اللعب على (حافة البلاد).. من إدلب لقرارات دمشق
يرتفع التوتر الإقليمي- الدولي في ملف الأزمة السورية، وتستنفر أطراف وقوى دولية للدفاع عن (النصرة)، ولتعميق الصدع في منظومة أستانا المسار الوحيد الذي حقق تقدماً ما في طريق إنهاء الكارثة السورية... والهدف إيصال البلاد إلى الحافة التي لا رجوع عنها، ولكن بعيداً عن المعارك وخلف المكاتب والقصور الفارهة قلة قليلة تقدّم خدمات لا تُنسى لمشروع الفوضى وتلعب أيضاً على (حافة البلاد).
في ظرف شهرين تنهار الليرة ويرتفع الدولار، دون أن يصدر أي قرار يدعم الليرة فعلياً أو يزيح الدولار جزئياً ويمنع موجة انهيار أخرى... قيل الكثير من الكلام الحكومي الممجوج والوعود والدراسات لدعم الإنتاج دون قرارات فعلية، بينما سريعاً اتخذت القرارات التالية: استمرار الاستيراد بآلياته ذاتها بل وتوسيعه، رفع سعر الصرف الرسمي وتثبيت مستوى الأسعار المرتفع، اللجوء إلى الديون من السوق لتمويل الموازنة العامة، مقابل إنفاق حكومي متقشّف ومنهوب بنسب استثنائية.
والآن تصدر القرارات الواحد تلو الآخر بذرائع لا يمكن مناقشتها جدياً، بل بالسخرية فقط كما يفعل عموم السوريين. قرارات تطال الخبز تقلّص تدفقه وكميات إنتاجه، قرارات أخرى تطال الاتصالات العامة دون أي هدف جدي سوى فتح احتمال زيادة أرباح شركات الاتصالات، بينما عوائد المال العام قد لا تزداد بشكل جدي، لأن حجم الفقر السوري لن يسمح بالتكيّف مع الأسعار الجدِّيدة وتوسيع الباقات. ثم يليها رفع سعر البنزين، المُدخل الأول في الطاقة الذي عادة ما يقود ارتفاع أسعار الطاقة ومستوى الأسعار العامة، وهو ربح إضافي لفلان وفلان لا أكثر من أصحاب النفوذ الذين يستوردون للبلاد حاجاتها من الطاقة بربح استثنائي...
قرارات لا تستطيع أن تتخيل مصدرها إلا حسبة ضيقة الأفق للبحث عن منافذ ربح في ما تبقى من إمكانات جهاز الدولة.
وسط التوتر الميداني العسكري والتصعيد في العقوبات، تُصعّد قوى النفوذ والفساد المحلية في وجه السوريين، متمترسة وراء تشددها واعية أنها تلعب على حافة استمرار البلاد. لا مجال لمزيد من الفقر والتهميش والحرمان، ومليون يخرجون من إدلب قد يلحق بهم ملايين من دمشق وحلب والمدن السورية الأخرى مع أول تراخٍ في فتح الحدود.
إنّ كانت معركة إدلب ميدان عملٍ وتأثير للقوى الإقليمية والدولية صاحبة المشروع الجدِّي في استقرار سورية وحل أزمتها وإيقاف تمدد الفوضى، وسينجحون إن عاجلاً أم آجلاً في احتوائها وتحويلها إلى خطوة للأمام في مسيرة حلٍّ الأزمة السورية. فإنّ المعركة السورية الأعقد هي المعركة القديمة الجدِّيدة الممتدة منذ عقود والمتفاقمة عشيَّة الأزمة، والتي تصل إلى ذراها اليوم، تلك المعركة التي تقسم الشعب السوري إلى قسمين لا يمكن جمعهما: قسم أول من القلة الناهبة الجاهزة لبيع البلاد وأبنائها في سبيل ملء الخزائن بمليارات إضافية من الدولارات، وقسم ثانٍ من غالبية السوريين لا يملكون شيئاً إلا الاستمرار والبقاء بعد خسارة معارك متتالية، لا يملكون إلا أن يكسبوا معركة المستقبل الذي لن تكون قوى النهب والإجرام الاقتصادي شريكة فيه مع أول مساحة للعمل السياسي الجدِّي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 955