طائرات الجيل السادس والتفوُّق الصيني
كتب تشين صون، وهو كاتب مستقل مهتمّ بالشؤون العسكرية، عن الخَرْق الصيني العسكري بالتوصل إلى تصميم وصناعة طائرات حربية من الجيل السادس، ويشرح بشكلٍ وافٍ عن نوع هذه الطائرات وما يجب أن تتميّز به في الصين وغيرها عن الجيل السابق. إليكم أبرز ما جاء في المقال.
ترجمة: قاسيون
من المؤكَّد أنّ الصين بحاجة إلى تطوير الجيل السادس من الطائرات الحربية، خاصة أنها خلال السنوات الماضية تمكّنت من تحقيق تقدم سريع في تصميم وتصنيع وتشغيل طائرات متطورة مثل «جيان-10» و«جيان-20»، مما أسفر عن تحقيق اختراقات جديدة أهَّلتْها للبدء في تطوير طائرات الجيل السادس.
مع ذلك، لم تُصدر الصين أيَّ معايير رسمية لتصنيف أجيال الطائرات الحربية. عندما ظهرت «جيان-20» لأوّل مرّة، أُطلِقَ عليها لقب «الحرير الأسود». السبب يعود إلى أنّ «جيان-20» صُنّفت آنذاك كطائرة من الجيل الرابع، وعبارة «الحرير» جاءت كتلاعب لفظي ناعم يعكس هذه الفكرة، ولونها الرمادي الداكن ساهمَ في منْحِها هذا اللَّقب. ولكن بعد أنْ غيّرت الولايات المتحدة تصنيفَها، أصبحت «جيان-20» تُعتَبَر طائرة من الجيل الخامس، ممّا يجعل الجيل السادس هو الخطوة القادمة.
قبل ظهور طائرات الجيل الخامس، كانت الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا بلا شكّ في طليعة هذا المجال، بينما كانت الصين تلعبُ دورَ اللّحاق بالركب. ورغم أنّها نجحت في تجاوز المنافسين لاحقاً، إلّا أنّها كانت متأخِّرة في البداية. أمّا الآن، في مجال الجيل السادس، فقد أصبحت الصين في موقع الريادة، وهو تطوُّر له تأثيرات لا يمكن التقليل من شأنها عسكرياً وسياسياً وحتى نفسياً.
لكن، كيف ينبغي أن تبدو طائرة الجيل السادس؟ تحاول الدول الأخرى التحرك ببطء في هذا المجال. فالولايات المتحدة تعاني من مأزق في مشروع NGAD «الهيمنة الجوية للجيل القادم»، وروسيا تلاقي صعوبات في المضيّ قدماً، بينما طرحت أوروبا مشروع «العاصفة» الذي يجمع بين بريطانيا وإيطاليا واليابان، بالإضافة إلى مشروع NGF الذي يضم فرنسا وألمانيا وإسبانيا. ومع ذلك، حتى هذه المشاريع التي تبدو وكأنها مجرَّد عروض تقديمية، تثير لدى المراقبين تعليقاً من كلمتين: «هذا فقط؟».
الأقرب إلى الموثوقية فيما يتعلق بطائرات الجيل السادس حدث في حزيران 2023، عندما احتفلت شركة «لوكهيد مارتن» بالذكرى الثمانين لتأسيس مصنعها «سكَنْك ووركس». يُعتَقَد على نطاق واسع أنّ الصورة التي تمّ نشرُها تمثل تصميم الجيل السادس من الطائرات الحربية للشركة NGAD.
لكن الجدير بالذكر أنّ التكلفة المتوقَّعة لطائرة NGAD تصل إلى 300 مليون دولار لكل وحدة، وهو مبلغ حتى سلاح الجو الأمريكي يجد صعوبة في تحمله. حالياً، يبدو أن المشروع في حالة «موت دماغي»، ولا شيء سوى «يد الله» يمكن أن يعيد إحياءه.
لتُعتبَر الطائراتُ من الجيل الخامس، يجب أن تتميّز بعدة خصائص مثل التخفي، الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت دون الحاجة إلى الحارق الإضافي (Supercruise)، المناورة الفائقة، والوعي الفائق بالوضع القتالي. وفي النهاية، كانت طائرات F-22 و«جيان-20» هي الوحيدة التي حققت كل هذه المتطلبات. أمّا «جيان-35»، فبياناتها التقنية لا تزال غير واضحة، مما يجعل من الصعب تأكيد ما إذا كانت تلبّي كل الشروط، بينما طائرة F-35 لم تحقق ميزة الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت، وقدرتها على المناورة تُعتبر ضعيفة إلى حد ما.
أما طائرات الجيل السادس، فهي بحاجة على الأقل إلى تحقيق ما حققته طائرات الجيل الخامس، مع إضافة ميزات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي المتقدم، القدرة على العمل في وضع مزدوج (بطيّار أو دونه)، واستخدام طائرات مسيّرة كمرافقة قتالية.
التصميم والذكاء الاصطناعي
لا يزال من الصعب تحديد ما يمكن للذكاء الاصطناعي المتقدم أن يحققه بشكل دقيق، ولكن الحاجة إليه لا شك فيها. أما الوضع المزدوج فهو ابتكار جديد، حيث إنّ جعل الطائرات المسيّرة تضاهي أو تتفوق على الطائرات المأهولة من حيث الكفاءة القتالية يُعدّ تحدياً كبيراً، إذ إن المساحة والتكاليف التي تشغلها قمرة القيادة وأنظمة حماية الطيار أصبحت تقلّ تدريجياً مقارنة بالتكاليف العامة للطائرة.
عند الحديث عن «ما هو شكل الجيل السادس؟»، يبقى التركيز الرئيسي على التصميم الديناميكي لتحقيق التخفي، والطيران بسرعة تفوق الصوت، والمناورة الفائقة. أما التقنيات الأخرى كالذكاء الاصطناعي وأنظمة التحكم فهي «مميزات داخلية» لا يمكن ملاحظتها من الخارج، ولا يوجد سبب يمنع تطبيقها على طائرات الجيل الخامس.
في عصر الجيل الخامس، كانت هناك نقاشات معروفة حول تصميم الأجنحة والذيل، مثل المقارنة بين الأجنحة الصغيرة الإضافية (Canards) والأجنحة الخلفية التقليدية، وحجم الذيل العمودي المتحرك، ونوع مداخل الهواء (DSI مقابل مداخل غليت)، إضافة إلى التباعد بين المحركات وأنواع الفوهات. أما في طائرات F-35، فقد ظهرت مشكلة نقص التبريد. ومع تطور الرادارات ذات المسح الإلكتروني النشط، أصبحت قدرة توليد الطاقة للطائرات تحدياً جديداً.
تصاميم الطائرات عديمة الذيل ليست جديدة. الطائرات ذات الأجنحة المثلثة الكبيرة تُسمى عديمة الذيل لأنها لا تحتوي على ذيل أفقي. وإذا أُزيل الذيل العمودي أيضاً، تصبح الطائرة عديمة الذيل تماماً. أول طائرة إنتاجية عديمة الذيل كانت القاذفة B-2 ذات تصميم الجناح الطائر. ومنذ ظهور B-2، تم تصميم العديد من الطائرات عديمة الذيل، مثل الطائرة الصينية المسيّرة «كايهونغ-7».
تصميم الطائرات ذات الجناح الطائر عديمة الذيل يتميز بكفاءة ديناميكية هوائية عالية، حيث «يُستخدم كل جزء من الهيكل لتوليد الرفع». ومع ذلك، فإن التحكم في هذا النوع من التصميم يمثل تحدياً كبيراً. قِصر محور الطول يؤدي إلى نقصٍ في عزم التحكّم في الميلان، ولهذا استَخدَمَتْ القاذفة B-2 تصميمَ «ذيل القندس» لزيادة قوة التحكم في أسطح الذيل.
تصاميم الطائرات عديمة الذيل نجحت أيضاً في معالجة مشكلة التخفي الجانبي، التي كانت تحدياً بارزاً في التصاميم التقليدية. على سبيل المثال، طائرة «سو-57» الروسية تعتمد على زعانف صغيرة متحركة بالكامل، ودون زعانف سفلية، وذلك لأنّ تأثير «النفق» الناتج عن المسافة بين المحركين المزدوجين يعوّض عن غياب الزعانف السفلية. هذا التصميم يقلل من سطح التشتت الراداري في الاتجاهات الجانبية، مما يعزز قدرة الطائرة على التخفّي من عدة زوايا.
عدد لا يحصى من التصوّرات التخيّلية لطائرات الجيل السادس تظهرها كطائرات عديمة الذيل، دون زعانف أفقية أو عمودية، ممّا يشبه الطائرات التقليدية ذات الأجنحة المثلثة الكبيرة ولكن مع إزالة الزعنفة العمودية. ومع ذلك، فإن هذه التصورات غالباً ما تفتقر إلى توضيح كيفية معالجة التحديات المتعلقة بالتحكم الديناميكي الهوائي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1207