«الساحل» يريد سيادته الاقتصادية وكلّ ما يُحققها
منظمة شعوب غرب إفريقيا منظمة شعوب غرب إفريقيا

«الساحل» يريد سيادته الاقتصادية وكلّ ما يُحققها

ترددت أصداء نداء La France degage! «اخرجي يا فرنسا!»، ضد الإرث المستمر للاستعمار الفرنسي في المنطقة، منذ فترة طويلة في جميع أنحاء غرب أفريقيا. لكن في السنوات الأخيرة، وصلت هذه الدعوة إلى درجة جديدة من الشدة، بدءاً من الحركات الشعبية في السنغال عام 2018 والوعد الذي أطلقه الرئيس المنتخب حديثاً باسيرو ديوماي فاي أثناء حملته الانتخابية، بتحرير بلاده من النظام النقدي الاستعماري الجديد للفرنك الأفريقي، وصولاً إلى الانقلابات العسكرية المدعومة شعبياً في عام 2018 في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وطرد القوات العسكرية الفرنسية من هذه البلدان بين عامي 2021 و2023.

ترجمة: قاسيون

وقد اتخذت الحكومات التي تقودها المؤسسة العسكرية في دول الساحل الوسطى «مالي وبوركينا فاسو والنيجر» خطوات لانتزاع سيادتها الكاملة من الاحتكارات الغربية ــ مثل: مراجعة قوانين وعقود التعدين وطرد الجيوش الأجنبية ــ وإنشاء منصات تعاون إقليمية جديدة. في نهاية 2023، وقعت حكومات بوركينا فاسو ومالي والنيجر على ميثاق «ليبتاكو-غورما»، وهو اتفاق للدفاع المشترك أنشأ تحالف دول الساحل. هذه الشراكة الثلاثية هي رد على التهديدات بالتدخل العسكري والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS» على النيجر في أعقاب الانقلاب الشعبي الذي وقع في يوليو/تموز 2023 في البلاد. بعد بضعة أشهر من التوصل إلى اتفاق التعاون الدفاعي، انسحبت الدول الثلاث من الكتلة الإقليمية للإيكواس. لكن ماذا وراء موجة المد التي تجتاح منطقة الساحل، وماذا تعني للمنطقة؟

إرث الاستعمار الفرنسي

بقيت المشاعر المناهضة للإمبريالية تختمر في منطقة الساحل منذ سنوات. لننظر إلى حالة النيجر، التي ترمز إلى موجة المقاومة في المنطقة، خلال انقلاب يوليو/ تموز 2023، خرج الناس إلى الشوارع ضد مخلفات الاستعمار الفرنسي الذي سهّل تفشي الفساد الهيكلي وحرمان قطاعات كبيرة من الشعب من حقوقها.
وقد حدث قدر كبير من هذا الفساد في قطاع التعدين في النيجر، الذي يمثّل واحداً من أكبر رواسب اليورانيوم عالي الجودة في العالم. على سبيل المثال: في عام 2014، قبل الانقلاب، قام الرئيس النيجيري آنذاك محمد إيسوفو بتخفيض الضرائب على أنشطة التعدين التي أفادت الاحتكارات الفرنسية بشكل مباشر، وحصل على مدفوعات غير مباشرة في المقابل. وفي الوقت نفسه، عمل الجيش الفرنسي في النيجر كدركي لشركات التعدين، وضدّ أولئك الذين يسعون للهجرة إلى أوروبا.
تعد شركة المناجم «سومير Somaïr»، والتي يُفترض أنّها «مشروع مشترك» بين النيجر وفرنسا في صناعة اليورانيوم، مثالاً آخر على النفوذ الفرنسي المستمر في المنطقة وفي القارة. في حين تمتلك هيئة الطاقة الذرية الفرنسية وشركتان فرنسيتان 85% من الشركة، فإن حكومة النيجر تمتلك 15% فقط. ورغم أنّ ما يقرب من نصف سكان النيجر يعيشون تحت خط الفقر، ويعيش 90٪ منهم بدون كهرباء، فمنذ عام 2013، يقوم اليورانيوم النيجري بتشغيل واحد من كل ثلاثة مصابيح كهربائية في فرنسا. بعد كلّ هذا، لا ينبغي أن يكون من المستغرب قيام مواطنين نيجريين بعد وقت قصير من الانقلاب بالاستيلاء على السفارة الفرنسية والقاعدة العسكرية في العاصمة نيامي، والتي سحبت فرنسا قواتها منها بعد فترة وجيزة.

السيادة والأمن والإرهاب

لا يمكن للاقتصاد أن ينمو في ظلّ انعدام السيادة والتبعية، وفي ظلّ أوضاع يغيب فيها الأمن ويسود الإرهاب. في 16 مارس/ آذار 2024، ألغت الحكومة النيجرية اتفاقية عسكرية عمرها عشر سنوات مع الولايات المتحدة، بعد يومين فقط من اجتماع وفد أمريكي مع السلطات المحلية لإثارة المخاوف بشأن شراكات البلاد مع روسيا وإيران. وفي بيان عام، أدانت حكومة النيجر «بقوة الموقف المتعالي، المصحوب بالتهديد بالانتقام، من جانب رئيس الوفد الأمريكي تجاه حكومة وشعب النيجر». وأضاف البيان: إن «النيجر تأسف لنيّة الوفد الأمريكي حرمان شعب النيجر ذو السيادة من حق اختيار شركائه، وأنواع الشراكات القادرة على مساعدته حقاً في مكافحة الإرهاب». كما أشارت الحكومة إلى الأسباب التالية لإلغاء الاتفاقية مع الولايات المتحدة: التكلفة التي ألحقتها بدافعي الضرائب النيجريين، وانعدام التواصل حول العمليات المحلية وأنشطة القواعد العسكرية الأمريكية، وتحركات الطائرات غير المصرح بها، وعدم فعالية ما يسمى بـ أعمال مكافحة الإرهاب.
أنشأت الولايات المتحدة أكبر وجود عسكري أجنبي منفرد في القارة الأفريقية، بدءاً من مبادرة عموم الساحل عام 2002، والتي أعقبها إنشاء القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) في عام 2007، التي أنشأت شبكة كبيرة من القواعد العسكرية الأمريكية في أنحاء القارة، والتي توجد تسع منها في النيجر وحدها، بالإضافة إلى اثنتين في مالي وواحدة في بوركينا فاسو.
في أعقاب حرب الناتو على ليبيا بقيادة فرنسا والولايات المتحدة، انخرطت منطقة الساحل في صراعات، وكان العديد منها مدفوعاً بأشكال ناشئة من الأنشطة الجهادية المسلحة، والقرصنة، والتهريب. وقد استخدمت فرنسا والولايات المتحدة هذه الصراعات كذريعة لزيادة تدخلاتهما العسكرية في جميع أنحاء المنطقة. في عام 2014، أنشأت فرنسا مجموعة الساحل الخمس «ترتيب عسكري شمل بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر». في 2019، بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات بطائرات بدون طيار ومراقبة جوية عبر منطقة الساحل والصحراء الكبرى من قاعدتها الجوية 201.
ووجد «مؤشر الإرهاب العالمي» أن منطقة الساحل كانت الأكثر تأثراً بالإرهاب في عام 2023، حيث تمثل ما يقرب من نصف جميع الوفيات المرتبطة بالإرهاب و26٪ من الحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم. وقد تم تصنيف كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر بين الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب، وهي الحقيقة التي غالباً ما تثيرها الحكومات الجديدة التي يقودها الجيش. إنّ هذا الواقع سبق قيام انقلابات 2021-2023، ويظهر تأثير التدخل العسكري الأمريكي والفرنسي. بين عامي 2011 و2021 ، ارتفعت بوركينا فاسو ومالي والنيجر من المراكز 114، و40، و50 على التوالي. على مؤشر الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب إلى المراتب 4، و7، و8. ومن الواضح، أن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا ضد الإرهاب، لم تفعل إلا أقل القليل لتحسين الأمن في المنطقة، بل كانت في واقع الأمر ذات تأثير معاكس.

البحث عن شركاء ومسارات جديدة

لقد أصيبت شعوب الساحل بخيبة أمل ليس فقط إزاء الاستراتيجيات العسكرية التي ينتهجها الغرب، كما يتضح من اتفاقيات التعاون الأمني ​​المتزايدة مع بلدان أخرى، بل وأيضاً إزاء السياسات الاقتصادية الغربية التي لم تسفر إلّا عن قدر ضئيل من التنمية الاجتماعية. وعلى الرغم من موارد الطاقة الوفيرة في المنطقة، فإن منطقة الساحل لديها بعض من أدنى مستويات توليد الطاقة والوصول إليها في العالم، حيث لا يستطيع 51٪ على الأقل من السكان الوصول إلى الكهرباء.
على الرغم من أن تحالف دول الساحل بدأ كميثاق دفاعي، إلّا أن الحكم السياسي والتنمية الاقتصادية هما محور التركيز الأساسي. يشمل ذلك، على سبيل المثال: متابعة مشاريع الطاقة المشتركة، واستكشاف إمكانية إنشاء مبادرات إقليمية للطاقة النووية المدنية. وقد وقعت بوركينا فاسو بالفعل اتفاقيات مع شركة روساتوم، وهي شركة روسية مملوكة للدولة، لبناء محطات جديدة للطاقة، في حين تعمل مالي على تطوير تطبيقاتها للطاقة الذرية من خلال البرنامج النووي الوطني، الذي تشرف عليه الوكالة المالية للحماية من الإشعاع.
وفي نهاية المطاف، يمثل تحالف دول الساحل محاولة لدعم مطالب السيادة والحق في تقرير المصير ــ وهي الأجندة التي نزلت شعوب النيجر وبوركينا فاسو ومالي إلى الشوارع لدعمها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1176