عصب الاقتصاد: القوة العاملة الغربية تعيد إحياء نقاباتها؟

عصب الاقتصاد: القوة العاملة الغربية تعيد إحياء نقاباتها؟

بعد أنّ كشف انتشار الوباء عن تهلهل البنى الغربية الخاصة بحماية العمّال وتعويضات البطالة والرعاية الصحية، بات واضحاً بأنّ شعوب هذه الدول ستشهد ارتفاعاً في مستوى حركتها.

في الوقت الذي شهدنا فيه انجذاباً نحو الخطاب «الفاشي» الذي يحاول حرف الشارع الغاضب عن الوجهة التي توجد فيها مصالحه، فإنّ أعداداً ليست بالقليلة من الناس اتجهت نحو طروحات، مثل: إعادة إحياء النقابات والتنظيم العمالي.

تقسيم العمّال لضرب النقابات

في دراسة للكاتبين ماركو سيميوني وتيم فلانداس بعنوان: «تحرير سوق العمل وصعود الازدواجية في أوروبا»، توصّل الباحثان إلى بعض النتائج المترابطة:
أولاً: قيام الحكومات الأوروبية بلبرلة سوق العمل في العقود الثلاثة الماضية ما كانت لتحدث لو واجهت معارضة فاعلة من النقابات، ولهذا عند الانتباه إلى التراجع المتزايد للحركة النقابية الأوروبية الغربية في العقود الثلاثة الماضية يمكننا أن نفهم موجة لبرلة سوق العمل على طول القارة الأوروبية. فكما أثبتت الدراسة، بعد حدّ معين من البطالة، لم تعد النقابات تواجه أو تقلل من احتمالية حدوث عمليات «إصلاح» ليبرالية، سواء وسيطة أو هامشية.
ثانياً: أثبتت الإحصاءات التجريبية أيضاً، بأنّ إضعاف النقابات أدّى، بشكل غير مباشر ومباشر في بعض الأحيان، إلى تهدئة الخلافات داخل الأحزاب السياسية حول الاستراتيجيات الاقتصادية.
ثالثاً: لم تتمكن النقابات القوية نسبياً من تدبر أمر منع إجراء «إصلاحات» ليبرالية في الكثير من الحالات، فالنتائج أثبتت وبشكل متوقّع، بأنّ الحكومات التي كان لديها أنظمة إعانات بطالة «سخية» بما يكفي لحماية المتضررين من الإصلاحات الليبرالية المستقبلية، تمكنت من تخطي معارضة النقابات بنجاح أكبر.
رابعاً: الحكومات استطاعت تطبيق الإجراءات الليبرالية بشكل أساسي عبر تقسيم الطبقة العاملة، وذلك من خلال إعادة تنظيم أجزاء من سوق العمل، بحيث ينتفع جزء من العمّال من ضمانات عدم التضرر من الإجراءات الليبرالية، وهو ما سمي اصطلاحاً «بالعزل– نظام المكيالين»، حيث يتم فصل مجموعات منظمة نقابياً في الغالب عن بقية العمّال.
وقدرة النقابات على تنظيم عمّالها بحيث يواجهون نظام المكيالين هذا هي التي شكّلت الفارق في التخفيف من حدّة الإجراءات الليبرالية التي طبقتها الحكومات. فرغم قيام جميع دول أوروبا بتطبيق «الإصلاحات الليبرالية» في بلدانها، إلا أن التباين القائم حتى اليوم بين هذه الدول في شكل الإجراءات المطبقة والحماية الممنوحة للعمّال، يعود بشكل رئيسي إلى قدرة النقابات المعنية على منع أو التخفيف من إجراءات العزل التي اعتمدتها الحكومات.

حالة عمليّة نموذجية

جزء ليس بالهيّن من العمّال يتجه نحو التنظّم نقابياً، أو حتّى إعادة إحياء نقاباته التي تهلهلت في العقود الثلاثة الماضية. ويمكننا لمس هذا الاتجاه في الشقاق الكبير الذي تشهده الأحزاب السياسية في الغرب عبر عمليات الانتخاب، والمتوقع أن يستمر بشكله الزلزالي الذي نشهده. فمن حزب «دي لينكه» الألماني، إلى حزب العمّال البريطاني، مروراً بالمطالبين بالانشقاق عن الحزب الديمقراطي الأمريكي، وتشكيل أحزاب «اشتراكية» جديدة وبوديموس الإسباني وغيرها. جميع هذه التحركات السياسية تنبئ بتغيرات جذرية في تنظيم العمّال لأنفسهم في المرحلة القادمة، يكون من أبرزها: إطلاق رصاصة الرحمة على الطروحات «اليسارية» غير الجذرية التي سادت المشهد السياسي خلال عقود مضت.
وثمّة حالات تنظّم نقابي فريدة ومتزايدة في السنوات الأخيرة. مثالها: اتجاه عمّال سلسلة «ستاربكس» الشهيرة إلى التنظم نقابياً. في مقال للكاتبة روزا سابا عن سلسلة ستاربكس في كندا، كتبت: «عدم الرضا بين عمّال ستاربكس الذين يؤكدون أنهم مجهدون ولا يحصلون على الحماية اللازمة من الوباء، أدّى إلى بلورة جهودهم بالتنظّم، حيث بدأ فرع تلو الآخر بالانضمام، مع انتظار انضمام بقيّة الأفرع». وملخص الأمر: كانت ستاربكس الكندية تعتبر فيما مضى من أرباب العمل الذين يعاملون موظفيهم بشكل جيّد، وربّما هذا هو السبب في أنّ بضعة أفرع فقط على طول البلاد موظفوها منظمون نقابياً. لكن بدأت تتغيّر الأمور مؤخراً... بدأ الأمر عندما قام موظفو فرع «فكتوريا» بالانضمام إلى نقابة «عمّال الحديد المتحدون». وقد أمل العمّال من انضمامهم للنقابة بالحصول على أجور أعلى، وساعات عمل أقل، وإجبار ربّ العمل على توظيف ما يكفي من العمال، والحصول على إجراءات ومعدات حماية مناسبة أثناء الوباء. نبّه هذا الأمر إدارة ستاربكس التي بدأت على الفور بعقد اجتماعات وتحذير العمّال من الانضمام للنقابات. حيث بدأ أرباب العمل يعلنون بأنّهم يشكلون مع الموظفين «عائلة» ستاربكس.
بدأت الشركة بعد ذلك بالسؤال بشكل تفصيلي عن مطالب العمّال، والتي كان أبرزها: نقص العمّال، حيث وعدت بأنّها ستوظف عمّالاً أكثر، لكن دون أن تتخذ أيّ إجراء حقيقي لتنفيذ وعودها.
وتوقّع جيم ستانفورد، مدير «مركز العمل المستقبلي» للأبحاث بأنّ تشهد كندا المزيد من التنظيم النقابي بشكل سريع في المرحلة القادمة، وخاصة بين العمّال في القطاعات التي كانوا يعانون فيها ما قبل الوباء، مثل: قطاع البيع بالتجزئة والمستشفيات والبقالة، فالوباء بالنسبة لهؤلاء العمّال بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير. فرغم مخاطر التنظم نقابياً، والتي قد يصل بعضها إلى الفصل من العمل في بعض الأماكن، فإنّ اليأس الذي وصل له العمّال سيدفعهم إلى تخطي مخاوفهم.

ليست حدثاً مجرداً

هناك الكثير من الأمثلة من جميع أنحاء الغرب عن قيام العمّال بالتنظم. فعلى سبيل المثال: تناول الإعلام الغربي حملة «تنظيم العمّال الرقميين» وكأنّها مزحة منذ عدّة أعوام، وكان السبب الرئيسي لذلك هو قدرة أرباب العمل على استبدال هؤلاء بعاملين من الدول النامية بكلف أقل. لكنّ العمّال الرقميين واجهوا هذا السلوك من خلال الضغط على أرباب العمل، واستطاع عمّال برمجة ألعاب «LOvestruck» التي تنتجها شركة «فولتاج إنترتيمنت» الأمريكية، بعد إضرابهم لمدّة 21 يوماً، الحصول على زيادة في أجورهم بنسبة 78% بالإضافة لزيادة الشفافية في العمل. فهؤلاء العمّال لم يكونوا محميين بموجب قانون العمل الأمريكي، تبعاً لكونهم أصحاب «عقود مستقلة»، لكنّهم قرروا المخاطرة والمضي قدماً. هؤلاء العمّال وعددهم 21 عاملة لم يلتقوا ببعضهم ولا مرّة في الحياة العملية، ولكنّهم تمكنوا عبر شبكة الإنترنت من التنظّم والإضراب، ومقاومة محاولات الشركة لتفريقهم، وإغراء بعضهم بزيادة في الأجور لكسر الإضراب!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الأربعاء, 10 تشرين2/نوفمبر 2021 11:38