الحرية الاقتصادية هي جزء من انتفاض الفلسطينيين
تختلق النخب الإمبريالية- والعاملون في المجال الإنساني الذين خلقتهم الإمبريالية، والمجموعة الحاكمة المتميزة المحيطة بالإمبرياليين- الأكاذيب وتضعها في أفواه الناس، ويمارسون مهارات الحكم الاستعماري، ولطف «لن نهاجم المدنيين». من ناحية أخرى يستخدمون أجندة «اليهود الذين تعرضوا للإبادة» لغسل الإبادة الجماعية التي يرتكبونها ضدّ الفلسطينيين. يرغب هؤلاء بالاستفادة من أنّهم «أحفاد» ضحايا معسكرات الاعتقال النازية الباقون على قيد الحياة، لكنّهم في الحقيقة هم حرّاس معسكرات الاعتقال المفتوحة في غزة، وهم حملة السلاح الذين لم يترددوا لحظة في الضغط على الزناد على «الحيوانات البشرية» من الفلسطينيين، الذين استغلوهم اقتصادياً منذ تمكنوا من السيطرة على حياتهم اليومية ورزقهم.
ترجمة: قاسيون
يكون العنف الإمبريالي في نظر المستعمرين دائماً معتدلاً ومعقولاً وإنسانياً، في حين أنّ عنف الشعوب الواقعة تحت الاستعمار يكون دائماً غير عقلاني. إنّ عبارة «هل تدين الفظائع التي يرتكبها إرهابيو حماس» هي بمثابة شعار إمبريالي، يقوم بفحص وتأديب كلّ من يحاول التحدث علناً عن هذه القضية. في العالم الذي نسجه الإمبرياليون، هناك دائماً إجابة واحدة فقط لهذا السؤال.
ربّما من الأفضل أن نبدأ من التقرير الصادر عام 2016 عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD لعام 2016 عن الاقتصاد «الإسرائيلي»، والذي يقول: «حافظ الاقتصاد [الإسرائيلي] على نموه لمدة 13 عاماً متتالياً... وأظهر مرونة غير عادية... وتجاوز معدل النمو معدل جميع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى تقريباً... وحافظ معدل التوظيف على نمو سريع عاماً بعد عام، كما انخفض معدل البطالة... واستمر في الانخفاض... لقد ضمنت السياسة المالية التي تم تنفيذها في عام 2003 أن يظل الدَّين العام في اتجاه هبوطي... كما أن العبء الضريبي أقل أيضاً من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية... ويتمتع النظام المصرفي برأس مال جيد ومربح... وشركات التكنولوجيا الفائقة [الإسرائيلية] تزدهر أيضاً».
هناك العديد من الأساطير الاقتصادية المألوفة بالنسبة للباحثين غير الغربيين عن «إسرائيل»: النمو السريع، والحيوية، والتكنولوجيا المتقدمة...الخ. في الحقيقة، يتقصد هذا التقييم الرائع أن يتجاهل دور الفلسطينيين في هذا النمو، وذلك على الرغم من أنّه ذكر أيضاً: أنّ إحدى الحلقات الضعيفة في التنمية الاقتصادية في «إسرائيل»، هي أنّ السياسات الاقتصادية والمالية ليست صديقة «للنمو الشامل». ينعكس وراء هذه الكلمات التلطيفية في الحقيقة واقعٌ قاسٍ: ففرص النمو ليست متساوية بالنسبة للجميع، وتتركز فوائد النمو الاقتصادي على نحو متزايد في أيدي عدد صغير للغاية من الناس.
بدأت قصة «الأسطورة الاقتصادية» الإسرائيلية في عام 1985. في عام 1984 تم انتخاب شيمون بيريز رئيساً للوزراء. كان هذا العضو في منظمة الهاجاناه الإجرامية، والتي أصبحت فيما بعد جيش الدفاع «الإسرائيلي» يعمل في قطاع الدفاع منذ إنشاء دولة «إسرائيل» في عام 1948. في عام 1974 أصبح وزيراً للدفاع في حكومة رابين. في هذا الوقت، كانت حرب تشرين/ أكتوبر 1973 قد انتهت للتو بوقف لإطلاق النار. بعد الحرب بدأت الدول العربية في اتخاذ إجراءات مشتركة لفرض حظر نفطي على «إسرائيل» والدول الموالية لها، وأدّى ذلك بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق الغربية. وفي العقد الذي تلا ذلك، ارتفع معدل التضخم في «إسرائيل» إلى عنان السماء وتباطأ النمو الاقتصادي بشكل حاد.
في 1983 شهدت «إسرائيل» أزمة خطيرة في أسهم البنوك، ومن أجل إنقاذ الصناعة المصرفية اضطرت «إسرائيل» إلى تبني خطة إنقاذ حكومية، وأنفقت ما مجموعه 6.9 مليار دولار أمريكي لشراء أسهم لمساعدة البنوك مؤقتاً في التغلب على المصاعب. في ذلك الوقت كان الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل 27 مليار دولار فقط. عندما انتخب بيريز كان الاقتصاد «الإسرائيلي» في خطر، وفي النصف الأول من 1984 وصل معدل التضخم السنوي إلى 400٪. وبحلول النصف الثاني من العام ارتفع هذا الرقم إلى نسبة مذهلة 1000٪. كما أدت تدفقات رأس المال الضخمة إلى الخارج إلى استنفاذ احتياطيات «إسرائيل» من النقد الأجنبي بسرعة. بدأ بيريز الذي شكّل حكومة ائتلافية مع الليكود بتنفيذ تغييرات اقتصادية.
«الاستقرار» على حساب الفلسطينيين
احتوى البرنامج الذي عُرف باسم «خطة الاستقرار الاقتصادية» على ثلاثة جوانب رئيسية: أولاً: من الضروري خفض عجز الموازنة المالية، وتم ذلك عبر خفض الدعم الحكومي للمواد الغذائية. ثانياً: خفض قيمة العملة بنسبة 20٪. وأخيراً: تجميد جميع الأعمال التجارية التي تهيمن عليها العمالة المحلية. كما تلقت «إسرائيل» مساعدات طارئة من حكومة الولايات المتحدة بقيمة 750 مليون دولار سنوياً لمدة عامين.
بعد ذلك، بدأ الاقتصاد «الإسرائيلي» ينمو بسرعة من خلال الخصخصة، وأدى إلى ظهور عائلات ثرية للغاية. واحتكر عدد قليل من الشركات العملاقة سلسلة الأعمال الرئيسية في «إسرائيل». تراجعت بعد ذلك الصناعات المحلية، وحل محلها النمو السريع في صناعة التكنولوجيا الفائقة، والخدمات المالية المدفوعة برأس المال الدولي، التي تتحرك بسهولة حول العالم. في بداية احتلالهم لفلسطين، استخدم هؤلاء المستعمرون أسلوب إنتاج تعاوني لبدء حياتهم، ومع توسع المستعمرة وتوسع سكانها بدأت الطبقات الاجتماعية الجديدة في الظهور. بدأ المستعمرون بطبيعة الحال بتقليد التنظيم الاجتماعي والاقتصادي للإمبريالية التي زرعتهم في المنطقة، وأخذوا مكانهم ضمن التسلسل الهرمي للرأسمالية العالمية.
وبشكل نموذجي رأسمالي، عندما تثري مجموعة صغيرة، يتمّ إفقار مجموعة كبيرة. في المناطق الفلسطينية التي تحتلها «إسرائيل»، يعتبر اقتصاد العرب و«الإسرائيليين» متكاملاً إلى حد كبير. يعمل الكثير من الفلسطينيين في «إسرائيل» بوصفهم عمالة منخفضة الأجر. وكما هو الحال مع جميع العلاقات الاقتصادية الرأسمالية التابعة للإمبريالية العالمية، يتمّ إخضاع فلسطين لتصبح معتمدة بشكل كبير على «إسرائيل». تعمل حوالي 40٪ من القوى العاملة الفلسطينية في «إسرائيل». في عام 1968 كان دخل الفرد في فلسطين 10.2٪ فقط من دخل الفرد في «إسرائيل»، وبحلول عام 1986 ارتفعت هذه النسبة إلى 22.8٪ فنما الاقتصاد الفلسطيني بنحو 5٪، وقد مجّد أتباع الاقتصاد النيوليبرالي هذا باعتباره سبباً للتنمية.
لكن هذا النوع من التنمية هو مجرّد نموذج يعتمد على الاستغلال الهرمي وهياكل التبعية، وقد خلق إلى جانب المستعمر، طبقة تابعة للإمبريالية والاستعمار. لم يخطط أتباع الإمبريالية لتطور الأحداث، فمنذ الثمانينيات كانت هناك موجة من المقاومة الفلسطينية: الانتفاضة. بالنسبة لأولئك الذين هم في أسفل الهيكل المهيمن، فهذا الاعتماد يحول المضطهدين هيكلياً إلى أدوات يمكن التخلص منها بسهولة، مقابل «فلسطيني صالح» لا يثير المشاكل ويطيع النظام الرأسمالي الإمبريالي.
النظام «الإسرائيلي» اليوم هو قاعدة أمامية لإمبريالية رأسمالية عالمية، وكبسولة زمنية تمثّل امتداداً لم ينتهِ حتّى اللحظة للإمبراطوريات الاستعمارية الرأسمالية من القرن التاسع عشر. إنّ «إسرائيل» بوصفها مجرّد جيب استعماري يتمّ إدامته بطرق اصطناعية، تستخدم ذات الاستراتيجيات التي استخدمها الاستعمار للبقاء أطول فترة ممكنة: الوهم والعنف للقضاء على حركة التحرر، في محاولة إدامة اقتصاد لا أساس له وتاريخ سيُمحى. وكما كتب سارتر في مقدمة كتاب قانون رجل العالم المتألم: «قد تؤدي هذه الوسائل في بعض الأحيان إلى تأخير التحرر، لكنّها لا تستطيع منعه».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1145