أصحاب الاقتصاد الياباني غير راضين عن موقف حكومتهم تجاه روسيا
فلاديمير دانيلوف فلاديمير دانيلوف

أصحاب الاقتصاد الياباني غير راضين عن موقف حكومتهم تجاه روسيا

رغم أنّ خطر المواجهة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين وروسيا في وقت واحد هو كابوس جيوسياسي لواشنطن، تحاول جاهدة جذب حلفائها إلى الصراع، لا سيما في آسيا. لهذا السبب ركز البيت الأبيض اهتمامه مؤخراً على «الرباعية» أو ما يسمّى بالناتو الآسيوي. لكنّ شعوب بعض هؤلاء الحلفاء ورواد أعمالها يجدون أنّ ما يجري لا يخدم مصالحهم ويدفعهم نحو الأزمة دفعاً.

ترجمة: قاسيون

تحاول واشنطن دمج اليابان في هيكل عسكري جديد آخر هو أوكوس، على أمل استخدام التكنولوجيا اليابانية لبناء أسلحة جديدة. وفقاً للصحيفة اليابانية سانكاي، فالنخب اليابانية منقسمة حيال الأمر، كما أنّ استطلاعاً لقرّاء الصحيفة أشار إلى أنّ الناس متخوفة من القرارات الحكومية.
إنّ استراتيجية البيت الأبيض هي إضافة أزمة في آسيا على حدود الصين، تشابه القائمة في أوكرانيا، وإشعال المنطقة نقطة تلو أخرى، في الوقت الذي يناسب واشنطن. والهدف النهائي هو: إضعاف الصين وروسيا، بحيث يتسنّى لواشنطن إزالتهما من طريقها كعقبات أمام استعادة الهيمنة الأمريكية.
كان فوميو كيشيدا- رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، والذي فاز في الانتخابات وأصبح رئيساً للوزراء قبل ستّة أشهر- نشطاً بشكل خاص في دعم استراتيجية البيت الأبيض، عاقداً العزم على تولي دور المساعد الوفي لواشنطن. اتخذ كيشيدا خطوات نشطة لإثبات جدارته أمام الولايات المتحدة في حشد منطقة آسيا والمحيط الهادئ في جبهة واسعة مناهضة لروسيا. لهذه الغاية قام بزيارة إلى نظيره الهندي في نيودلهي في ١٩ آذار لحثّه على الانسحاب من التعاون مع روسيا. لكنّ الهند كانت العضو الوحيد في «الرباعية» الذي امتنع عن مثل هذه التحركات، الأمر الذي تسبب بخيبة أمل من قبل كيشيدا، وكذلك البيت الأبيض.
وقد تأكد فشل محاولات كيشيدا التأثير على الحكومة الهندية لاتخاذ مواقف مناهضة لروسيا من خلال قرار الحكومة الهندية في ٢٠ نيسان برفض السماح لطائرات النقل العسكرية اليابانية باستخدام مطاراتها لأداء مهام متعلقة بأوكرانيا.
وبسبب رغبة كيشيدا بتحسين صورته أمام الأمريكيين، أعلن عن نيته زيارته دول الآسيان في أواخر نيسان وأوائل أيار، لتشكيل تحالف مناهض لروسيا، وذلك وفقاً لما ذكرته تقارير مؤسسة نيهوان كيزاي اليابانية. يخطط كيشيدا لزيارة تايلاند وفيتنام وإندونيسيا بشكل خاص، لكن من الواضح أنّ مهمته ستفشل، حيث تخشى الدول الآسيوية من فرض عقوبات على روسيا، وتنأى بنفسها عن أيّة أعمال أمريكية أو أوروبية بهذا الخصوص. ففي إندونيسيا تحديداً، وهي التي ترأس قمّة مجموعة العشرين هذه الدورة، قام وزير المالية الإندونيسي- خلافاً لرغبة واشنطن وما كان كيشيدا يريد تحقيقه- بإرسال دعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور قمّة الخريف في بالي.
يحاول رئيس الوزراء كيشيدا التغطية على الأزمة الاقتصادية في بلده، وأزمة الطاقة بسبب مسألة الغاز الروسي المسال، بمحاولة التلميح إلى الطاقة النووية. وإذا استثنينا تأثيرات كارثة فوكوشيما التي لا تزال حاضرة في ضمير الشعب الياباني، مما قد يجعل مثل هذا الأمر مستحيلاً. فحتّى قبل كارثة فوكوشيما، كانت اليابان تعتمد على ما نسبته ٢٤٪ من طاقتها الكهربائية على الغاز الطبيعي المسال.

عكس المصالح الاقتصادية

تعرف آسيا أين تكمن مصالحها الاقتصادية، وتريد عدم السماح لواشنطن بتشويشها. امتنعت في آذار الماضي، الهند ولاوس وفيتنام ودول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يُدين روسيا، وليس هناك في آسيا سوى اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة- وتايوان إذا اعتبرناها دولة- قد أيدوا العقوبات الأمريكية وتبنوها.
كانت اليابان هي أول دولة آسيوية تفرض عقوبات على روسيا. لكنّ نوايا رئيس الوزراء كيشيدا أن يقلل أو يهجر الاعتماد بشكل كلي على مصادر الطاقة الروسية- الفحم والنفط. وكذلك الغاز الطبيعي المسال من حقول ساخالين، وهما اللذان كانا مساهمان وضامنان لتطوير عمالقة الصناعة اليابانية، أمثال: ميتسوبيشي وميتسوي. من هنا ليس من المستغرب أن نفهم أنّ النخب اليابانية لم تؤيّد مقترحات الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم «لمعاقبة روسيا» عبر عدم استيراد الغاز الطبيعي المسال. وفقاً للمعلومات التي ينشرها الجزء الأكبر من الإعلام الياباني، النخب اليابانية غير سعيدة بقرارات الحكومة اتباع نهج واشنطن فيما يخصّ العلاقات مع روسيا.
يمكن تأكيد مثل عدم سعادة النخب اليابانية من موقف حكومتهم المناهض للروس عبر ردود الأفعال على القرارات الحكومية اليابانية، التي منعت استيراد ٣٨ سلعة روسية بدءاً من ١٩ نيسان. فبالإضافة إلى حظر استيراد سلع ترفيّة مثل: الفودكا، فقد تمّ حظر عناصر أساسية للإنتاج والصناعة اليابانية، مثل: الأخشاب الروسية التي أشارت مؤسسة سانكاي شيمبون بأنّ النخب اليابانية، وكذلك الناس العاديين اليابانيين، يعتمدون عليها بوصفها مادة بناء أساسية، وأيضاً مادة صناعية، الأمر الذي قد يتسبب بصدمة للاقتصاد الياباني، ويؤدي إلى «صدمة غابة Forest Shock». بدأت المخاوف في دوائر الأعمال اليابانية من أن يؤدي استمرار الأزمة الأوكرانية والإجراءات الحكومية إلى نقص في الأخشاب الروسية، ما يعني تأثيراً سلبياً للغاية على سوق الإسكان الياباني، وحياة المواطنين اليابانيين العاديين.
أكدت صحيفة يابانية مرموقة أخرى، هي: يوميوري شيمبون، أنّ انضمام الحكومة اليابانية إلى العقوبات المناهضة لروسيا كان بمثابة «من يطلق النار على نفسه». وأشارت إلى أنّ التعاون بين البلدين كان مثمراً لدرجة أنّ موسكو هي التي ساعدت طوكيو في العثور على معلومات حول أسرى الحرب اليابانيين الذين لقوا حتفهم، وأنّ الأعمال الاقتصادية، ومثل هذه الأعمال قد توقفت اليوم.
لا يبدو أنّ أيّ قطّاع اقتصادي ياباني يمكنه أن ينجو من تأثيرات العقوبات التي تفرضها الحكومة اليابانية على روسيا. فكما ذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية في تقرير لها، لقد وجهت الأزمة الأوكرانية- وموقف الحكومة اليابانية منها- ضربة خطيرة إلى صيادي السمك اليابانيين، مشيرة بشكل خاص إلى القلق الياباني بشأن مصير المفاوضات لتحديد حصص تكثير السلمون والسلمون المرقط في نهر أمور، وكذلك بقيّة الكائنات البحرية في المياه المجاورة لروسيا. كان الخوف من تأثير الموقف الحكومي الياباني على فقدان اليابان مورداً رئيسياً للغذاء، المتمثّل بالحياة البحرية، داعياً لانتشار الذعر بشكل كبير في اليابان. فالأمر هنا يتعدى التأثير على اقتصاد الدولة الجزيرة، ويشكل تهديداً حقيقياً على الأمن الغذائي الياباني، وفي منطقة شمال شرق اليابان بشكل رئيسي، حيث باتت سوق المأكولات البحرية متداعيةً بسبب ارتفاع الأسعار عدّة مرات، منذ بداية العام الجاري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:26