سوق لندن ونيويورك للذهب العالمي قد تفقد دورها قريباً!

سوق لندن ونيويورك للذهب العالمي قد تفقد دورها قريباً!

حسم الدولار نصره على الذهب كنقد عالمي في السبعينات، وبقي مالكو المال المطبوع في الولايات المتحدة ينظمون عملية ضغط على أسعار الذهب العالمي لينخفض ويبقى الدولار أكثر لمعاناً... اليوم يبدو أن بعض قواعد التحكم الغربي بسعر الدولار تتصدع، ما قد يحدث نقلة كبيرة في سعر الذهب صعوداً والدولار هبوطاً، وقد لا يستطيع أمراء المال تغيير هذه المعادلة!

في عام 1976 وفيما يسمّى مؤتمر جامايكا النقدي والمالي العالمي، تمّ الإقرار الدولي بالأمر الواقع الذي فرضته الولايات المتحدة لعدم تغطية الدولار بالذهب والفصل بينهما، ليصبح الدولار ورقياً فقط بموافقة العالم. وحُكم على الذهب بالخروج من عالم المال، وبدأت عمليات لضمان بقاء سعره منخفضاً بناء على قاعدة: (سعر ذهب أخفض دولار أقوى، والعكس بالعكس).

آليات تخفيض سعر الذهب منذ أربعة عقود

لأربعة عقود عمل مالكو الدولار- وهم المساهمون الأساسيون في الفيدرالي الأمريكي- لتخفيض سعر الذهب. عبر التدخلات الرسمية في سوق الذهب العالمي، وعبر تأسيس احتكار للذهب مركزه مدينتي نيويورك ولندن، ويشمل: بنك نيويورك الفيدرالي، وبنك بريطانيا، ومجموعة من بنوك وول ستريت، وبنوك مدينة لندن.
أبرز معالم التدخلات الرسمية كان تشكيل ما يسمّى اتفاقية واشنطن للذهب في مطلع الألفية، بمساهمة حوالي 24 حكومة غربية، وقد ألزمت الاتفاقية السلطات بعمليات بيع دورية للذهب من الاحتياطيات الرسمية. في العقد الأول من الاتفاقية التزمت مجموعة من البنوك المركزية الغربية ببيع أجزاء من احتياطياتها: سويسرا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وغيرها وساهم هذا بتخفيض سعر الذهب. ولكن، رغم تمديد الاتفاقية لعقد آخر في عام 2010 إلّا أن أحداً لم يلتزم بالاستمرار بالبيع، وفي مطلع العقد الثالث عام 2020 لم يتم تجديد الاتفاقية حتى.
بالموازاة مع هذا، جرى تخفيض سعر الذهب عبر آليات السوق المالية. فعملياً تتم عمليات بيع وشراء الذهب افتراضياً في الأسواق المالية، عبر العقود المالية في كل من بورصتي الذهب في لندن الأكبر عالمياً، ونيويورك الثانية عالمياً. وفي هذه العمليات التي بنسبة 90-99% من الحالات لا يتم تحريك أي ذهب فعلي فيها، يتم زيادة عرض الذهب وتقليص الطلب عليه بشكل مضاربي. حيث يدور سنوياً في منصة تداول الذهب في لندن أكثر من 5 تريليونات دولار تقريباً، وهي جميعها عمليات تداول للدولار، أو ما يسمى الذهب الورقي، وليس للذهب فعلياً.

بازل 3: البنوك ستخفض المتاجرة بالذهب الورقي

البنوك التجارية الدولية وفي نيويورك تحديداً، هي المساهم الأساسي في عمليات تداول الذهب الورقي. والبنوك التي تمتلك احتياطيات ذهبية فعلية، تتاجر بالذهب الورقي بأضعاف مضاعفة من قيمة الذهب الموجود لديها. وبكافة الأحوال فإن هذا يعتبر واحداً من عوامل الخلل في منظومة البنوك التجارية الدولية التي جرى ويجري نقاش مؤسساتي واسع حول ضبطها، لتتوقف عملية الإقراض والمتاجرة التي تصل إلى مئات أضعاف القدرة الفعلية للبنوك، أي: ما تملكه من ذهب، أو رأس مال وأرصدة فعلية من زبائنها! الأمر الذي يشكل خطراً على المنظومة ككل مع احتمالات انهيارات في البنوك نتيجة شدّة هشاشة وضعها المالي.
إنّ هذا الخطر هو ما يعمل عليه بنك التسويات الدولية، المؤسسة الغربية التي تجمع وتنظم البنوك المركزية في الغرب والمعنية بالسياسات النقدية والمالية، حيث تم إصدار ما يسمى معايير بازل 1، واستبدلت بـ بازل 2 لضبط حسابات البنوك وإلزامها، ولكن مع هذا انفجرت أزمة 2008-2009 وتبين أنها تحتاج إلى ضبط أعلى.
ويبدو أن المرحلة القادمة من معايير بازل أصبحت قريبة، رغم الضغط من جهات مالية دولية لا تريد أية معايير! في آذار من عام 2019 تمّ تداول أخبار حول المعايير الجديدة، التي يبدو أنها ستؤدي إلى تقليص سوق الذهب الافتراضية... ولكنّ ضغوطاً أدت إلى تأجيل الإعلان، وهي ناجمة عن مساعي من يريدون الحفاظ على الدولار لأبعد وقت.
ولكن، في 2021 أعاد بنك التسويات الدولية الإعلان عن جهوده لإطلاق معايير بازل 3، واعتباراً من 28- حزيران القادم ستبدأ بنوك الاتحاد الأوروبي بعمليات تحوّل لتتكيف مع المعايير الجديدة، بينما البنوك البريطانية ستبدأ في مطلع العام القادم 2022. كما تم الإعلان بأنه حتى مطلع عام 2023 ستكون المعايير الجديدة مطبّقة بالكامل على كل الدول المرتبطة ببنك التسويات.
ستؤثر هذه المعايير على سوق الذهب العالمي إلى حد بعيد، ولكن هذه المرّة سترفع سعر الذهب وتزيد من الطلب عليه. إذ ستلزم المعايير البنوك بأن تكون متاجراتها بالذهب الورقي مغطاة بنسبة 85% إمّا بالذهب المعدني الفعلي، أو برأس مال بقيمته في السوق. وهي التزامات مالية أو ذهبية إضافية على البنوك تعادل تريليونات الدولارات سنوياً.

من سيخسر ومن سيستفيد؟

أما ما وقع هذا الأمر؟! فيكفي الإشارة إلى أن مجلس الذهب العالمي، وجمعية سوق السبائك في لندن أرسلا للسلطات البريطانية اعتراضاً على قوانين بازل الجديدة باعتبارها ستؤدي إلى: تصفية سوق لندن المالية للذهب الورقي، ذات التداولات بقيمة 5 تريليونات دولار سنوياً! والأمر طبعاً لا ينطبق على الذهب فقط، بل أيضاً على السوق المالية لتداول الفضة والأحجار الثمينة الأخرى.
أحد أثرياء سوق الذهب العالمي الملياردير هوغو ساليناس برايس في 31-5- 2021، علّق على التغييرات التي يجريها بنك التسويات في سوق الذهب العالمي، قائلاً بإنها ستؤدي إلى انتهاء قدرة البنوك الكبرى في لندن ونيويورك على التحكم وتخفيض سعر الذهب العالمي عبر الذهب الافتراضي أو الورقي. وستؤدي عملياً إلى أن تحوّل في التسعير ليصبح مرتبطاً بالمنتجين الكبار أصحاب أكبر المناجم والإنتاج السنوي، وهما: الصين (382,2 طن) وروسيا (329,5 طن) سيمتلكون اليد الأعلى في تحديد السعر.
إن امتلاك القدرة على تسعير الذهب، يأتي في الأهمية قريباً من امتلاك القدرة على تسعير النفط... وتراجع دور المنظومة الغربية في تسعير الذهب عبر الأسواق المالية، سيعني جولة أخرى في البناء التدريجي (لنعش الدولار). وتحديداً لأننا نتكلم عن أحد البدائل الأقرب بالنقد العالمي.

*عن مقال فالنتاين كاتاسانوف: في 28 حزيران- بنك التسويات الدولية يخضع لروسيا والصين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1021