نظرة إلى حركة اقتصادات الصين والأنغلوساكسون
تقوم شركة ديلويت (Deloitte) وهي أكبر شركة خدمات وتدقيق محاسَبي في العالم من حيث العائدات وعدد الموظفين، بمراقبة حركة الأسواق والاقتصادات العالمية الكبرى بشكل دوري. إليكم أبرز ما نشرته عن الأسبوع الأخير من عام 2024.
ترجمة: أوديت الحسين
الصين
يعاني الاقتصاد الصيني سلسلةً من العقبات التي أدّتْ إلى تباطؤ النُّمو، وتشمل هذه العقبات مشاكل في سوق العقارات السكنيّة، وضعف الإنفاق الاستهلاكي، وضعف الاستثمارات في القطاع الخاص. وقد تفاقمت هذه المشكلات بسبب التحدّيات الديموغرافية الثقيلة، مثل انخفاض عدد السكان في سنّ العمل وتوقّف الهجرة الداخلية التي كانت سابقاً تعزّز الإنتاجية. علاوةً على ذلك، تواجه الصين قيوداً محتملة على قدرتها على تحقيق النموّ من خلال الصادرات. في الأسابيع القليلة الماضية، أشارت الحكومة إلى نيّتها تقديمَ حوافز ماليّة تهدف إلى تعزيز الطَّلَب المحلّي. ومن المرجَّح أنْ توفر البيانات الأخيرة المزيد من الأدلة على ضرورة اتخاذ مثل هذه الإجراءات.
في تشرين الثاني، ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين بنسبة 3% فقط مقارنة بالعام السابق، وهو معدل أبطأ بكثير من النمو الذي بلغ 4.8% في تشرين الأول. كان هذا أبطأ نمو لمبيعات التجزئة منذ آب. لكن في الوقت نفسه، ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 5.4% في تشرين الثاني مقارنة بالعام السابق. كان هذا تحسناً طفيفاً مقارنة بشهر تشرين الأول، ولكنه لا يزال أقل بكثير من معدلات النمو التي شهدها عام 2023 وبداية 2024. ارتفع قطاع التصنيع بنسبة 6%، بينما ارتفع إنتاج المرافق بنسبة ضئيلة بلغت 1.6%. داخل قطاع التصنيع، كان هناك نمو قوي في الحواسيب ومعدات الاتصالات «بارتفاع 9.3% عن العام السابق»، والسيارات «12%»، والكيماويات «9.5%»، ووسائل النقل غير السيّارات «7.9%».
يعكس ذلك جزئياً جهود الحكومة لتعزيز الاستثمار في إنتاج المنتجات التي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة. الهدف كان تعزيز الصادرات التي تشهد حالياً نمواً قوياً. ومع ذلك، يكمن الخطر في أن الإجراءات الحمائية من الشركاء التجاريين ستحدّ من نمو الصادرات، مما يزيد من تفاقم فائض الطاقة الإنتاجية الذي يتسبب بالفعل في ضغوط انكماشية. علاوة على ذلك، فإنّ القوة الأخيرة للصادرات كانت جزئياً نتيجة لتسريع الصفقات التجارية قبل فرض التعريفات الجمركية. وهذا يشير إلى أنَّ نموَّ الصادرات سيتباطأ في الأشهر المقبلة.
كما ارتفع الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، بنسبة 3.3% مقارنة بالعام السابق. وبينما انخفض الاستثمار في العقارات بنسبة 10.4%، ارتفع الاستثمار في التصنيع بنسبة 9.3%. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت أسعار المنازل في 70 مدينة صينية كبرى بنسبة 5.7% في تشرين الثاني مقارنة بالعام السابق. كان هذا أفضل قليلاً من الانخفاض الذي بلغ 5.9% في تشرين الأول. كانت هذه هي المرة الأولى منذ أيار 2023 التي يحدث فيها تباطؤ في ضعف أسعار العقارات. ومع ذلك، كان هذا هو الشهر السابع عشر على التوالي الذي تنخفض فيه أسعار المنازل مقارنة بالعام السابق. أدى انخفاض قيم العقارات إلى إلحاق الضرر بثروة الأسر، مما يحتمل أن يكون له تأثير سلبي على استعداد الأسر للإنفاق.
إن العقبات التي يواجهها اقتصاد الصين لها بالفعل تأثير امتدادي على بعض البلدان الأخرى. البلدان الغنية بالموارد مثل كندا والبرازيل، التي اعتمدت على تصدير السلع الأساسية إلى الصين، شهدت انخفاضاً في عملاتها جزئياً بسبب ضعف الصادرات إلى الصين. السبب الآخر هو تهديد التعريفات الجمركية من الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة
كان الاحتياطي الفيدرالي قد أعرب سابقاً عن قلقه من ارتفاع التضخم في الأجور بسبب شدة ضيق سوق العمل. وكان يخشى أن تكون الزيادات الكبيرة المستمرة في الأجور مسؤولة عن التضخم المستمر في الخدمات. مع تباطؤ الأجور، يثار السؤال حول سبب توقع الاحتياطي الفيدرالي الآن تضخماً أعلى مما كان متوقعاً سابقاً.
أثّرت خيارات الاحتياطي الفيدرالي بشكل كبير على أسواق العقود الآجلة. ارتفع نسبة الاحتمال برأي الخبراء بأن الاحتياطي الفيدرالي سيُبقي على أسعار الفائدة في كانون الثاني إلى 91.4%، مقارنة بنسبة 54% قبل شهر. يفسر هذا التغيُّر في التوقعات إلى حد كبير الحركةَ الأخيرة لأسعار الأسهم والسندات.
كما أن تغير التوقعات بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي تسبب في اضطرابات كبيرة في أسواق العملات. في البرازيل، انخفضت العملة إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، حيث تراجعت بنسبة 23% هذا العام. هناك قلق من أن العملة ستستمر في الانخفاض، مما يؤدي إلى زيادة التضخم في البرازيل. في الوقت نفسه زاد البنك المركزي الصيني من تدخله في أسواق العملات لتحقيق الاستقرار في اليوان. كانت العملة الصينية تحت الضغط بسبب توقّعات بارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية أكثر مما كان متوقعاً سابقاً. علاوة على ذلك، فإنّ التوقُّع بأنّ الولايات المتحدة ستفرض تعريفات جمركية على الصين وضع ضغوطاً إضافية على اليوان.
هناك عدة أسباب تدفع الصين إلى تجنب انخفاض قيمة عملتها. أولاً، يمكن أن يكون ذلك تضخمياً، على الرغم من أنّ هذا ليس مصدر قلق حالياً بالنظر إلى تعامل الصين مؤخَّراً مع الانكماش. ثانياً، من المحتمل أن يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى زيادة التوتر مع الولايات المتحدة، حيث يُنظَر إلى تجنُّب انخفاض العملة كوسيلة لتجنب تصاعد التوترات التجارية. ثالثاً، تطمح الصين إلى جعل اليوان عملة رئيسية للتجارة والاحتياطيات، وضعف قيمة اليوان يتعارض مع هذا الهدف.
في الولايات المتحدة، شهدت مبيعات التجزئة نموّاً قوياً في تشرين الثاني، لكنّ النمو في مبيعات التجزئة كان بسبب النمو السريع في الإنفاق على السيارات بشكلٍ شبه كامل. باستثناء هذا القطاع، نمت مبيعات التجزئة بشكلٍ متواضع.
المملكة المتحدة
تسارع التضخم في المملكة المتحدة في تشرين الثاني، مما خلق تحدّياً محتملاً لبنك إنكلترا. أفادت الحكومة أنّ أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 2.6% في تشرين الثاني مقارنة بالعام السابق، مرتفعة من 2.3% في تشرين الأول، وهو أعلى معدل تضخم سنوي منذ آذار 2024.
وعند استبعاد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 3.5% مقارنة بالعام السابق، وهو ثاني أعلى معدل منذ نيسان 2024. وتم عزو تسارع التضخم إلى ارتفاع أسعار الوقود بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الملابس. وفي الوقت نفسه، ظل التضخم في الخدمات مرتفعاً عند 5%، وهي مشكلة تعاني منها أيضاً كل من منطقة اليورو والولايات المتحدة. ومع ارتفاع الأجور في ظل سوق عمل ضيق، ومع ركود الإنتاجية، يبدو من غير المرجح أن يخف تضخم الخدمات في المستقبل القريب.
كما كان متوقعاً، أبقى بنك إنكلترا على سعر الفائدة الأساسي دون تغيير. وكان قرار لجنة السياسة النقدية بأغلبية ستة مقابل ثلاثة. وأعربت الأغلبية عن قلقها من أن تسارع الأجور والأسعار «زاد من خطر استمرارية التضخم». ويعني هذا القرار أن بنك إنكلترا يركز أكثر على التضخم بدلاً من النمو الاقتصادي.
أشار الأعضاء الثلاثة في لجنة السياسة النقدية في البنك الذين صوتوا لخفض سعر الفائدة الأساسي إلى «الطلب البطيء» باعتباره مصدر قلق. وأشارت اللجنة أيضاً إلى المخاطر الخارجية، مشيرة إلى أن هذه المخاطر قد زادت. ويُرجَّح أن تكون هذه إشارة إلى الرسوم الجمركية المحتملة من الولايات المتحدة. استجابةً لقرار بنك إنكلترا، انخفضت عوائد السندات وكذلك قيمة الجنيه الإسترليني. وهذا يعكس على الأرجح ثقة المستثمرين بأنّ سياسة بنك إنكلترا ستؤدي إلى خفض التضخم. بمعنى آخر، نجح بنك إنكلترا في تثبيت توقعات التضخم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1209