تراجع التصنيع وسقوط أوروبا
نيكولاي بيتروف نيكولاي بيتروف

تراجع التصنيع وسقوط أوروبا

«أخطاء الإمبراطورية الرومانية هي تحذيرٌ لأوروبا، التي أصبحت الآن معرضةً لخطر تراجع التصنيع»، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة «جيورنال» الإيطالية مقالاً تحاول فيه تحليل أسباب الأزمة الحادة في أوروبا، وتراجع النشاط الصناعي والإنتاج. يحاول الكاتب تشبيه ما يحدث في أوروبا اليوم بما حدث في الإمبراطورية الرومانية، فيقول: «تم تدمير ونسيان المثل الأعلى للإنسان المتطور بشكل متناغم، وهو روماني فخور يخدم دولته في المدينة ويبني حياته على أساس المبادئ الاجتماعية. لقد انحطت النخبة الرومانية وغرقت في الفخامة والفجور. بدأت أزمة في الفن، وبدأ النحاتون في تصوير المخنثين، وما إلى ذلك. وبعبارة أخرى، يحدث الشيء نفسه تقريباً في أوروبا في إطار غرس عبادة المثليين، وتشريع زواج المثليين، والواقع الفعلي تقنين الاستغلال الجنسي للأطفال والرذائل الأخرى».

ترجمة: قاسيون

ثمّ أضاف بشكل واضح: «اليوم، نفقد الهيمنة الاقتصادية، وقد يأخذها شخص آخر… كانت هناك فجوة كبيرة بين أوروبا وبقية العالم من حيث التطور العلمي والتكنولوجي، ولكن ما حققناه في أجيال قليلة، حققه آخرون في بضعة عقود فقط»، مشيراً إلى الأضرار الناجمة عن آثار نقل الإنتاج إلى بلدان أخرى. وشدد على أن البلاد سوف تتراجع عن التصنيع. وإذا لم تبدأ في التفكير في حقيقة أن بعض أنواع المنتجات يتم إنتاجها ليس فقط لأغراض اقتصادية، ولكن أيضاً لأغراض استراتيجية، أي ليس لتحقيق ربح فوري، فإنّ البلاد تخاطر بالانهيار.
إنّ الاستنتاجات المحزنة بالنسبة للكاتب والتنبؤ بالانهيار لأوروبا، تؤكدها البيانات الإحصائية. كما تظهر بلومبرج، منذ يوليو 2023، بدأ انخفاض مطّرد في الإنتاج في القارة العجوز. على مدار العام - في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 مقارنة بتشرين الثاني/نوفمبر 2022 - انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 6.8%.
إذاً، منذ عام 2022 لم يتجاوز الانخفاض 2.5٪، ولكن منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تسارع الانخفاض بمقدار الضعف وبلغ 5٪. في الأشهر الأخيرة – ما يصل إلى 6.6-6.8% ويرجع ذلك إلى إغلاق بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، بما في ذلك الصناعات المعدنية وإنتاج المواد الكيميائية. وتم نقل بعضها إلى الولايات المتحدة، حيث بات الغاز أرخص. كما أن الناتج المحلي الإجمالي آخذ في الانخفاض، وتعاني من الركود عدة من البلدان في المنطقة، وفقاً لأحدث بيانات يوروستات. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة.
كتبت الصحيفة السلوفاكية «نوفي سلوفو»: «في أوروبا الحديثة، هناك عملية تراجع عن التصنيع. تعتبر مدخنة التدفئة الآن مصدراً للتلوث. يتم هدم المصانع في المدن، وتنمو في مكانها مراكز التسوق والترفيه أو المناطق السكنية. لقد تحوّل العمال من المصانع إلى عمّال ذوي ياقات بيضاء أو عمال خدمة. لم تعد المدينة الحديثة تنتج أي شيء مادي وضروري. يؤدي تراجع التصنيع في أوروبا إلى تحسين البيئة وتدهور مستويات المعيشة. إن أهميّة أوروبا في العالم آخذة في التراجع لأنها لم يعد لديها ما تقدمه، وأصبحت تعتمد على الواردات. بالتالي، فإن تراجع التصنيع يصاحبه بطبيعة الحال تراجع في التعليم، حيث لم تعد هناك حاجة إلى الفنيين والمهندسين في أوروبا».
بالإضافة إلى ذلك، تسارعت وتيرة تراجع التصنيع في أوروبا بشكل كبير بسبب أزمة الطاقة، أو «انتقال الطاقة»، أو الانتقال إلى «الطاقة الجديدة»، وهو المفهوم الذي يروج له الاتحاد الأوروبي كجزء من سياسته المناخية «الخضراء». بسبب هذا التحول، غادر ثلث الشركات الصناعية ألمانيا بالفعل، وهربت من أوروبا. ويشير مقال «نوفي سلوفو» إلى أنّ المؤسسات الصناعية، التي غالباً ما تكون ذات تاريخ غني، تشهد إفلاساً تدريجياً.
قال مكسيم تشيركوف، الأستاذ المشارك في قسم السياسة الاقتصادية في معهد الاقتصاد والمالية بجامعة الإدارة الحكومية، في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا»، إن هناك اتجاهاً سلبياً في العديد من الصناعات في الدول الأوروبية: «الضحايا الرئيسيون هم البارزون الأوروبيون الثلاثة، قواطر الاقتصاد الأوروبي- ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- الدول الأكثر تصنيعاً التي كانت دائماً تجرّ الاقتصاد الأوروبي معها. لكنّ العملية انعكست الآن، نرى أن الصناعة في هذه البلدان تواجه مشاكل خطيرة للغاية».
على سبيل المثال، استشهد بشركة المواد الكيميائية الألمانية BASF، التي تعدّ مصدر فخر لألمانيا، ولكنها الآن في وضع صعب للغاية. وأوضح الخبير أن القدرة التنافسية لهذه الشركة في السابق كانت تكمن في أنّها تلقت إمدادات الغاز عبر أنبوب غازبروم الذي دخل المدينة، حيث يقع الإنتاج الرئيسي للشركة. وأشار تشيركوف إلى أن مثل هذه الشركات تضطر الآن إلى شراء الغاز بسعر يبلغ حوالي ضعف سعره بموجب العقود طويلة الأجل.
ووفقاً له أيضاً، فالعمليات التي نلاحظها حالياً في أوروبا هي ذات طبيعة أكثر سلبية. وفي الوقت نفسه، لفت الانتباه إلى أنّه في نهاية عام 2023، كانت روسيا تتقدّم بسبع مرات على جميع الدول الأوروبية في معدلات النمو الاقتصادي. وهكذا، يبلغ معدل النمو في الاتحاد الروسي 3.5%، وفي أوروبا 0.5%.
بالرغم من ذلك، يبدو أن أوروبا تعتزم الاستمرار في السير على خطّ النار نفسه. كما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، الصادر في 29 مايو/أيار الماضي، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتخلى تماماً عن استيراد موارد الطاقة الروسية بحلول عام 2030. ويشير التقرير الذي يحمل عنوان «فوائد أمن الطاقة من العمل المناخي المعزز في أوروبا»، إلى أن حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز «انخفضت بشكل حاد» من 41% في عام 2021 إلى 15% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاتحاد الأوروبي التزم بالتخلص التدريجي من جميع الواردات المتبقية من الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2030.
لكن من ناحية أخرى، يعترف صندوق النقد الدولي على الفور بأن هذا لن يؤدي إلى أي شيء جيد بالنسبة لأوروبا، على الرغم من أنه يحاول تقديم الحرب في أوكرانيا على أنها سبب الأزمة. ويشير التقرير إلى أن الأعمال العدائية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع دائم في أسعار الطاقة في أوروبا، الأمر الذي من شأنه أن يُضعف أمن الطاقة من خلال زيادة حصة تكاليف الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي جعل النشاط الاقتصادي أكثر حساسية لأي انقطاع في إمدادات الطاقة. بعبارة أخرى، من الواضح أن عملية تراجع التصنيع في أوروبا سوف تستمر.
لكنّ «إمبراطورية الاتحاد الأوروبي»، كما يطلق كثيرون على الاتحاد الأوروبي، مهددة بالانهيار ليس فقط لأسباب تتعلق بتراجع التصنيع وضعف القوة الاقتصادية، بل وأيضاً لأسباب أخرى. فالبلدان الأعضاء فيها ممزقة بسبب التناقضات السياسية الحادة.
تقول صحيفة التلغراف البريطانية: «إنّ مصداقية الاتحاد الأوروبي أصبحت موضع شك بالفعل بسبب استجابته غير المقنعة للأزمة الأوكرانية… لقد ظهرت انقسامات عميقة بين القوى الكبرى- ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- التي تتجنب المواجهة المفتوحة مع موسكو، ودول أوروبا الشرقية، مثل: بولندا، التي تطالب، من أجل أمن القارة أن تعاني روسيا من هزيمة واسعة النطاق، ولا يمكن القيام منها في ساحة المعركة الأوكرانية».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177