بعض الأوروبيين يخشون رغبات الولايات المتحدة
ينس مينكراتر ينس مينكراتر

بعض الأوروبيين يخشون رغبات الولايات المتحدة

فرضت الولايات المتحدة تعريفة جمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، مسجلة رقماً قياسياً جديدا للتعريفات الإضافية على الصين. وحتى أقل المتحمسين للعولمة يجب أن يدركوا الآن أن النزاع بين الولايات المتحدة والصين اتخذ طابع حرب تجارية حقيقية. وستكون لهذا النزاع الكبير آثار دائمة على الاقتصاد العالمي برمته، ولكن ليس بطريقة إيجابية.

ترجمة: قاسيون

لا تقتصر الإجراءات الحالية التي يتخذها الرئيس الأمريكي على السيارات الكهربائية، بل تشمل أيضاً فرض رسوم جمركية على بضائع أخرى، مثل: الألواح الشمسية وأشباه الموصلات والبطاريات والمنتجات الطبية التي يتمّ تصنيعها في الصين. وتهدف هذه الخطوة إلى حدٍّ كبير إلى متابعة النهج الأمريكي الذي بدأ منذ عدّة أعوام، وإلى تحقيق مكاسب في الانتخابات الأمريكية. يستعدّ جو بايدن للترشح لإعادة انتخابه في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، متخلفاً عن منافسه دونالد ترامب في استطلاعات الرأي. لقد نجحت الحجج الحمائية دائماً في تاريخ الحملات الأمريكية الحديث. وسواء كانت هذه التدابير مبررة، أو متسقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية، فهي قضايا ثانوية.
إضافة تعريفات بنسبة 100% يبدو هذا الرقم مرتفعاً، وينبغي أن يكون كذلك، ففي نهاية المطاف، كان ترامب نفسه هو الذي اقترح فرض العديد من الرسوم الجمركية في نهاية مارس/آذار، وحذر من أنه إذا لم يفعل بايدن ذلك، فإنّ «مجال عمل تصنيع السيارات الأمريكية سوف يعاني من حمام دم». وفي نهاية الأسبوع الماضي، أثار ترامب إمكانية فرض رسوم جمركية عقابية بنسبة 200% هل ستكون هناك تعريفات أعلى في المستقبل؟
الحقيقة التي يخفيها كلا المرشحين الأمريكيين، والمعبرَين عن الانقسامات في المؤسسة الحاكمة الأمريكية في كلّ شيء ما عدا التعامل مع الصين، هي أنّ السيارات الكهربائية صينية الصنع لا تمثل سوى 1٪ من السوق الأمريكية. من الصعب تصديق أنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي الأمريكي. منذ ولاية ترامب الأولى على الأقل، كان الرئيس الأمريكي يستخدم خطاب «الأمن القومي» كسبب لملاحقة تدابير الحماية التجارية. والأهم من ذلك، أن بايدن نفسه، ورغم مهاجمة الصين لأنّها على حدّ زعمهم «تنافس بشكل غير شريف» فقد دعم بقوة الصناعة الأمريكية في شكل ما يسمى «السياسة الصناعية»، أو بعبارة أخرى: «قانون الحد من التضخم».
وينطبق مبدأ «أمريكا أولاً» على كلّ من بايدن وترامب. خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة تجاه الصين، فقد أثبت بايدن، مثل ترامب، نفسه باعتباره «محاربا تجارياً». فهو لم يواصل الحفاظ على التعريفات التي ورثها من سلفه فحسب، بل إنه رفع بعض التعريفات مع تقييد تصدير التكنولوجيات الحساسة، مثل أشباه الموصلات.
الفرق الوحيد بين ترامب وبايدن هو أنه في حين شنّ الرئيس السابق حرباً تجارية بشكل عشوائي ضدّ أيّ شخص يعصي الولايات المتحدة، فإنّ الرئيس الأمريكي الحالي سيُظهر على الأقل درجة معينة من الاعتبار للحلفاء.
ومع ذلك، يتعيّن على أوروبا أن تسأل نفسها الآن: ما هو الموقف الذي ينبغي لها أن تتخذه في النزاع التجاري المتصاعد بين أكبر اقتصادين في العالم. وينطوي هذا على أسئلة جيواقتصادية أساسية: هل ينبغي لأوروبا أن تنضم إلى الحرب التجارية؟ هل ينبغي لأوروبا أن تتورط في حرب كسر سلاسل توريد متنكرة تحت غطاء «السياسة الصناعية»؟ الإجابات عن هذه الأسئلة ليست تافهة كما قد تبدو للوهلة الأولى.
استناداً إلى ما يسمّى «الأحكام ذات الصلة لمنظمة التجارة العالمية»، سيفرض الاتحاد الأوروبي قريباً تعريفات إضافية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين- وليس هناك شك في أن التعريفات الأخيرة التي فرضتها الولايات المتحدة ستزيد الضغط على أوروبا عند مواجهة الواردات. ومع ذلك، من منظور اقتصادي، بغض النظر عن حجم الدعم الحكومي الذي تتلقاه شركات السيارات الصينية «بالمناسبة، يجب إثبات مثل هذه الأشياء على أساس كل حالة على حدة»، فإنّ الاستجابة بالوسائل نفسها ليست على ما يبدو الاستراتيجية الأكثر حكمة التي تضمن مصالح أوروبا.

هل تصبح أوروبا مستقلّة حقاً؟

في 14 مايو، عبّر المستشار الألماني شولتز ورئيس الوزراء السويدي كريسترسون عن آرائهم بصوتٍ مرتفع، قائلين للاتحاد الأوروبي: «لا تتبعوا الفكرة السيئة للولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على الصين».
في كل الأحوال، من المنظور الأوروبي، وخاصة فيما يتصل بالقضايا التجارية، فإن الحذر هو أفضل سياسة. لأن أوروبا لا تزال تبذل قصارى جهدها للحفاظ على نظام تجاري عالمي متعدد الأطراف، تتمكن من احتلال ريادة فيه، أو على الأقل على أنقاض هذا النظام، بحيث يمكنها الحفاظ على بعض مزاياها الاقتصادية داخله. لنتأمل هنا السبب: إنّ الغالبية العظمى من الاقتصادات الأوروبية ــ وخاصة الاقتصاد الألماني ــ تعتمد بشكل أكبر على الصادرات مقارنة بالولايات المتحدة. في الولايات المتحدة، تمثل الصادرات 11% فقط من الناتج الاقتصادي؛ بينما في ألمانيا يقترب هذا الرقم من 39%.
يتجاهل أنصار تدابير الحماية التجارية النتائج التي توصلت إليها البحوث التاريخية والاقتصادية. ليس هناك العديد من الاستنتاجات البحثية التي ستشكل عصراً جديداً في الاقتصاد، والتي يمكن حتى أن نعتبرها جديرة بالثقة، ولكن ما يلي هو أحد الاستنتاجات: إن أنصار تدابير الحماية التجارية لن يؤذوا الآخرين فحسب، بل إنهم سوف يؤذون أنفسهم أيضاً في النهاية. لن يتم دفع تكلفة فرض التعريفات العقابية من قبل شركات التصدير في البلد المستهدف، ولكن من قبل المستهلكين المحليين. إن الدعم الذي تقدمه الحكومة لا يفيد الشركات المتلقية فحسب، بل يفيد أيضاً في نهاية المطاف المستهلكين الأجانب الذين يتوقعون سلعاً مستوردة أرخص ثمناً.
أعلن ترامب أنه يعتزم فرض تعريفة عامة بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة من قبل الولايات المتحدة، وهو ما يعادل زيادة كبيرة في مستويات التعريفة الجمركية. في الواقع، هذه هي العواقب على وجه التحديد التي يجب على المرشح الرئاسي أن يعارضها بشدة. ووفقا لتقديرات «مؤسسة الضرائب»، وهي مركز أبحاث محافظ في الولايات المتحدة، فإن فرض هذه التعريفة سيدمر ما يقرب من 500 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، وليس في الصين.
أما بالنسبة للتأثير المحتمل لمثل هذه الحرب التجارية أو الحرب الجمركية، فالتاريخ لديه مثال جاهز. في ثلاثينيات القرن العشرين، تسببت حروب التعريفات الجمركية العالمية في حدوث أزمة الكساد الأعظم المدمرة. إلا أن «المحاربين التجاريين» اليوم تجاهلوا دروس التاريخ، تماماً كما تجاهلوا اكتشافات الاقتصاد: فالحمائية التجارية من شأنها أن تجعل الجميع أكثر فقراً في نهاية المطاف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1175
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:03