الصين مع العالم.. 48٪ لليوان مقابل 47٪ للدولار
شيونغ آيزونغ شيونغ آيزونغ

الصين مع العالم.. 48٪ لليوان مقابل 47٪ للدولار

في نهاية آذار الماضي 2023، ارتفعت حصّة اليوان الصيني من المدفوعات العابرة للحدود «سداد وتلقي» بين الصين والعالم الخارجي إلى رقم قياسي هو 48٪، وذلك بارتفاع هائل من 0٪ في عام 2010. وقد تجاوز اليوان بذلك الدولار الأمريكي لأول مرة على الإطلاق بوصفه العملة المختارة لتسوية المدفوعات العابرة للحدود، حيث هبطت حصّة الدولار من 83٪ إلى 47٪ في الفترة ذاتها.

ترجمة: قاسيون

هذه واحدة من التطورات الحديثة المشجعة للاستخدام الدولي لليوان. عندما زار الرئيس البرازيلي لولا بنك بريكس الجديد للتنمية في نيسان، أشار إلى أنّ التجارة الدولية يمكن أن تتم باستخدام اليوان أو عملات بريكس. وقبل ذلك كانت الصين والبرازيل قد حققتا الكثير من التطور في التسويات باستخدام اليوان. في 26 نيسان أعلنت الأرجنتين أنّها ستتوقف عن استخدام الدولار الأمريكي للدفع مقابل البضائع التي تستوردها من الصين، وستستخدم اليوان عوضاً عن ذلك. أعلن حاكم البنك المركزي التايلاندي أنّ بلاده في مفاوضات حالية مع بنك الصين المركزي لاستخدام عملات البلدين في التسويات بهدف تقليص مخاطر التبادل الأجنبي.
في 14 آذار أعلن «بنك الصين للاستيراد والتصدير» بأنّه توصّل إلى أوّل تعاون في مجال القروض باليوان مع البنك الوطني السعودي. ثمّ قام البنك الصيني مع «بنك الصين وأوروبا للإعمار» بتنفيذ أوّل عملية إقراض عابرة للحدود في أوروبا باستخدام اليوان الصيني. في 28 آذار وقّعت «أندورا الفرنسية» مع «مؤسسة الصين الوطنية للنفط الخارجي CNOOC» اتفاقية شراء غاز طبيعي مسال مدفوعة باليوان الصيني، وهي أوّل عملية استيراد غاز طبيعي تتم تسويتها بالعملة الصينية، لتفتح المجال أمام المزيد من التسويات باليوان في مجالي النفط والغاز.
منذ أطلقت الصين تدويل عملتها في 2009، حقق هذا التدويل تقدماً سريعاً. وفقاً لمؤشر تدويل العملة الشامل الصادر عن بنك الشعب الصيني «البنك المركزي»، حقق اليوان الصيني 2,86 نقطة في الربع الأول من عام 2022، ليلحق بشكل متدرّج بمؤشر تدويل الين الياباني الذي كان يبلغ في الفترة ذاتها 4.96 نقطة. في عام 2016 تمّ إدراج اليوان الصيني في حقوق السحب من سلة العملات العالمية، وكان وزنه البدئي في السلة 10.92٪، والذي زاد إلى 12,28٪ بعد عدة أعوام في 2022، ليكون وزنه أعلى بكثير في الفترة ذاتها من الين الياباني «8,33 إلى 7,59٪» والباوند البريطاني «من 8,09 إلى 7,44٪».
ورغم أنّ حصّة اليوان من الاحتياطي الأجنبي في الربع الأخير من عام 2022 لم تجاوز 2,69٪، فلا يزال يحتل المرتبة الأولى بالمقارنة مع العملات غير التقليدية. وفقاً لاستطلاعات غير مكتملة بعد من بنك الشعب الصيني، هناك أكثر من 80 بنكاً مركزياً حول العالم يضمّن اليوان في احتياطاته الأجنبية. كما أن استخدام اليوان من قبل طرف ثالث آخذ بالتوسع التدريجي. بدأت الشركات الروسية باستخدام اليوان الصيني لتسوية تجارة الأسمدة مع البرازيل، والشركات الهندية تستخدم اليوان الصيني أيضاً في تسوية تجارة الفحم مع روسيا. في نيسان 2023 أعلنت عدّة مصادر إعلامية، أنّ بنغلادش تستخدم اليوان الصيني لتسدد لروسيا ثمن معدات مشروع مفاعل الطاقة النووية في البلاد. هذا يظهر أيضاً أنّ الجاذبية الدولية لليوان في ارتفاع أيضاً.

مزايا وسمات اليوان كعملة دولية

بعض الترتيبات المؤسساتية الصينية لتعزيز تدويل اليوان منحازة لصالح الدول النامية، ما يعزز أكثر جاذبية اليوان في هذه الدول. بعد انفجار الأزمة المالية العالمية في 2008، قام بنك الشعب الصيني بإنشاء خطوط تبادل «Swap» مع البنوك المركزية والسلطات النقدية في الكثير من الدول والأقاليم. يمكن استخدام تمويل التبادل لدعم التجارة والاستثمار المتبادلين، ويمكن استخدامه أيضاً للحفاظ على الاستقرار المالي للدولة المستفيدة. بالمقارنة مع تبادل العملات في الاقتصادات المتقدمة، تغطي شبكة التبادل بعملة اليوان دولاً نامية أكثر، ما ساعد بشكل كبير على تحسين قدرة هذه الدول على الحصول على موارد مالية دولية.
النمو المستمر للاقتصاد الصيني هو ضمانة صلبة ليصبح اليوان عملة دولية. في 2010 تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم للمرة الأولى، وحصتها من الاقتصاد العالمي استمرّت بالزيادة منذ ذلك الحين. وفقاً للإحصاءات من صندوق النقد الدولي، فقد كانت حصّة اقتصاد الصين الإجمالية هي 18,1٪ من مجمل حجم الاقتصاد العالمي في العام الماضي 2022، ومن المتوقّع أن تزيد إلى 20,4٪ في عام 2028.
سترتفع المكانة الدولية لليوان بشكل أكبر، مدعوماً بالنمو الاقتصادي السريع للصين، ومن المتوقع أنّه سيتخطى خلال فترة قصيرة الباوند البريطاني والين الياباني فيما يتعلّق بالعملات المستخدمة للمدفوعات، والتحويلات، والاحتياطي، ليحتلّ المرتبة الثالثة بعد الدولار واليورو. لقد أصبحت العملة الدولية الكبيرة قطباً مهماً في النمط النقدي الدولي السائد. لا يزال الدولار حتّى يومنا هذا هو العملة الدولية الأكثر أهميّة، ولا يزال في موقع المهيمن في النظام النقدي العالمي اليوم. لن تتمّ عملية نزع الدولرة بين ليلة وضحاها، والتغيرات الجذرية في هيكل النظام النقدي الدولي ستكون لها دون أدنى شك تأثيرات هائلة على الاقتصاد العالمي.
إنّ العملات غير التقليدية، وعلى رأسها اليوان الصيني، تحتل مرتبة أعلى في احتياطات الكثير من الدول بشكل متزايد، وذلك على حساب تراجع شعبية العملات التقليدية: الدولار الأمريكي، واليورو، والين، والباوند، والتي وفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي قد تراجعت حصتها من الاحتياطات العالمية من 98٪ قبل الأزمة المالية العالمية إلى 90٪ في نهاية 2022. أيضاً وفقاً لورقة بحثية حديثة من صندوق النقد الدولي، في نهاية العام الماضي 2022، كان هناك 46 اقتصاداً قد بدأ بتخصيص 5٪ من الأصول الاحتياطية للعملة الأجنبية باليوان الصيني «وبعملات أخرى من غير سلة العملات». النسبة الأعلى من هذه الدول هي: دولة ليسوتو الإفريقية التي شكّل اليوان قرابة 69٪ من عملاتها الاحتياطية. لكن هناك دولاً وازنة أخرى، مثل: تركيا التي بلغ اليوان 33٪ من احتياطاتها، وتشيلي 28٪، وروسيا 21٪. ويتوقّع تحت وطأة العقوبات الغربية، واستمرار الحرب في أوكرانيا، أن تزيد حصّة روسيا بشكل سريع.
في ظلّ عملية نزع الدولرة- التي باتت حقيقة مستمرة- لدى الدول حاجة واقعية لتعزيز استخدام عملات أخرى غير الدولار للحصول على مزايا ذلك، وتفادي مساوئ البقاء ضمن نظام متراجع. يجعل هذا تدويل اليوان مضطرّاً ليس فقط لمواجهة «الاحتواء» التقليدي للعملات الدولية، بل أيضاً «مطاردة» العملات الصاعدة الأخرى. العمل الأكثر أهمية أمام تدويل اليوان الصيني لا يزال التركيز على تقوية أساسه، للحفاظ على موقع المنافس بين العملات الدولية. لتحقيق هذه الغاية على الاقتصاد الصيني أن يحافظ على نموّه الثابت، وأن يزوّد اليوان بأساس اقتصادي قوي. الحجم الاقتصادي يلعب دوراً شديد الأهمية في تدويل عملة أيّة دولة. على خلفية التباطؤ الحالي في النمو الاقتصادي العالمي، يمكن للنمو الاقتصادي الصيني أن يوفّر مساحة وضماناً جيدين لاستقرار العملة وتدويلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1120
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 21:51