ما وراء مليارات «علي بابا».. لدعم الرخاء والمساواة الصينية؟
نينا جيانغ* نينا جيانغ*

ما وراء مليارات «علي بابا».. لدعم الرخاء والمساواة الصينية؟

الهدف المعلن للرئيس تشي جينبينغ «الرخاء المشترك» يقود إلى تخفيف حدّة اللامساواة في الصين. لكن عندما يعلن عمالقة التكنولوجيا– بما في ذلك مجموعة «علي بابا» القابضة، وتينسنت القابضة– الشهر الماضي بأنّهم سيقدمون مئات المليارات لدعم مبادرة تشي، يصبح لدى الكثير من المعلقين خوفٌ من تحوّل الأمر إلى «رعب مشترك».

ترجمة: قاسيون

لكنّ مراجعة لخطط عمالقة التكنولوجيا هؤلاء في الاستثمار في الرخاء المشترك، وكيف ساعدوا من قبل في تحقيق الأهداف السياسية التي كانت موضوعة، تشير إلى أنّ جهودهم ستخدم في واقع الحال ترسيخ مراكزهم المهيمنة في السوق لعقود قادمة. ولكن هذا بحدّ ذاته قد يؤدي لتعزيز خطط الدولة للسيطرة عليهم.

المبالغ الكبيرة التي تعهدت بها مجموعتا علي بابا وتينسنت– 100 مليار يوان «15,6 مليار دولار» من علي بابا، و50 مليار يوان من تينسنت– هي ما يمكن أن ندعوه بنموذج- الخيريّة الرأسمالية- الاستراتيجي. هذا النموذج من الإحسان الرأسمالي الصيني، أكثر مباشرة من نموذج زرع مبادئ الأعمال والربحية بشكل عميق عبر الإحسان الخيري، والذي عهدناه لدى عمالقة رأس المال الأمريكيين، والذي يشتهر به أمثال مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ.
لكن حتّى مع عدم انطباق نموذج- الإحسان الرأسمالي الأمريكي- العميق على- الإحسان الرأسمالي- لشركات التكنولوجيا الصينية، تبقى الأسئلة قائمة عن دوافع الشركات الكبيرة وما ستجنيه، وحول أنّ الكثير من عائدات إنفاق هذه الأموال سيكون على شكل منافع غير حسيّة، مثل: الرضا العام والصداقة الحكومية. الأمر الأكيد أنّ هذه الشركات لن تنفق هذه الأموال دون أن يكون في بالها كيفية تحقيق العائد منها بشكل واضح وتفصيلي.

الريف كهدف شركاتي

ربّما الأكثر أهميّة هو أنّ هذه الأموال التي ستمنحها الشركات، سيتمّ إنفاقها في مجالات تتوافق استراتيجياً مع أهدافها الخاصة المعلنة والضمنية. كمثال: تهدف «علي بابا» إلى إنشاء مراكز تجميع منتجات زراعية بطريقة يمكن أن تنفع منصتي التجارة المملوكة لها: Taobao وTmall.
يمكن أيضاً للأموال أن تساعد «علي للصحّة Ali Health» على إنشاء مراكز خدمات صحية في المناطق الريفية. بينما خدمة «علي بابا» السياحية Fliggy ستستفيد من جلبها المزيد من الزوار إلى الأرياف الصينية الجميلة التي تريد «علي بابا» أن تطورها.
في الحقيقة، قد يكون الرخاء المشترك هو إعادة طرح فكرة قديمة، وتغليفها بشكل جديد ليس إلّا. فرغم أنّه سيمثّل نقلة نوعية في سعي الصين لتحقيق نمو أكثر إنصافاً في المستقبل، لكنّ الطريقة التي تساعد بها الشركات الخاصة في تحقيق بكين لأهدافها السياسية، ليست بالأمر الجديد.
«علي بابا» مضت في هذا الدرب من قبل عندما دعمت الهدف السياسي المتمثل في تخفيف حدّة الفقر من خلال شعار «المسؤولية الاجتماعية للشركة». تزامنت هذه الجهود الإحسانية بدقّة مع خطط «علي بابا» لإدخال شبكة التجارة الإلكترونية الخاصة بها بشكل أعمق في المناطق الريفية الصينية الشاسعة، وذلك بعد تباطؤ النمو في المناطق المدينية.
منذ 2014 عندما أعلنت «علي بابا» عن استراتيجيتها لتطوير الريف، ازداد عدد البلدات والقرى في Taobao – والذي يعمل كمركز خدمات تجارية إلكترونية– بشكل كبير جاوز الـ 30 ضعفاً في عام 2020. بلغ إجمالي حجم التجارة من هذه المراكز ترليون يوان «156 مليار دولار» العام الماضي فقط.
خلال هذه العملية، توسعت أيضاً خدمات علي بابا المالية، والرعاية الصحية عن بعد، وخدمات السفر، والتعليم الإلكتروني، لتصل إلى المستخدمين الريفيين الذين كانوا خاماً لإدخالهم كمستهلكين في السوق.
لم تخجل لا «علي بابا» ولا تينسنت من القول بأنّ أنشطتهما لدعم الرخاء المشترك يجب أن تنفع وتخدم قدراتهما التكنولوجيّة الحالية.

الطريق الأقصر ربّما

في نهاية المطاف، هذه الطريقة ستكون هي الأكثر فاعلية وكفاءة لتحقيق بكين لهدفها المنشود. من حيث هو التطبيق الأكثر كفاءة من WeChat المملوك لشركة تينسنت القادر على إيصال الرعاية الصحية عن بعد، والتعليم الإلكتروني، والبثّ المباشر، والمدفوعات، وأيّة خدمات رقمية يمكن تخيّلها ووصولها، إلى كلّ ركن من الصين؟
النتيجة لذلك، هي اندماج تطبيقات عمالقة التكنولوجيا هذه بشكل أعمق في الحياة الصينية. يدور جزء كبير من حملة الرخاء المشترك حول تعزيز خدمات الرفاه، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ورعاية كبار السن والضمان الاجتماعي، كما يتضح من أوّل برنامج تجريبي مفصّل كشفت عنه مقاطعة تشجيانغ.
من المتوقع أن تقوم «علي بابا» – التي يقع مقرها الرئيسي في مقاطعة تشجيانغ– بمدّ مخالبها أعمق في البنية التكنولوجية الجوهرية، من أجل تمكين المواطنين العاديين من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الرئيسية. هذا سيعزز الموقع المهيمن الموجود بالفعل لعمالقة التكنولوجيا الصينية على السوق الصينية.
وبالمثل، فخطط تينسنت المعلنة ضمن شعار الرخاء المشترك، بما في ذلك إنعاش الاقتصاد الريفي، وتحسين الخدمات الطبية خارج المدن الكبرى، وتوفير خدمات تعليمية متوازنة، ستزيد أيضاً من ربط قاعدة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة، بالتطبيقات التي ستمسي الحياة بدونها غير ممكنة.
لكنّ هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز سيطرة الدولة الصينية على شركتي «علي بابا» و «تينسنت»، وذلك بحكم أهميتهما للبنية التحتية الحيوية للمعلومات في الصين، حيث ستصبحان أهمّ شركتين في البلاد.
بموجب قانون الأمن السيبراني الصيني، الشركات التي يشملها تعريف كونها مشتركة في قطاعات، مثل: الخدمة العامة، تصبح جزءاً من البنية التحتية المعلوماتية الحيوية التي تخضع لمتطلبات أمن بيانات أكثر صرامة، ومستوى أعلى من الرقابة الحكومية. سترغب بكين بلا شك في ممارسة سيطرة أكبر على هذه المنصات.
في النهاية، ستصبح الخطوط الفاصلة بين الأعمال والإحسان غير واضحة، ومعها أيضاً الخطوط الفاصلة بين الشركات والحكومة.
قد يكون هذا إمّا منحدراً زلقاً يؤدي لاحتمالات غير مؤكدة بالنسبة للدولة الصينية، أو فترة تؤدي فيها هذه الشركات دورها في تطوير البنية التحتية المعلوماتية الصينية «مع تحقيقها لأرباح هائلة جرّاء ذلك»، لتترك بعدها الساحة بتحولها إلى شكل آخر، قد يكون جزءاً ممّا يسمّى بالأدبيات التقليدية: تأميم، عبر سيطرة الدولة على إدارتها.

*نينا جيانغ: مؤسسة منصّة FutureLogic الإعلامية التي تهدف للربط بين الابتكارات الآسيوية والعالمية، ومؤلفة كتاب «حرب التكنولوجيا الأمريكية- الصينية: ما يكشفه تاريخ التكنولوجيا الصينية عن التنافس التكنولوجي المستقبلي».

بتصرّف عن: ‘Common prosperity’ push will further entrench Alibaba and Tencent

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الأربعاء, 10 تشرين2/نوفمبر 2021 11:37