ما بعد توسيع مجموعة «بريكس».. العالم الغربي أشد عزلة وضعفاً
خلال قمة مجموعة دول «بريكس» التي جرت في أواخر شهر آب، اتضحت بعض معالم الموقف العميق لبنك التنمية الجديد (NDB) حول عدد كبير من القضايا الملحة الموضوعة على جدول الأعمال العالمي. ومن أكثر القضايا إثارة للاهتمام هو إعلان بنك التنمية الجديد عن أنه سيستثمر في الوقت الحالي في الراند الجنوب أفريقي والريال البرازيلي (ليس بالروبل الروسي ولا باليوان ولا الروبية) الأمر الذي أثار استغراب بعض المتابعين ودفعهم للتساؤل عن أسباب هذا الإعلان.
وفقاً لرئيسة بنك التنمية الجديد والرئيسة السابقة للبرازيل، ديلما روسيف، من المخطط «بدء الإقراض لمشاريع الاستثمار في دول البريكس بالاعتماد على الراند الجنوب أفريقي والريال البرازيلي، وذلك كجزء من سياسةٍ مستدامة وثابتة تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي». وفوق ذلك، أكدت روسيف أن «البنك يتوقع تقديم قروض تكافئ مبلغ بين 8 إلى 10 مليارات دولار هذا العام. وهدفنا هو تغطية حوالي 30% من كل ما نقرضه بالعملات المحلية».
بديل عن النظام المالي العالمي بأكمله
بالاعتماد على ما سبق، يتضح أن ما يقارب الـ70% من أموال قروض بنك التنمية الجديد هذا العام سوف تكون بالدولار الأمريكي واليورو. بينما تجاوزت حصة هاتين العملتين في الفترة بين عامي 2010 و2020 حاجز الـ80%، الأمر الذي يعني فعلياً أن الانخفاض التدريجي في سلة العملات الغربية التي تدخل في أنشطة بنك التنمية الجديد تتحول إلى اتجاه ثابت ومتسارع.
ووفقاً لروسيف، فإن القروض بالريال البرازيلي والراند الجنوب أفريقي «ستسمح للمقترضين في الدول الأعضاء في مجموعة بريكس بتجنب مخاطر العملة وتقلبات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة». وفي الوقت نفسه، فإن هذه العملات الوطنية وغيرها من العملات الوطنية للبلدان المشاركة «ليست بديلا للدولار فحسب، ولكن للنظام المالي بأكمله الذي كان حتى الآن أحادي القطب. ولكن الآن، يتم استبداله بآخر متعدد الأقطاب». أما قروض بنك التنمية الجديد «فعلى عكس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يتم إصدارها دون الحاجة إلى فرض أي سياسة محددة، لأننا نحترم سياسة كل بلد».
ثلاثة أسباب رئيسية لتعزيز الريال والراند دون غيرهما
بعيداً عن التكهنات التي تخرج هنا وهناك، يبدو أن التركيز على الريال البرازيلي والراند الجنوب الأفريقي لقروض الاستثمار يرجع إلى عددٍ من العوامل المترابطة.
أولاً، يتم استخدام هذه العملات بشكل متزايد ومكثف في التسويات المتبادلة لدى كتل معينة (المقصود هو السوق المشتركة لبلدان أمريكا الجنوبية التي تضم 5 بلدان، والسوق المشتركة للجماعة الاقتصادية لجنوب وشرق إفريقيا التي تضم 15 دولة).
ووفقاً للمعلومات الرسمية المتاحة، فبحلول منتصف عام 2023، ارتفعت حصة الريال البرازيلي في التسويات المتبادلة بين دول السوق المشتركة لبلدان أمريكا الجنوبية إلى 40%، وارتفعت حصة الراند الجنوب أفريقي في التبادلات داخل مجتمع جنوب وشرق إفريقيا المذكور أعلاه إلى 70%.
ثانياً، استخدمت المؤسسات الحكومية ذات الصلة في البرازيل وجنوب أفريقيا مؤخراً تدابير أكثر نشاطاً لدعم القوة الشرائية لعملاتهما الوطنية، مما يسهم في استخدامها على نطاقٍ أوسع في الاتحادات الإقليمية المذكورة.
ثالثاً، يفضل بنك التنمية الجديد - على الرغم من أن مقره الرئيسي يقع في شنغهاي - عدم تعزيز الموقع المهم بالفعل لليوان الصيني والروبل الروسي والروبية الهندية في العلاقات الاقتصادية العالمية داخل مجموعة بريكس. والاستعاضة عن ذلك بدعم العملات الأقل تداولاً من غيرها، وذلك من أجل تعزيز مواقعها، وبالتالي رفع الوزن النوعي لمجموعة بريكس أكثر.
بريكس أوسع.. بريكس أقوى وأكثر قدرة على المواجهة
التوسع المستمر لمجموعة بريكس من خلال انضمام دول جديدة كبيرة ومؤثرة في أقاليهما، وكذلك سلسلة الدول الراغبة في الانضمام إلى المجموعة، مؤشرات جدية على التأثير المتزايد للمجموعة في العالم. وكما أشرنا سابقاً، تقدمت 23 دولة رسمياً للمشاركة في مجموعة البريكس، وهي حالة نادرة الحدوث في مختلف آليات التعاون متعدد الأطراف التي نعرفها حتى الآن.
وخلال الاجتماع الأخير للمجموعة، ركزت وسائل الإعلام الغربية على فكرة أن هنالك بعض الخلافات التي حصلت داخل مجموعة البريكس والتي كان على المشاركين حلها. وبشكل خاص القول إن روسيا والصين تؤيدان توسيع الرابطة، في حين أعربت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا عن بعض الشكوك والتردد حيال هذه المسألة. ومع ذلك، فإن تصميم أعضاء البريكس وروح التغلب على الخلافات لصالح التعاون، قد انتصر في نهاية المطاف. وفي الواقع، أعرب قادة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا في القمة بشكل لا لبس فيه عن «دعمهم الكامل» للتوسع.
ويمثل الأعضاء الستة الجدد الذين دعيوا للانضمام (السعودية وإيران والإمارات ومصر وأثيوبيا والأرجنتين) قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وكلهم دول إقليمية ذات نطاق وتأثير وازن. وبمشاركتهم، سيزداد تمثيل وتأثير آلية تعاون بريكس، مما يجعل المجموعة واحدة من أكبر المنظمات التمثيلية للأسواق الناشئة والبلدان النامية التي تشارك بنشاط في كسر الهيمنة الغربية التي سادت منذ النصف الثاني للقرن العشرين.
وعلى خلفية النجاح العام في توسيع بريكس، تثار بعض الأسئلة بشأن القرار النهائي للسلطات الأرجنتينية حول حسم خياراتها الاستراتيجية. حيث يجب أن تتم الموافقة على انضمام هذا البلد الأمريكي اللاتيني إلى مجموعة البريكس من قبل مجلسي البرلمان في بوينس آيرس حيث لا تتمتع القوى الحاكمة بالأغلبية.
معظم إنتاج النفط العالمي لم يعد غربياً.. إنتاجاً وتسعيراً
انضمام أكبر الدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج - السعودية وإيران والإمارات - إلى دول البريكس له أهمية خاصة بصدد إنشاء نظام مالي واقتصادي عالمي أكثر عدلاً وإنصافاً، وبالتالي، ضمان تنمية عادلة في الدول غير الخاضعة لشروط العالم الغربي. والآن باتت تحوز مجموعة بريكس ما يزيد عن 80% من إجمالي إنتاج النفط العالمي. وتتاجر روسيا عملياً بالنفط مع دول أخرى باستخدام العملات الوطنية، والسعودية والإمارات في طور الانتقال بنشاط إلى مثل هذه التجارة. بينما تبيع إيران بالفعل كمية كبيرة من النفط باستخدام عملات أخرى غير الدولار الأمريكي. وتتزايد تدريجياً حصة تسويات اليوان في تجارة كل من السعودية وإيران مع الصين، وهي أكبر مستهلك للمواد الخام الهيدروكربونية.
نتيجة لذلك، يتم تعزيز آليات التسوية غير الدولارية لمجموعة بريكس في إطار البنى المالية والمصرفية الدولية التابعة للمجموعة، والتي أصبحت جذابة للدول الأخرى الراغبة بالتفلت من هيمنة الغرب، وهي الدول ذاتها التي يتم تقييد تنميتها بشكل مصطنع بفعل القيود الغربية.
خطوات عملية تعزز مكانة المجموعة في العالم
وفقاً لرئيس جنوب أفريقيا، أصدر قادة دول بريكس تعليمات إلى وزارات المالية والبنوك المركزية في بلدانهم للنظر في إمكانية إطلاق أدوات ومنصات دفع تعتمد على العملات الوطنية. وبالإضافة إلى ذلك، أكد القادة على الحاجة إلى تشجيع استخدام العملات المحلية في التجارة الدولية والمعاملات المالية بين دول بريكس وشركائها التجاريين، فضلاً عن أهمية تعزيز شبكات المراسلة المصرفية بين دول بريكس لضمان التسويات بالعملات المحلية.
وبشكل عام، فإن الوزن الاقتصادي للمجموعة آخذ في الازدياد. على هذا النحو، قال الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، إنه نتيجة لتوسيع بريكس، سينمو إجمالي الناتج المحلي للرابطة إلى 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية GDP PPP، ويعيش 46% من سكان العالم في دول بريكس الموسعة، والنمو الكمي لمجموعة قوى السوق الناشئة سيزيد من وزنها العالمي، فضلاً عن رفع تأثير العالم غير الغربي ككل، ويساعد على مقاومة الإملاءات الجيوسياسية لمجموعة «الدول السبع G7» الغربية.
وحتى قبل انضمام الدول الست الجدد، كان يبلغ إجمالي عدد سكان دول البريكس الخمس 3.2 مليار نسمة من إجمالي سكان العالم البالغ 7.8 مليار نسمة أي حوالي 41.5%. ووفقاً لهذا المؤشر، تحتل الهند والصين المركزين الأول والثاني في العالم، والبرازيل السابعة، وروسيا التاسعة، وجنوب إفريقيا الرابعة والعشرين.
وتبلغ المساحة الإجمالية للدول الأعضاء في مجموعة البريكس 39,746,220 كيلومتر مربع، أي ما يقارب 26.7% من أراضي العالم.رومن حيث الناتج المحلي الإجمالي، فإن الصين هي الاقتصاد الأول في العالم، والهند هي الثالثة، وروسيا هي الخامسة، والبرازيل هي الثامنة، وجنوب أفريقيا هي الثانية والثلاثين. أما على صعيد إنتاج الحبوب (حسب بيانات 2020)، تحتل الصين المركز الأول عالمياً، والثالثة روسيا، والرابعة الهند، والخامسة البرازيل، والسادسة والسابعة الأرجنتين وإندونيسيا (الأعضاء في بنك التنمية). ومن حيث إنتاج القمح في عام 2021، كانت الصين والهند وروسيا هي الرائدة في العالم.
وعلى صعيد إنتاج اللحوم (وفقاً لبيانات 2021)، تحتل دول البريكس أربعة مراكز في المراكز الخمسة الأولى في العالم: الصين الأولى، والبرازيل في المركز الثالث، وروسيا في المركز الرابع، والهند في المركز الخامس.
ومن حيث إنتاج الأسمدة (وفق بيانات 2022)، فإن الصين هي الرائدة عالمياً، والهند في المركز الثالث، وروسيا في المركز الخامس. وفي المراكز العشرة الأولى دول باتت عضوة وأخرى مهتمة بالانضمام إلى مجموعة البريكس مثل السعودية ومصر وإندونيسيا والجزائر.
ومن حيث إنتاج الكهرباء السنوي، تتصدر الصين العالم، والهند في المركز الثالث، وروسيا في المركز الرابع، والبرازيل في المركز السابع.
ويبلغ عدد سكان دول البريكس أكثر من أربعة أضعاف عدد سكان دول مجموعة السبع: 3.2 مليار مقابل 777 مليون نسمة. وتبلغ المساحة الإجمالية أكثر من الضعف، ومن حيث إنتاج القمح، تتجاوز مجموعة البريكس مجموعة السبع بمقدار 2.3 مرة.
ووفقاً لحسابات بلومبرغ المستندة إلى بيانات صندوق النقد الدولي، بحلول عام 2028، سيكون لدول البريكس حصة في النمو الاقتصادي العالمي تزيد عن 33%، بينما ستحصل دول مجموعة السبع على أقل من 28%.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1138