ماركس لم يغبْ أبداً ميل معدل الربح للانخفاض والركود المستمر من الستينات
ليلى نصر ليلى نصر

ماركس لم يغبْ أبداً ميل معدل الربح للانخفاض والركود المستمر من الستينات

تعكس جميع قوانين حركة وتطور الرأسمالية وجهاً من وجوه التناقضات العميقة لهذه المنظومة... تلك التناقضات التي تدفع نحو انسداد أفقها والانتقال إلى الإطار التاريخي الجديد لشكل عملية الإنتاج الاجتماعي وغاياتها، أي: إلى منظومة بديلة...

كن من بين هذه القوانين، فإن قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض كان الأكثر إشكالية، والأقل قدرة على الإثبات، وهو عملياً واحد من القوانين الحاسمة، لأنه يعبر عن تناقض مع القانون الأساس للإنتاج الرأسمالي، وهو (السعي نحو الربح الأقصى).
ولكن مع تطور البيانات الإحصائية على المستوى الدولي، فإن الباحثين الماركسيين أصبحوا يجدون الأدوات لقياس اتجاه الربح على المستوى العالمي، والذي يعتمد مجموعة من آليات القياس والمقاربة، نظراً لصعوبة الوصول إلى قياس دقيق للمعدل على مستوى العالم.
ولكن هذه المقاربات المتطورة تباعاً لمجموعة من الدول الأساسية والأكثر تأثيراً، تثبت أن معدل الربح يتحرك صعوداً وهبوطاً، ولكن ضمن اتجاه محدد هو الانخفاض، حيث يتراجع معدل الربح في الإنتاج الرأسمالي طوال مرحلة تطورها... وذلك مع تعقّد البنية العضوية لرأس المال، أي زيادة رأس المال الثابت (C) (من مواد وآلات ومعدات وتكنولوجيا) بالقياس إلى رأس المال المتغير (V) (العمل البشري).

العلاقة بين معدل الاستغلال وتطور البنية التكنولوجية

ينتج تراجع معدل الربح عندما تكون الزيادة في كثافة التطويرات التكنولوجية بالقياس إلى العمال، أكبر من الزيادة في معدل الاستغلال، وهو القيمة المضافة التي يحوزها صاحب رأس المال مقابل القيم التي يحوزها عماله.
لذلك فإن هذا المعدل على المستوى العالمي يرتبط بمستوى التطور التكنولوجي، وتقدم العلوم وحجم توظيفها، ومستوى تطور المواضع التي يوظّف فيها رأس المال إمكاناته، ويرتبط أيضاً بمستوى مقاومة المجتمعات للاستغلال، والأوضاع السياسية والمستوى النضالي للطبقة العاملة الذي يؤثر على معدل الاستغلال.
وكلما تعممت التكنولوجيا وارتفعت المستويات التقنية للعملية الإنتاجية، وكلما ازدادت قدرة المجتمعات على مواجهة الاستغلال، وفرض قوانين عمل ومستويات أجور أعلى، فإن معدل الربح ينخفض، ليعكس تحوّل فائض العملية الإنتاجية إلى تطوير القاعدة الإنتاجية وتقليص الاستغلال.
نستعرض هنا بعضاً من البيانات النهائية لحساب معدل الربح على المستوى العالمي، المنشورة في مدونة الاقتصادي الماركسي مايكل روبرت التي تشمل دراساته ودراسات آخرين للمعدل.

المعدل المعتمد هنا لأجل زمني طويل، هو لـ 14 دولة عالمياً، ويعتمد مقاربة لقياس المعدل على أساس الناتج. وهو يظهر أن الإنتاج الرأسمالي الذي كان في نهايات القرن التاسع عشر يعمل عند معدل ربح يفوق 40%، أصبح يعمل عند مستوى أقل من 20% في عام 2007.
وقد دخل مرحلة ركود طويل امتدت ثلاثين عاماً، من 1869 وحتى 1899. والملفت أنه لم يستطع أن يخرج من هذا الركود، ويشهد أعلى مراحل استعادة عافيته إلا عبر الحربين، وتحديداً في الحرب العالمية الأولى ولكنه عاد ليتدهور سريعاً ما انعكس في أزمة الكساد الكبير في 1929، ليعود المعدل ويرتفع من قرابة 23% وصولاً إلى 35% في نهاية الحرب.
ويبين الخط الزمني الطويل، أن المنظومة شهدت آخر حالات تعافٍ وارتفاع معدل الربح بعد الحرب العالمية الثانية، حيث غذّى الدمار

 

سبعون عاماً من تراجع الربح

بمقاربة تفصيلية لاتجاه معدل الربح لمجموعة الدول التي أصبحت تشكل مجموعة العشرين الأكبر عالمياً، فإن الاتجاه العام لمعدل الربح ينخفض بشكل سريع، وقد مرّ بمراحل. أوّلها: التعافي في (المرحلة الذهبية) التي استمرت حتى منتصف الستينات مع وصول معدل الربح إلى ذروة 11% تقريباً، ثم بدأ ينخفض بشكل حاد في أزمة الربحية التي عمّت السبعينات وامتدت حتى عام 1980 عندما انخفض معدل الربح إلى أقل من 7,5%.
ثم سمحت المرحلة النيوليبرالية وهيمنة القطاع المالي العالمي، وما ارتبط بها من تراجع الحركة العمالية، وتراجع الضمانات والخدمات للعمال في المركز وعبر العالم، واشتداد حالة انتقال رؤوس الأموال إلى الأطراف، مع معدلات ربح أعلى ومعدل استغلال أعلى للعمالة الرخيصة، وقد استطاعت هذه السياسة أن ترفع معدل الربح إلى 9% في عام 1995، ليعود بعدها للهبوط مع طفرة تعافي الألفية، ومع تطور قطاع الاتصالات والمعلومات، ليعود للهبوط في أزمة عام 2007 ويتعافى بعدها ويعود للهبوط الحالي الذي لا ترصده البيانات.

المنظومة قد لا تحصل على حربها الجديدة!

لم تستطع المنظومة أن تحصل على حربها الجديدة الكبرى حتى الآن لتتعافى من التراجع المستمر في معدل الربح المستمر منذ الخمسينات على الأقل... وهي غالباً لن تستطيع. وتحديداً، أن بعض المتغيرات اليوم والسياسات الدولية للقوى الأساسية المصنّفة في عالم رأس المال ذاته تتناقض مع هذا الاتجاه، حيث يتم تعميم التكنولوجيا، وتوسيع قاعدة تطوير البنى التحتية التنموية على مستوى مناطق شاسعة، كما في مشروع الصين (الحزام والطريق)، وإجراءات من هذا النوع من الصعب أن تزيد معدل الاستغلال، لأنها ترفع معدل التنمية عموماً... إن زيادة معدل الاستغلال لا يمكن أن تتم إلّا بالحروب الوحشية والفوضى، عبر تدمير القوى المنتجة. وهو ما تحاول أن تفعله المنظومة الغربية، ولكنه متناقض مع اتجاه القوى الأخرى، التي تضطر دفاعاً عن نفسها أن توسّع التنمية، وتمنع الحرب، وكلاهما فسحة لتطور القوى المنتجة، وتقليص الاستغلال، وتقليص فاعلية الربح كوظيفة وجودية

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الإثنين, 27 تموز/يوليو 2020 15:50