ماذا يريد الذين يتجاهلون أزمة الغذاء والطاقة؟!

ماذا يريد الذين يتجاهلون أزمة الغذاء والطاقة؟!

أدت موجات التدهور في قيمة الليرة والعمليات الإنتاجية داخل البلاد إلى رفع تكاليف معيشة أسرة بنسبة تقارب 100% بين العام الماضي وهذا العام... فالأسرة التي كانت تحتاج 360 ألف ليرة تقريباً في مثل هذا الوقت من العام الماضي أصبحت تحتاج إلى 660 ألف ليرة حالياً، ومع تقشف أكبر.

أسعار الغذاء قادت هذا الارتفاع، والأساسيات من الغذاء والمشروبات التي كانت تكلف الأسرة 137 ألف ليرة في أيلول الماضي أصبحت تكلفتها اليوم: 311 ألف ليرة!
ارتفعت الغذائيات المستوردة بنسب قياسية: الرز والسكر والزيوت، وارتفعت بمقدار أعلى اللحوم الحمراء والفروج والبيض ومنتجات الألبان والأجبان، وارتفاع لا يقل كثيراً في أسعار الخضار والفواكه وزيت الزيتون التي تتمتع بفوائض إنتاج محلية.
وحملت هذه التغييرات الجنونية في أسعار الغذائيات دلالات ليس فقط على ارتهان الغذاء للاستيراد والدولار، بل على تدهور في منظومات الإنتاج الغذائي المحلي. وقادت معها عدد من هم تحت خطر الجوع في سورية ليفوقوا 9 ملايين!
لم يُتخذ أي إجراء على مستوى هذا التدهور، بل لم يتخذ أي إجراء إلا ويعزز هذا التدهور، وآخره المهزلة المسماة (تنظيم توزيع الخبز) والتي يريدون أن يغلفوا بها تقنين كميات الخبز المدعوم، والتي نتج عنها إذلال واسع جديد للسوريين، وأصبحت صورهم على طوابير انتظار الخبز واحدة من مشاهد البؤس العالمي.

الغذائيات ليست المشكلة الوحيدة، ورغم أنها عنوان هذا العام الصعب حتى الآن، ولكن يبدو أن الطاقة ستختم بأزماتها عام 2020 بتعقيدات أكبر. فبعد أزمة البنزين، تتجلى أزمة غاز في الأفق، وأصبح التوزيع الفعلي كل 50 يوم على الأقل بينما المفترض كل 23 يوم... أما المازوت فتم الإعلان عن الكميات لكل أسرة والتسجيل، ولكن لم يتم توزيع أية كمية من مازوت التدفئة حتى الآن.

فالنفط الخام والمشتقات التي كان يتم استيرادها بحراً عبر الوسطاء، أو التي كانت تعبر من حقول شرق البلاد باتفاقات وأيضاً عبر الوسطاء... قد شهدت اختناقات مع توسع العقوبات وتشددها، وتراجع قدرات المال العام على الصرف على أرباح هؤلاء المتخمين بالفساد.
العقوبات كانت متوقعة ومرتقبة، ولكن أيضاً لم تكن هنالك أية إجراءات استثنائية... أية مساعٍ أو مبادرات معلنة للبحث عن مخارج تُنظم عملية تدفق الأساسيات! وبكل برود كانوا يطلبون من الشعب السوري الصمود وتحمّل العواقب.
ما الذي يعنيه تجاهل الجوع ونقص الطاقة، في بلد مثقل بالعقوبات والركود والفقر، وهو دائماً على حافة العنف... أي مستوى من التدهور المعيشي وأية نتائج اجتماعية؟

حالة العجز الشاملة عن ضمان الأساسيات هي ظاهرة سياسية وليست اقتصادية، مثلما هو الجوع العام أمر سياسي، وكذلك نقص الطاقة وتعطل الإنتاج.. إضافة إلى أن تثبيت الأجور عند حدودها الدنيا الحالية هو أيضاً أمر سياسي، وهو ترك الناس لمصيرهم.
الموارد موجودة، نستطيع أن نتعقبها في القصور والمواكب والأعراس الأسطورية، بل أكثر من ذلك في شحنات الكبتاغون... نستطيع أن نراها فيما سمّي المعركة على الفساد، التي كشفت أنّه يمكن إدانة جميع وجوه الأعمال البارزة بتهم من التهرب الضريبي، إلى تهريب المواد على الأقل... إدانة لم يعقبها أي أثر سياسي اقتصادي سوى ارتفاع الطلب على الدولار وتدهور الليرة، ولم تعقبها أية زيادة في قدرة المال العام على تلبية الحاجات. حملة خلبية على الفساد وضّحت ما نعرفه جميعاً بأن وجوه المال الكبرى يمكن إدانتها ببساطة، ووضع اليد على أموالها، ولكن لا يمكن تحويل هذه الأموال إلى خدمة البلاد وشعبها، إلا إذا كان السوريون هم من يأخذون قراراً كهذا!

إن من يتجاهلون أزمات الغذاء والطاقة ولا يملكون الإرادة لتعبئة الموارد لحلها حلولاً استثنائية، كما فعلت تاريخياً العديد من الدول التي وقعت تحت العقوبات... هؤلاء يدفعون البلاد إلى المصير الذي تريده القوى التي تفرض حصارها على السوريين، ويساهمون مساهمة فعالة في استحضار العنف والفوضى من جديد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
986
آخر تعديل على الإثنين, 05 تشرين1/أكتوير 2020 18:23