هل سيكون 2025 صاخباً أم راكداً اقتصادياً
انتهى عام 2024 مع ركود أو جمود اقتصادي في ستة من أكبر سبعة اقتصادات رأسمالية، وفقاً لقياس الناتج المحلي الإجمالي. وعند قياس الناتج المحلي الإجمالي للفرد، لم يكن أداء الولايات المتحدة، التي كانت الأفضل بين اقتصادات مجموعة السبع، جيداً بدوره، بينما بقيت بقية الدول في حالة جمود على أفضل تقدير.
ترجمة: أوديت الحسين
قدم البنك الدولي صورة قاتمة للوضع بالنسبة لمعظم الناس في العالم. ففي عام 2024 «تباطأ انخفاض الفقر المدقع عالمياً إلى حد شبه التوقف، ومن المتوقع أن تكون الفترة من 2020 إلى 2030 عقداً ضائعاً». يعيش نحو 3.5 مليار شخص على أقل من 6.85 دولارات يومياً، وهو خط الفقر الأكثر ارتباطاً بالدول ذات الدخل المتوسط، التي تضم ثلاثة أرباع سكان العالم. «ومن دون اتخاذ إجراءات جذرية، قد يستغرق القضاء على الفقر المدقع عقوداً، وأكثر من قرن للقضاء على الفقر كما يُعرّف بالنسبة لنحو نصف سكان العالم». ومع التقدم الضئيل في السيطرة على الاحتباس الحراري، «واجه 1.2 مليار شخص مخاطر وتعرضاً عالياً للمناخ، وكانت جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أكثر المناطق تضرراً».
ثم تأتي أزمة الديون في ما يسمى بـ«الدول النامية». يقول البنك الدولي مجدداً: «تسببت جائحة كوفيد-19 في زيادة حادة في أعباء ديون جميع الدول النامية، وقد جعلت الزيادة اللاحقة في أسعار الفائدة العالمية من الصعب على العديد منها استعادة توازنها. في نهاية عام 2023، بلغ إجمالي الدين الخارجي المستحق على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط مستوىً قياسياً قدره 8.8 تريليون دولار، بزيادة قدرها 8% مقارنة بعام 2020. وارتفعت مدفوعات الفوائد على الدول النامية بنسبة تقارب الثلث لتصل إلى 406 مليارات دولار، مما ترك تلك الدول بموارد أقل للاستثمار في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والبيئة».
كما وجدت منظمة العمل الدولية أن معظم العمال في عام 2024 عانوا من انخفاض أو عدم تحسن في أجورهم عند احتساب التضخم، ومن غير المرجح أن يتحسن الوضع كثيراً في عام 2025. لا تزال الأجور الحقيقية أقل من مستوياتها التي كانت قبل الجائحة في العديد من مناطق العالم. ولا تزال الفجوات في الدخل بين العمال الأعلى أجراً والأدنى أجراً في العالم واسعة. حسبت منظمة العمل الدولية أنه في عام 2021 (مع تعديل القوة الشرائية)، كان العاملون ضمن أدنى 10% من العمال يكسبون 250 دولاراً شهرياً، بينما كان أعلى 10% يكسبون 4199 دولاراً شهرياً مقابل عمل بدوام كامل. «وهذا يعني أن القوة الشرائية للموظف الذي يحصل على الأجر الوسيط في الدول منخفضة الدخل تبلغ نحو 6% من القوة الشرائية للموظف الوسيط في الدول مرتفعة الدخل». وعلى الصعيد العالمي، حصل أدنى 10% من العمال أجراً على 0.5% فقط من إجمالي الأجور، بينما حصل أعلى 10% أجراً على 38% من إجمالي فاتورة الأجور العالمية.
في النصف الأول من عام 2024، بقيت الأجور الحقيقية أقل مما كانت عليه في عام 2019، أي قبل الجائحة، في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وكذلك في اليابان وكوريا الجنوبية. أما في الولايات المتحدة، فقد كانت الأجور الحقيقية أعلى بنسبة 1.4% فقط. وفي الواقع، لا تزال الأجور الحقيقية في بعض الدول - مثل المملكة المتحدة واليابان وإيطاليا - أدنى من مستوياتها المسجلة في عام 2008، عام الركود الكبير! وعلى النقيض من ذلك، ارتفعت الأجور الحقيقية في الصين بنسبة 27% مقارنة بعام 2019، كما سجلت البرازيل أيضاً زيادة كبيرة.
قام «مختبر اللامساواة العالمي» بتحديث أحدث تقديراته لعدم المساواة في الدخل والثروة عالمياً. تُعد الولايات المتحدة أكثر الدول غير العادلة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يذهب 21% من الدخل القومي إلى أغنى 1% - وهي النسبة نفسها في المكسيك (21%) وأعلى قليلاً من جنوب أفريقيا (%19). وبينما كانت الدخول الحقيقية لمليارات الأشخاص راكدة أو شهدت ارتفاعاً طفيفاً فقط، ارتفعت الدخول والثروات للأثرياء بشكل غير مسبوق. فقد سجل سوق الأسهم الأمريكي مستويات قياسية جديدة، وشهد الأثرياء في الولايات المتحدة مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وغيرهما ارتفاعاً صاروخياً في صافي ثرواتهم بمليارات الدولارات لتصل إلى مستويات فاحشة.
تفاؤلٌ فارغ
في عام 2024، نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة تقارب 2.5% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، مما خلق صورة «الاستثنائية الأمريكية»: أيْ اقتصاد قوي، ودولار قوي، وتوسع مدفوع بالوقود الأحفوري والذكاء الاصطناعي. وقد كان هناك ثقة كبيرة في استمرار الاقتصاد الأمريكي على هذا النحو، لدرجة أن شركة بلاك روك، أكبر صندوق استثماري في العالم، زعمت في توقعاتها لعام 2025 أنّ «دورات الازدهار والانهيار في النظام الرأسمالي قد انتهت». تسوِّق بلاك روك أنّ الاقتصاد العالمي يشهد حالياً عملية «إعادة تشكيل» كاملة بفعل بروز خمس «قوى ضخمة» جديدة، تشمل التحول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية، والتجزُّؤ الجيوسياسي، والاتجاهات الديموغرافية، ورقمنة التمويل، والذكاء الاصطناعي. ويبدو أنّ هذا يعني أنّ الاقتصاد العالمي سيتحرّر من «الاتجاهات التاريخية» التي شهدت مرور الأسواق بدورات من الازدهار والانهيار على مدار قرون.
ليس من المستغرب تفاؤل بلاك روك بالنظر إلى المكاسب الضخمة في أسعار الأصول المالية التي استفادت منها في عام 2024. ومع ذلك، فإنّ الوكالات الاقتصادية الدولية الكبرى أقل حماساً. ففي أحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي، يتوقع صندوق النقد الدولي أنْ يظلّ النمو الاقتصادي العالمي ثابتاً عند نحو 3.2% هذا العام. ويُعَدّ هذا المعدَّل من أضعف معدّلات النمو منذ عقود، مع تزايد «المخاطر السلبية التي تهيمن على التوقعات». ويتوقع الصندوق أنْ تظل الولايات المتحدة تقود النمو بين الاقتصادات المتقدّمة في عام 2025، إلّا أنّ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الأمريكي سيتباطأ إلى 2.2% في عام 2025، بينما ستكافح بقية دول مجموعة السبع لتجاوز 1% سنوياً. قد يستمر الاقتصاد الأمريكي في التوسع، لكن ليس في قطاعه الصناعي، وهو الجزء الإنتاجي من الاقتصاد. فقد انكمش الإنتاج الصناعي في عام 2024، كما حدث في جميع الاقتصادات الكبرى.
كما يشعر صندوق النقد الدولي بالقلق من خطط ترامب لزيادة الرسوم الجمركية على واردات السلع من الدول التي لا تتماشى مع هدفه في «جعل أمريكا عظيمة مجدّداً»، ممّا قد يؤدي إلى «انخفاض الإنتاج مقارنة بتوقعاتنا الأساسية. وقد تظلّ السياسات النقدية متشدّدة لفترة طويلة جداً، وقد تتشدّد الظروف المالية العالمية بشكل مفاجئ».
صحيح أنّ تضخم أسعار السلع والخدمات قد انخفض من مستوياته المرتفعة في عام 2022، لكنه لم يعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، فضلاً عن الوصول إلى أهداف البنوك المركزية البالغة 2% سنوياً. وفي الواقع، هناك مؤشرات في الاقتصادات الكبرى على أنَّ معدَّل التضخّم بدأ بالارتفاع مجدداً. ويُثبت أنّ «قطع المِيل الأخير» في محاربة التضخم، كما يُطلق عليه، أمر شبه مستحيل. وإذا استمر هذا الوضع خلال عام 2025، فإنّ البنوك المركزية ستتوقف عن خفض أسعار الفائدة، وبالتالي ستظل تكاليف الاقتراض للشركات والأسر مرتفعة.
وكما قال روشير شارما من مؤسسة روكفلر: «الإعجاب بـ«الاستثنائية الأمريكية» في الأسواق قد ذهب بعيداً للغاية... الحديث عن فقاعات في قطاع التكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعي، أو في استراتيجيات الاستثمار التي تركز على النمو والزخم، يخفي «أمّ الفقاعات» في الأسواق الأمريكية. إذ تسيطر أمريكا بشكل كامل على تفكير المستثمرين العالميين، وأصبحت مملوكة بشكل مفرط، ومقيَّمة بأعلى من قيمتها، ومبالَغ في الترويج لها بدرجة غير مسبوقة. وكما هو الحال مع جميع الفقاعات، من الصعب معرفة متى ستنكمش هذه الفقاعة أو ما الذي سيؤدي إلى تراجعها». هناك بالفعل مؤشرات على ذلك، فقد انخفض مؤشّر سوق الأسهم الأمريكية S&P 500 بنسبة 1.6% في كانون الأول، مع تراجع 6 قطاعات أو أكثر بنسبة 5% أو أكثر.
على الأرجح، سيستمر النمو في أوروبا واليابان في عام 2025 قريباً من حالة الجمود، وكذلك في كندا وأستراليا. كما أنّ النمو الاقتصادي وتوسع التجارة في كل دولة من دول مجموعة «بريكس» سيكون أبطأ مما كان عليه في عام 2024. لذلك، وبدلاً من أنْ يكون عام 2025 بداية لـ«عشرينيّات صاخبة»، فمن المرجَّح أنْ يكون استمراراً لـ«عشرينيات فاترة» بالنسبة للاقتصاد العالمي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1210