الأَمْوَلة داء عضال يقتل صناعة أشباه الموصلات الأمريكية
دعمت رابطة صناعة أشباه الموصلات الأمريكية «SIA» قانون «خلق مبادرة نافعة لإنتاج أشباه الموصلات CHIPS» المتضمن في القانون الذي أقرّه الكونغرس في حزيران/ يونيو 2020. وصفت الرابطة القانون بأنّه تشريع عابر للحزبين سيستثمر مليارات الدولارات في تحفيز صناعة أشباه الموصلات والأبحاث حولها على مدى الـ 5 إلى 10 أعوام قادمة، وذلك بهدف الحفاظ على ريادة الأمريكيين في تكنولوجيا الرقاقات، الأمر الجوهري في اقتصاد البلاد وأمنها القومي.
ترجمة: قاسيون
ثمّ في حزيران/ يونيو وافق الكونغرس على منح تحفيز بقيمة 52 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات الأمريكية على مدى العقد القادم. لكنّ أعضاء رابطة SIA وهم شركات إنتل، وIBM، وكوالكوم، وتكساس إنسترومنتس، وبرودكوم، أنفقوا ما بين 2011 و2020 مبلغاً يفوق 249 مليار دولار على عمليات إعادة شراء الأسهم، ما يعني خمسة أضعاف الدعم الحكومي الذي سعت إليه رابطة SIA.
علاوة على ذلك تمّ في أيّار/ مايو 2021 تشكيل «تحالف أمريكا لأشباه الموصلات SIAC»، للضغط على الكونغرس لتمرير قوانين دعم تحفيز القطاع. من بين أعضاء التحالف شركة آبّل، ومايكروسوفت، وسيسكو، وغوغل. أنفقت هذه الشركات الأربع بين عامي 2011 و2020 مبلغ 633 مليار دولار على إعادة شراء الأسهم، أي 12 ضعف مبلغ الدعم الحكومي. فهل حقاً تحتاج هذه الشركات لمبلغ 52 مليار دولار دعم حكومي من أموال دافعي الضرائب كي يحفزهم للاستثمار في تطوير أشباه الموصلات؟
إعادة شراء الأسهم
الهدف الرئيسي من المليارات التي تنفقها الشركات على إعادة شراء الأسهم هو رفع أسعار أسهمها عبر زيادة الطلب عليها. وكنتيجة لإعادة شراء الأسهم، ترتفع أسعار الأسهم في حالة:
1) إن قام متداولو الأسهم– كما هي الحال عادة– بالمزايدة على السعر عندما تعلن الشركة عن برنامج إعادة شراء، ما يمنح المدير التنفيذي والمدير المالي السلطة– لكن ليسوا ملزمين– لإجراء عمليات إعادة شراء الأسهم في السوق المفتوحة بقيمة محددة خلال فترة زمنية محددة.
2) عندما يؤدي التنفيذ الفعلي لعمليات إعادة الشراء، بناءً على توجيه من المدير المالي لسمسار الشركة، في يوم أو عدّة أيام، إلى زيادة الطلب السوقي على أسهم الشركة.
3) عندما تتزامن زيادة أرباح الشركة مقاسة بالسهم «EPS»، مع نشر التقرير المالي الربعي للشركة، تزداد أسعار الأسهم، لأنّ تقليص عدد الأسهم المستحقة يؤدي إلى تحفيز المتداولين لرفع أسعار أسهم الشركة بشكل أكبر.
آبّل كنموذج
ما بين تشرين الأول/ أكتوبر 2012 وحزيران/ يونيو 2021، أنفقت شركة آبّل مبلغ 444 مليار دولار على عمليات إعادة شراء الأسهم، أي ما يساوي 87% من دخلها الصافي. بالإضافة لإنفاق 114 مليار دولار أخرى لتوزيع أرباحها، ما يساوي 22% من دخلها الصافي. مع جزء من هذه الأموال التي تمّ تضييعها على إعادة شراء الأسهم، كان بإمكان آبّل أن تستثمر مباشرة في تطوير رقاقاتها الخاصة على الأرض الأمريكية.
لكن منذ 2011، جنت آبّل أرباحاً إضافية من تصدير صناعاتها إلى الخارج- إلى شركة هون- هاي التايوانية، ما مكّن فرع الشركة التايوانية في الصين Foxconn من أن تكون رائدة العالم. في تلك الفترة نقلت آبّل عقدها لسبك الرقاقات من سامسونغ الكورية إلى TSMC التايوانية.
العام الماضي، أجبرت إدارة ترامب– كجزء من الحرب التجارية مع الصين– شركة TSMC على التوقف عن سبك الرقاقات لصالح شركة هواوي الصينية، وهي التي احتلت مركز أكبر شركة هواتف محمولة في العالم في العام الذي سبق ذلك، متفوقة على سامسونغ وآبّل. في 2019 كانت شركة هواوي تشكّل 24% من أرباح شركة TSMC التايوانية، و15% من أرباح شركة Hi-Silicon المختصة بسبك الرقاقات والمملوكة بشكل كلي لشركة هواوي أيضاً. الأمر الذي عنى حرمان TSMC من جزء هام من أرباحها.
ساهمت شركة آبّل مع الحكومة الأمريكية في إجبار TSMC على وقف التعامل مع هواوي، وكذلك على فتح شركة فرعية في أريزونا الأمريكية. وقد خططت شركة TSMC لإنفاق 100 مليار دولار في الأعوام الثلاثة القادمة لتعزيز سبك الرقاقات، ومن ضمنها 12 ملياراً لمنشأة رقاقات 5 نانومتر في أريزونا، تُدفع على ثلاثة أعوام. لكنّ هذا الرقم يبدو ضئيلاً جداً بالمقارنة مع ما أنفقته آبّل على إعادة شراء الأسهم خلال ثلاثة أعوام: 73 مليار في 2018، و69 مليار في 2019، و72 مليار في 2020، و66 مليار دولار في الأشهر التسعة من 2021. كانت هذه الأرقام لتكفل بناء منشأة سبك خارقة في الولايات المتحدة.
إضعاف السلاح
السلاح الرئيسي الذي استخدمه الأمريكيون لإجبار الشركة التايوانية على التوقّف عن التعامل شديد الربح مع هواوي، كان التهديد بأنّ شركات معدات أشباه الموصلات الأمريكية الرائدة، وتحديداً شركات «Applied Materials» و«Lam Research» و«KLA»، ستمنع مبيعاتها ومنتجاتها الهامة عن الشركة التايوانية. تحتلّ شركات المعدات الثلاث هذه اليوم المرتبة الأولى والثالثة والخامسة على التوالي في صناعة معدات أشباه الموصلات. وقد نمت هذه الشركات بشكل هائل منذ التسعينات بدعم من Sematech، وهو ائتلاف جمع 14 شركة أشباه موصلات أمريكية تلقت بين عامي 1989 و1996 دعماً من الحكومة الأمريكية بمبلغ 500 مليون دولار من أجلّ الاستمرار في التنافس مع قطّاع صناعة الآلات اليابانية.
حققت هذه الشركات الثلاث ريادة هائلة في التسعينات وحتّى عام 2000، لكنّها انطلاقاً من مطلع القرن، التقطت داء الأمولة الأمريكي. أنفقت الشركات الثلاث ما بين عامي 2011 و2020 مبلغ 30 مليار دولار على إعادة شراء الأسهم، أي ما يعادل 76% من أرباحها، ووزعت 35% كأرباح على المساهمين. وتشير الأبحاث بأنّ هذه الشركات في حال استمرارها في التركيز على استخدام أرباحها لدعم أسعار أسهمها، فمن المرجح أن يتولى موردوها- الموجودون بغالبيتهم خارج الولايات المتحدة- ريادة الابتكار في قطاع معدات أشباه الموصلات.
ما الذي سيحدث للقدرات التكنولوجيّة الأمريكية في حينه؟
تزويد صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة بمبلغ 52 مليار كدعم، لم يترافق مع قيام الكونغرس بالطلب من الشركات المستفيدة أن تتوقف عن إعادة شراء أسهمها في السوق المفتوحة على مدى السنوات القادمة. إدارة بايدن لم تذكر الموضوع، مع أنّ بايدن كتب- قبل خمسة أعوام عندما كان نائباً لأوباما- مقال رأي نُشر في صحيفة وول ستريت جورنال، كان فيه ناقداً بشكل كبير لعمليات إعادة شراء الأسهم. حيث اعتبر عندها أنّ على الحكومة أن تعيد النظر في القوانين الضريبية التي تعزز إعادة شراء الأسهم وتثبط الاستثمارات طويلة الأمد.
بتصرّف عن: Does America Want a CHIPS for Buybacks Act?
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041