الزراعة السورية رهينة الطقس: هل ستتكرر المواسم الكارثية؟
لا يزال يمثّل القطاع الزراعي عصباً أساسياً في الاقتصاد السوري، وقطاعاً رئيسياً ترتبط به معيشة الشريحة الأوسع من سكان البلاد وبشكلٍ خاص في مناطق الريف، حيث يعتمد ما لا يقل عن 45% من السكان السوريين على الزراعة في معيشتهم، والتي تعتمد بدورها على الأمطار وهطولها بشكلٍ كبير يجعل واحدة من أهم مقومات حياة السوريين رهناً للتقلبات المناخية.
أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) ورقة بحثية قدّمت تحليلاً للاتجاهات الزمنية لتساقط الأمطار في سورية من عام 1980 إلى عام 2021، وكذلك لهطول الأمطار خلال الموسم الزراعي الحالي 2020/2021 حسب المحافظة، والآثار المترتبة على الإنتاج الزراعي.
كما قدّمت الورقة توصيات ومقترحات لمعالجة تأثير عدم انتظام هطول الأمطار وندرة المياه بهدف بناء نظم إنتاج غذائي أكثر فعالية قادرة على التكيف مع الصدمات الناجمة عن المناخ، وكذلك منع معظم المزارعين المتضررين من الأزمات من الانزلاق إلى انعدام الأمن الغذائي. لا سيما أن تأثير ضعف محصول الموسم الزراعي 2020/2021 على الأسر السورية يتفاقم بفعل العقوبات الاقتصادية على سورية، وانخفاض قيمة الليرة، والفقر، والعوامل الناجمة عن المناخ... إلخ، حيث لن تؤثر عواقب التوزيع الزمني غير المتكافئ لهطول الأمطار بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة في موسم المحاصيل الحالي فحسب، بل قد يمتد ظهور هذه الآثار من سنة إلى سنتين مقبلتين.
نظرة على واقع الزراعة
كما ذكرنا آنفاً، يعتمد قرابة 45% من السكان على الزراعة. ورغم أن حوالي 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية كانت مروية قبل الأزمة (أي قرابة 30% من إجمالي الأراضي المزروعة)، فإن غالبية زراعة الحبوب السورية هي زراعة بعلية (أي تعتمد على الأمطار)، وبالتالي، فإنها حسّاسة للخضات الجوية وتقلبات المناخ. وبشكلٍ أكثر تحديداً، تنبغي الإشارة إلى أن 60% من الأراضي المزروعة بالقمح و90% على الأقل من الأراضي المزروعة بالشعير هي زراعات بعلية.
واتسم الموسم الزراعي 2020/2021 بتأخّر تساقط الأمطار لمدة شهرين على الأقل في جميع أنحاء البلاد، حيث انخفض تساقط الأمطار قبل تشرين الثاني 2020. وفوق ذلك، لم تتساقط الأمطار على العديد من المناطق بعد آذار 2021، ما يعني أننا شهدنا بداية مبكرة جداً لموسم الجفاف، الذي كان يبدأ في العادة في نهاية شهر حزيران (حسب تقديرات الفاو). ورافق ذلك ارتفاع في درجات الحرارة التي كانت أعلى من المتوسط في معظم المحافظات، ولا سيما في نيسان 2021، ما تسبب في إجهاد حراري على المحاصيل، وأثّر على تعبئة الحبوب (حسب وزارة الزراعة). بالإضافة إلى ذلك، تسبب ارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية (مثل الوقود اللازم لتأمين عملية الري) بآثار كبيرة على الإنتاج، وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن لدى المزارعين القدرة على استخدام المدخلات بكفاءة (وخاصة الأسمدة ومبيدات الأعشاب).
ويتمثل تغير المناخ في سورية في الأجل القريب بتواتر واشتداد الظواهر الجوية القاسية وتغير درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار، لكن فوق ذلك، فإن استقراء البيانات والمؤشرات المناخية يشير إلى احتمال أن تتعرض المناطق الأكثر جفافاً في البلاد للجفاف مرة كل ثلاث سنوات على المدى الطويل.
تأثير كارثي على الحبوب
خلص تحليل الفاو لبيانات هطول الأمطار التي تغطي المواسم الزراعية الأربعين الماضية إلى أن أشد حالات الجفاف وأوسعها انتشاراً حدثت خلال المواسم الزراعية 1998/1999 و1999/2000 و2007/2008 و2008/2009، كما سلط الضوء على أن الجفاف لا يقتصر على موسم واحد، بل يمكن أن يمتد إلى موسمين أو ثلاثة مواسم متتالية.
وأوضح التحليل أن الموسم الزراعي 2020/2021 لم يكن واحداً من أكثر السنوات جفافاً، لكن تظهر البيانات أن هنالك تأخر كبير في بدء هطول الأمطار، حيث سقطت الأمطار الأولى في تشرين الثاني 2020، بينما توقفت في نيسان 2021، ما أثر بشكل كبير على مرحلة تعبئة الحبوب.
ورغم أن كمية هطول الأمطار خلال موسم 2020/2021 كانت مقبولة إلى جيدة في معظم المحافظات، لكن توزيع هذا الهطول زمنياً لم يسمح بإنتاج الحبوب في العديد من المحافظات الرئيسية المنتجة للحبوب، ولا سيما في الحسكة ودير الزور. وكان لهذا التوقيت غير المنتظم في هطول الأمطار آثاراً كارثية على الإنتاج. لهذا، من المرجح أن يكون إنتاج موسم المحاصيل الحالي، ولا سيما في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، قريباً من أدنى مستوياته التاريخية التي شهدها موسم 2007/2008.
توصيات الفاو
تضمّنت ورقة الفاو العديد من التوصيات، منها أن فشل محصول 2020/2021 لن يؤثر فقط على توافر الحبوب، ولكن من المتوقع أيضاً أن يكون له تأثير آخر على توافر البذور، وخاصة القمح والشعير، للموسم المقبل، ما يلزم اتخاذ إجراءات عاجلة لتأمين إمدادات من البذور ذات النوعية الجيدة للمزارعين الأكثر ضعفاً، كما أن هنالك حاجة إلى زيادة الإنفاق على دعم إعادة تأهيل أنظمة الري، وربط الأراضي الزراعية بالنظم الفعالة لتوصيل المياه إلى المحاصيل، كما ينبغي النظر في استخدام المياه غير التقليدية (أي المياه المعالجة) في الري، وأن تطبق تقنيات الري الفعالة عندما وحيثما تكون هنالك حاجة إليها ما يسمح بالحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الاستثمار في الري متوجهاً ليستهدف المزارع، فضلاً عن ضرورة تنفيذ تقنيات الزراعة المحافظة على الموارد متى كان ذلك ممكناً للمساهمة في تنمية القطاع الزراعي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1042