البنزين المستورد لسورية 3 أضعاف العالمي: و(ربح العقوبات) قد يصل 920 مليون دولار سنوياً!
بدأت الحكومة موجة جديدة من رفع الدعم، وهذه المرّة تريد أن تطبّق العدالة في توزيع الدعم، فاستهدفت السيارات ذات الاستطاعة الكبيرة ومن يمتلك أكثر من سيارة، في مسعى لتقليص استهلاك البنزين وتحصيل إيرادات إضافية من المبيع المحلي... ولكن لمن تذهب فعلياً مبالغ الدعم على المشتقات النفطية؟! إنّها مصدر ربح محلي ودولي لكل من يفرض حصاراً على السوريين.
انخفضت أسعار النفط العالمي بنسبة 60% منذ مطلع العام الحالي، ولكن مع هذا فإن الحكومة السورية تقول أن كلفة ليتر البنزين الوسطية في شهر شباط لعام 2020 بلغت: 600 ليرة سورية، أي حوالي 0,85 دولار لليتر وفق سعر صرف 700 ليرة الذي أصبح سعر الصرف المعتمد حتى لو أن الموازنة أعلنت سعر 435 دولار الذي أصبح وراءنا!
يعتبر هذا السعر لليتر البنزين سعراً استثنائياً، وتحديداً مع التهاوي العالمي في أسعار النفط والمشتقات النفطية... والذي استمر بل واشتد في شهري آذار ونيسان من العام الحالي ومن المحتمل أن يستمر أيضاً.
الجدول التالي يوضح المقارنة بين السعر العالمي، والسعر في الإقليم من لبنان إلى الإمارات، وصولاً إلى سعر التكلفة في سورية، والسعر الوسطي الذي تبيع به الحكومة.
3 أضعاف السعر في لبنان
تدفع الحكومة السورية للمستوردين 0,85 دولار في ليتر البنزين، أي أنها تدفع لهم 3 أضعاف سعر المبيع في لبنان، التي يمكن اعتبارها النموذج الأفضل للمقارنة نظراً لأن لبنان يستورد محروقاته بالكامل، وبسعر محرّر مع تكاليف ضرائب وبسعر ربح احتكاري حيث يعتبر الاستيراد محتكراً في لبنان، أي أن المستورد اللبناني إذا ما باع ليتر البنزين بـ 0,29 دولار يستطيع أن يغطي تكاليف استيراد المادة وشحنها ونقلها وضرائبها وحتى أرباح قطاع التوزيع ومحطات الوقود.
بينما في سورية يحصل المستوردون على 0,56 دولار إضافية من الحكومة السورية وفق السعر اللبناني، وندفع من المال العام 400 ليرة إضافية في كل ليتر بنزين يستورده المستورد السوري. مع العلم أن البيانات الدولية تشير إلى أن لبنان هو واحد من المصادر الأساسية لاستيراد المنتجات النفطية إلى سورية، أي يتم الاستيراد للبنان ليتم بعدها توريده إلى سورية، ومع هذا فإن التكلفة السورية أعلى بـ 3 مرّات!
ما يشير إلى أن جزءاً كبيراً من التكاليف الإضافية يُدفع بين سورية ولبنان، للمستوردين لقاء (مخاطرهم) ولمنظومة المصارف التي يودع فيها مستوردونا الكبار أموالهم ودولاراتهم والتي تطلب تكاليف إضافية للتأمين والتحويل، ولشركات الشحن والنقل.
وينبغي الإشارة إلى أن تكلفة ليتر المازوت في لبنان انخفضت إلى 0,1 دولار لليتر، أي حوالي 80 ليرة سورية، بينما لا يزال سعره المدعوم والرسمي في سورية 0,2 دولار تقريباً، ما يشير إلى أن التكاليف الإضافية في المازوت قد تبلغ نسبة 100% تقريباً. وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الحدود عملية تهرب عكسية للمازوت من لبنان إلى سورية
وفق ما تشير العديد من التقارير اللبنانية.
*سعر ليتر البنزين والمازوت في لبنان من النشرة الرسمية بتاريخ 5-5-2020، حيث سعر الـ 20 ليتر تقارب 23500 ليرة لبنانية، وحوالي 5.8 دولار وفق سعر صرف 4000 ليرة لبنانية مقابل الدولار.
هل سعت الحكومة لتوفر 645 مليار ليرة من المستوردين؟!
وفق التصريحات الرسمية فإن كميات استيراد البنزين الوسطية تقارب 1,64 مليار ليتر سنوياً، فإذا ما كان كل ليتر يتضمن تكاليف إضافية للعقوبات تقارب 0,56 دولار فإن المدفوعات الإضافية التي يدفعها المال العام السوري خلال سنة لمستوردي البنزين قد تصل إلى قرابة 920 مليون دولار فيما لو استمرت أسعار البنزين العالمية عند هذا المستوى! أي حوالي 645 مليار ليرة، وهي ربح إضافي موزع على المستوردين وعلى المصارف المحلية والدولية المساهمة في الاستيراد.
وإن أرادت الحكومة السورية أن تبحث عن طرق لتحقيق وفورات وتقليص الدعم، عليها أن تركز على سبل تخفيض التكلفة المدفوعة للمستوردين، وليس أن ترفع الأسعار على شرائح المستهلكين السوريين أو أن تقلص كتلة استيراد البنزين!
وخاصة أن المستهلكين السوريين يدفعون تقريباً وبشكل مباشر ثلثي هذه التكلفة تقريباً، إذا ما اعتبرنا أن سعر البيع الوسطي أصبح يقارب 400 ليرة لليتر البنزين في سورية بعد أن تقلصت لحد بعيد مبيعات البنزين المدعوم بعد تطبيق البطاقة الذكية، وتوسعت شريحة بيع البنزين بسعر 450 ليرة لليتر من البنزين أوكتان 90، وصولاً إلى 575 ليرة لليتر البنزين أوكتان 95.
إن ما تسميه الحكومة دعماً للمحروقات، هو مبالغ مدفوعة كتكاليف للعقوبات والحصار المفروض على سورية، وهذه التكاليف هي الدعم الذي تدفعه الحكومة من المال العام للقلة التي تحتكر استيراد المشتقات وعموم النفط إلى سورية. أمّا هذه التكاليف فهي عملياً ربح إضافي تحصل عليه الأطراف التي تحاصر السوريين، وهي موزعة بين المستوردين الكبار الذي يستوردون من حساباتهم في الخارج وفي الإقليم ويحمّلون المال العام (تكاليف المخاطرة)، ويدفعون جزءاً منه أيضاً للمصارف وشركات التأمين والنقل والشحن، وكل هؤلاء يحاصرون السوريين ويربحون من التقشف الذي تفرضه الحكومة على مجالات الحياة الاقتصادية والخدمية المختلفة...
الحصار الأخطر هو الذي يطبقه من يمتلك القرار بتغيير آلية الاستيراد هذه ولا يسعى إليه، الأطراف التي لا تريد أن تصل إلى اتفاقات وعقود استيراد نظامية من دولة لدولة، وعبر آليات دفع مصرفية دون استخدام الدولار، وعبر تأمين سفينة نقل نفط واحدة مملوكة للمال العام تستطيع المخاطرة دون أن ندفع مثل هذه التكاليف للسماسرة.
الحصار في سورية مفروض من الجهات المحلية والدولية، وهؤلاء شركاء في تحويل العقوبات لفرصة ربح استثنائية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 965