ كبير من على وجه الأرض «إذ دُمّر ما يصل إلى 90% من المساكن». وبالتوازي، تنفّذ «إسرائيل» عمليات عسكرية ضد دول ذات سيادة، مثل: سورية ولبنان وإيران وقطر، من خلال شن غارات جوية عليها.
حتى أكثر السياسيين الأوروبيين تسامحاً بدأوا يقولون: إن «إسرائيل» تجاوزت منذ زمن الدفاع عن النفس إلى العدوان والإبادة الجماعية الحقيقية. وإنه يجب اتخاذ بعض التدابير للضغط على المعتدي. وكانت وكالة «Bloomberg» قد ذكرت في مطلع صيف هذا العام، أن عدداً من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا، تدرس إمكانية فرض عقوبات تجارية على «إسرائيل» وقيود على بيع الأسلحة.
في أوروبا، صار بعض السياسيين الأكثر حزماً يستشهدون بتركيا كمثال. فمنذ 7 تشرين الأول 2023 حتى 2 أيار 2024، خفضت تركيا حجم تجارتها مع «إسرائيل» بنحو 30%، وفي 9 نيسان 2024 أوقفت أنقرة تصدير 1019 صنفاً من السلع في 54 فئة إلى «إسرائيل». وكان الرئيس التركي أردوغان قد أعلن في ربيع 2024 أنّ التجارة التركية مع «إسرائيل» ستتوقف. لكن التجارة لم تتوقف كلياً بل تراجعت فقط. إلا أنّ تصريحاً جديداً صدر في 29 آب من هذا العام على لسان وزير الخارجية التركي، أعلن فيه قطع العلاقات التجارية مع «إسرائيل»: «أغلقنا موانئنا أمام السفن «الإسرائيلية»، ولا نسمح لسفننا بالدخول إلى الموانئ «الإسرائيلية». وأؤكد أنه لا توجد دولة أخرى أوقفت تجارتها مع «إسرائيل» بالكامل» – قال وزير الخارجية هاكان فيدان.
وبعد أن وجهت «إسرائيل» في 9 أيلول ضربات غادرة إلى قطر، بدأت في أوروبا جولة جديدة من النقاشات بشأن فرض عقوبات محتملة على «إسرائيل».
في 10 أيلول، صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، عن إمكانية فرض عقوبات على المسؤولين «الإسرائيليين» «المتمسكين بآراء متطرفة». وإضافة إلى ذلك، كما ذكرت صحيفة «The Jerusalem Post»، أعلنت رئيسة المفوضية عن «تعليق جزئي» لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و«إسرائيل» بسبب الوضع في قطاع غزة. ولإقرار العقوبات التي طُرحت في البرلمان الأوروبي، يلزم موافقة ما لا يقل عن 15 من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد. وليس مضموناً أن تحظى العقوبات بهذه الأغلبية، كما أشارت «The Jerusalem Post».
حتى الآن، لا حديث عن أي عقوبات اقتصادية جدية، مثل: فصل البنوك «الإسرائيلية» عن نظام «سويفت»، أو تجميد الاحتياطيات النقدية، أو الحظر التام على الصادرات والواردات. هناك فقط بعض القيود الرمزية والتهديدات. فبريطانيا رفضت مشاركة «إسرائيل» في معرض للأسلحة على أراضيها. وفرضت فرنسا حظراً مماثلاً على مشاركة «إسرائيل» في معرضها الوطني للأسلحة. وأعلنت إيرلندا أنها ستقاطع «اليوروفيجن 2026» إذا شارك فيه ممثل من «إسرائيل». جاء ذلك في 12 أيلول عبر قناة «RTE» المحلية التي تدير عملية اختيار المشاركين.
وربما ذهبت إسبانيا أبعد من غيرها من الدول، حيث أعلنت في 8 أيلول حظراً على توريد أي أسلحة أو ذخيرة أو سلع ذات استخدام عسكري «لإسرائيل». كما سيُحظر على جميع السفن التي تنقل وقوداً للقوات المسلحة «الإسرائيلية» العبور عبر الموانئ الإسبانية، وكذلك سيُمنع دخول الطائرات التي تحمل مواد عسكرية «لإسرائيل» إلى المجال الجوي الإسباني. إضافة إلى ذلك، فُرض حظر على استيراد منتجات من الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل «إسرائيل».
يبدو أن نتنياهو يعتقد أنّ بلداناً أوروبية أخرى قد تحذو حذو إسبانيا. وهذا سيكون بالفعل مؤلماً لاقتصاد «إسرائيل».
في عام 2024 بلغ الحجم الإجمالي للتجارة الخارجية «لإسرائيل» 153.2 مليار دولار أمريكي، منها: 91.5 مليار للاستيراد و61.7 مليار للتصدير. الفارق بين الصادرات والواردات كبير جداً، إذ بلغ العجز التجاري نحو 30 مليار دولار. وتشكّل الولايات المتحدة ثلث التبادل التجاري تقريباً، ومثلها الاتحاد الأوروبي، أما الثلث المتبقي فمع باقي الدول.
من المضحك التفكير بأن «إسرائيل» يمكن أن تعيش في ظل اكتفاء ذاتي اقتصادي كامل كما يفترض نتنياهو. «إسرائيل» دولة صغيرة جداً من حيث المساحة «20,770 كيلومتراً مربعاً» ومن حيث عدد السكان «نحو 10 ملايين نسمة». مواردها الطبيعية قليلة «بعض احتياطات النفط الصخري والغاز الطبيعي البحري». من دون الاستيراد والتصدير لن تصمد «إسرائيل» عاماً واحداً.
أكثر السيناريوهات تشاؤماً بالنسبة «لإسرائيل» هو حظر التجارة من جانب الاتحاد الأوروبي وشركاء التجارة التقليديين الآخرين باستثناء أمريكا. فالسلطات «الإسرائيلية» تثق بأن أمريكا لن تفرض أي عقوبات تجارية.
أمريكا هي الدعامة الأساسية والثابتة «لإسرائيل». فهي تدعمها ليس فقط عبر التجارة «التي تعاني عجزاً مزمناً لصالح أمريكا»، بل أيضاً عبر المساعدات العسكرية. «إسرائيل» تقليدياً هي أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية المجانية الأمريكية. ووفقاً لبيانات خبراء مجلس العلاقات الدولية، زوّدت أمريكا «إسرائيل» منذ عام 1946 وحتى بداية الحرب في قطاع غزة بأسلحة بلغت قيمتها 310 مليارات دولار. وفي حال أسوأ سيناريو «فرض عقوبات من جانب أوروبا وشركاء تجاريين آخرين»، ستعوض أمريكا على الأقل جزئياً الخسائر التجارية «لإسرائيل».
لكن ربما لا ينبغي استبعاد احتمال أكثر سلبية. فلا ينبغي الافتراض أن اللوبي المؤيد «لإسرائيل» في أمريكا قوي وأبدي. هذا ما لا يُقال كثيراً، لكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام 2009 فرض فعلياً حظراً على توريد الأسلحة «لإسرائيل». فقد أوقف جميع الطلبات الكبيرة «لإسرائيل»، بما فيها المشاريع الرئيسية والتحديثات، رابطاً بيع السلاح بالتقدم في عملية السلام. هذا الأمر أخفاه حتى نتنياهو نفسه خوفاً من أن تحذو دول أخرى حذو أمريكا وتشارك في حصار «إسرائيل».
جدير بالذكر، أنّ «حرب الأيام الاثني عشر- عدوان «إسرائيل» على إيران في حزيران من هذا العام» أدخلت انقساماً في صفوف الكتلة الجمهورية التي بدت متماسكة تحت شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً». صحيح أنّ هذا الانقسام لم يصل إلى أعضاء الكونغرس الجمهوريين المنتخبين، لكنه ظهر في صفوف القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري.
وقد اعتُبر يوم 31 تموز من هذا العام، بحسب العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، نقطة تحوّل تعكس «انهيار الدعم التاريخي ثنائي الحزب لإسرائيل» في الكونغرس. فقد طُرحت على مجلس الشيوخ الأمريكي حينها مسودة قرار أعدها السيناتور المستقل بيرني ساندرز، وهو مشارك في كتلة الحزب الديمقراطي. وبعد التصويت، أوضح ساندرز أنّ 27 من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين صوّتوا لصالح القرار، فيما عارضه 17. أما الجمهوريون جميعاً رفضوا القرار، ما حال دون اعتماده. ومع ذلك، أكد ساندرز بعد التصويت أنه واثق من أنّ المساعدات «لإسرائيل» ستُحجب: «الوضع يتغيّر. الشعب الأمريكي لا يريد إنفاق مليارات لتجويع الأطفال في غزة. الديمقراطيون يحققون تقدماً، وأتوقع دعم الجمهوريين قريباً».
بالطبع، لا ينبغي المبالغة في موقف الديمقراطيين. فهم قالوا ويقولون: إنهم يدعمون «إسرائيل» من حيث المبدأ. لكن القضية أنهم يعارضون بشكل قاطع سياسة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو.
زعيم المعارضة «الإسرائيلية»، السياسي والشخصية العامة، مؤسس حزب «يوجد مستقبل» يائير لابيد علّق على تصريح رئيس الوزراء بشأن احتمال عزل «إسرائيل» اقتصادياً قائلاً: «تصريح نتنياهو بأن إسرائيل تدخل العزلة، ويجب أن تتكيّف مع اقتصاد العزلة – تصريح جنوني. العزلة ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة سياسة نتنياهو الخاطئة والفاشلة».
فهل يمكن «لإسرائيل» أن تعيش في العزلة الاقتصادية؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245