العالم أكثر مساواة والسبب: الصين!
فشلت العولمة في الوفاء بوعدها بتوفير كوكب جيد. وبينما نناقش التعريفات الجديدة التي فرضتها إدارة بايدن، دعونا لا نغفل عن حقيقة مفادها: أن التصنيع في الصين هو أمر جيد للبشرية للغاية. في معظم فترات التاريخ الحديث، اتسعت الفجوة بين أغنياء العالم وفقراء العالم. ورغم وجود العديد من المسائل الصعبة المتعلقة بالقياس، فإنّ أغلب المؤرخين الاقتصاديين يتفقون مع برانكو ميلانوفيتش ــ الذي ربما كان المرجع الأبرز في العالم فيما يتعلق بالتوزيع العالمي للدخل ــ في أن التفاوت العالمي ارتفع بشكل مضطرد ربما لمدة مائتي عام حتى عام 1980 أو نحو ذلك. ومنذ ذلك الحين، وخاصة منذ عام 2000، حدث انعكاس حاد في هذا الاتجاه؛ وفقاً لميلانوفيتش، ربما يكون الدخل العالمي موزعاً بشكل متساوٍ اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ القرن التاسع عشر. هناك سبب واحد لهذا التحول الملحوظ نحو مساواة أكثر: الصين.
ترجمة: قاسيون
ووفقاً لميلانوفيتش، كان صعود الصين مسؤولاً بشكل منفرد تقريباً عن تراجع عدم المساواة العالمية على مدى السنوات الثلاثين الماضية. بفضل نموها السريع، تقلّصت الفجوة بين أغنياء العالم وفقرائه بشكل كبير للمرة الأولى منذ بداية الثورة الصناعية.
إنّ التقارب مع مستويات المعيشة في الدول الغنية أمر نادر للغاية تاريخياً. قبل الصين، كانت الأمثلة الرئيسية الوحيدة في العصر الحديث، هي: تايوان وكوريا الجنوبية. والأكثر شيوعاً، هي دول، مثل: الفلبين أو البرازيل. قبل ستين عاماً، وفقاً للبنك الدولي، كان دخل الفرد في هذه البلدان يبلغ 6 و14٪ من دخل الفرد في الولايات المتحدة، على التوالي. اليوم، لا يزالون يشكلون 6 و14٪ من الولايات المتحدة. كان هناك صعود وهبوط على طول الطريق، ولكن بشكل عام لم يكن هناك تقارب على الإطلاق. وقد خسرت بلدان فقيرة أخرى أرضها بالفعل.
كما يلخص بول جونسون أدبيات النمو التجريبي: «من المقدر للبلدان الفقيرة أن تظل فقيرة ما لم يتغير شيء ما». إنّ الصين ليست مجرد حالة فريدة من حيث سرعة نموّها، بل من حيث مدى تقاسم فوائد النمو على نطاق واسع. وجدت إحدى الدراسات الحديثة لتوزيع الدخل الصيني خلال الفترة 1988-2018 أنه في حين كان النمو هو الأسرع بالنسبة للطبقات الأعلى، فإنه حتى أدنى 5% من العاملين بأجر شهدوا نمواً في الدخل الحقيقي بنسبة 5% سنوياً تقريباً. وهذا أسرع من أي مجموعة في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة. ويتوصل ميلانوفيتش إلى نتيجة أقوى: شهد النصف الأدنى من توزيع الدخل الصيني نمواً أسرع من أولئك الذين في القمة. وحتى الدراسات التي توصلت إلى اتساع فجوة التفاوت في الصين، وجدت أنه حتى المجموعات ذات الدخل الأدنى هناك حققت نمواً أسرع في الدخل من أي مجموعة في الولايات المتحدة.
يجد توماس بيكيتي نمطاً مماثلاً، ويكتب قائلاً: «إن الفارق الرئيسي بين الصين والولايات المتحدة هو أن نسبة الـ 50٪ الأدنى في الصين استفادت أيضاً بشكل كبير من النمو: فقد ارتفع متوسط دخل نسبة الـ 50٪ الأدنى بأكثر من خمسة أضعاف بالقيمة الحقيقية بين عامي 1978 و2015... في المقابل، كان نمو دخل أدنى 50% من السكان في الولايات المتحدة سلبياً».
من الواضح أيضاً، أنّ النمو الصيني قد تُرجم إلى ارتفاع مستويات المعيشة بطرق ملموسة أكثر. في عام 1970، كان متوسط العمر المتوقع في الصين أقل من نظيره في البرازيل أو الفلبين. اليوم ما يقرب من عشر سنوات أطول. وكما لاحظ عالم الاجتماع وانج فينج في كتابه «عصر الوفرة في الصين»، فإنّ الأطفال الصينيين الذين دخلوا المدرسة في عام 2002 كانوا أطول بمقدار 5 إلى 6 سنتيمترات مقارنة بما كانوا عليه قبل عقد من الزمان فقط ـ وهو ما يدل على تحسن هائل في النظام الغذائي والظروف المعيشية. وكانت هذه التحسينات أكبر في المناطق الريفية الفقيرة.
كيف تمكنت الصين من ذلك؟
كيف تمكنت الصين من الوفاء بوعود العولمة، في حين فشلت العديد من البلدان الأخرى؟ إحدى الإجابات المحتملة هي أنها اتبعت ببساطة المسار الذي سلكته الدول الصناعية السابقة، بدءاً بالولايات المتحدة. لقد عرض تقرير ألكسندر هاملتون عن المصنعين قواعد اللعبة: حماية الصناعات الناشئة، والاستثمار العام في البنية الأساسية، وتبني التكنولوجيا الأجنبية، والائتمان الرخيص، ولكن الموجه استراتيجياً.
عندما أعلن جون بوديستا عن تشكيل فريق العمل المعني بالمناخ والتجارة التابع للإدارة الأمريكية الشهر الماضي، حاول رسم خطّ حادّ بين السياسة الصناعية في الولايات المتحدة والسياسة الصناعية في الصين. وقال: إننا نستخدم «حوافز شفافة ومنظمة بشكل جيد وموجهة… في حين أن لديهم سياسات غير سوقية... شوهت السوق». لكن في الوقت نفسه، تتباهى الإدارة الأمريكية بأنّ الحوافز التي يتضمنها قانون خفض التضخم من شأنها أن تضاعف نمو الاستثمار في الطاقة النظيفة، حتى يتسنى للمصنعين الأمريكيين أن يقودوا السوق العالمية في مجال الطاقة النظيفة! يبدو أن الفارق الوحيد هو عندما نفعل ذلك يكون الأمر شفافاً، وعندما يفعلونه يشوه السوق!
والأهم من ذلك، كما أشار العديد من النقاد، أن العالم يحتاج إلى قدر أكبر بكثير من الاستثمار في أنواع التكنولوجيات الخضراء كافة. من الصعب أن نتخيل أي سياق خارج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث يجادل أنصار بايدن بأن العالم يبني عدداً كبيراً جداً من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، أو يتحول بسرعة كبيرة جداً إلى السيارات الكهربائية.
إن إدارة بايدن ليست مخطئة في رغبتها في دعم الشركات المصنعة الأمريكية. إنّ أفضل ردّ على إعانات الدعم للصناعات الخضراء في الصين هو تقديم إعانات الدعم للصناعات الخضراء في الولايات المتحدة «وفي أوروبا وأماكن أخرى». في عالم يكافح بشدة لتجنب تغير المناخ الكارثي، فإن سباق الدعم قد يستغل التنافس الدولي كجزء من الحل. ولكن هذا يتطلب توجيه المنافسة بطريقة تكاملية محصلتها إيجابية للجميع.
من المثير للاهتمام، أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزعم أن الولايات المتحدة قادرة على عقد اتفاقيات مناخية جادة مع بلدان أخرى في حين «تستبعد الصين». إذا تمّ وصف موقف سوليفان بدقة، فمن الصعب المبالغة في مدى عدم واقعيته وعدم مسؤوليته. إن الولايات المتحدة والصين تُعَد أضخم اقتصادَين على مستوى العالم على الإطلاق، ناهيك عن قوتهما العسكرية المتفوقة. وإذا لم تتمكن حكومتاهما من إيجاد وسيلة للتعاون، فلن يكون هناك أمل في التوصل إلى حل جدي لمشكلة تغير المناخ، أو غير ذلك من المشاكل العالمية الملحة.
لا توجد دولة جزيرة منعزلة اليوم. وعلى وجه الخصوص، لا يمكن حل مشاكلنا الأكثر إلحاحاً إلّا بالتعاون عبر الحدود. وثانياً: النمو الاقتصادي ليس لعبة محصلتها صفر ــ فلا توجد كمية ثابتة من الموارد، أو الأسواق، متاحة، بحيث يكون مكسب دولة ما خسارة لدولة أخرى. وثالثاً: تنتشر الديمقراطية على أفضل نحو من خلال القدوة والحركة الحرة للأفكار والأشخاص، وليس من خلال الغزو أو الإكراه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1179