ترليونا دولار الدَّين الصيني الخارجي هل يشكّل خطراً؟
محمود الشريف محمود الشريف

ترليونا دولار الدَّين الصيني الخارجي هل يشكّل خطراً؟

أعلن صندوق النقد الدولي أن الدَّين العالمي بلغ 188 تريليون دولار ونسبة 230% من الإنتاج العالمي، وتشكل الديون الخارجية المتوجهة للحكومات والشركات حلقة هامة وخطرة ضمنه، إذ توسعت بعد أزمة 2008 فقاعة الدَّين، ورغم أن للصين حصة هامة من إجمالي الدَّين العالمي إلا أن دينها الخارجي أقل من هذا بكثير... فما حجمه وما مدى تأثيره؟

تختلف آثار الدَّين الخارجي على الأداء الاقتصادي، بين اقتصاد وآخر، وذلك تبعاً لحجم هذا الدَّين، وأدوات وإمكانات التحكم به ومواجهة استحقاقاته.
الصين واحدة من الدول التي راكمت ديوناً كبيرة خلال عقد مضى، إذ وصل إجمالي دينها إلى 20% من الدَّين الإجمالي العالمي، ومبلغٍ يقارب 40 تريليون دولار: ثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي الصيني، وهو موزع بين دين الحكومة والشركات ودين الاستهلاك أو قطاع الأسر، مع الحصة الأكبر لدين الشركات سواء العامة أو الخاصة.
وعموماً، فإن جزءاً هاماً من ديون الشركات الصينية الخاصة هي ديون داخلية من منظومة التمويل الحكومية الصينية الكبيرة التي تجعل للدولة الصينية رافعة مالية أمام احتمالات الفشل المالي، عبر هيكلة هذه الديون وإدارة حلّها داخلياً. ولكن بالمقابل فإن كتلة الديون الخارجية كانت تزداد خلال العقد الماضي...

الدَّين الخارجي 5% من مجمل الدَّين

يبلغ الدَّين الخارجي الصيني ترليوني دولار وهو كتلة قليلة بالقياس للإجمالي لا تتعدى 5% من مجمل دين الصين. وقد ترتفع تقديرات البعض لهذا الدَّين الخارجي إلى 2,65 تريليون دولار إذا ما تم احتساب دين الشركات الصينية الموجودة في الخارج، والتي تعتبر داعمة لشركات أصل (أب) موجودة داخل الصين.
تضاعف الدَّين الخارجي الصيني أكثر من مرتين ونصف تقريباً بين عامي 2010- 2018. أكثر من نصفه (1,2 تريليون دولار) من الديون قصيرة الأجل متركز لدى الشركات الخاصة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبتها من الدَّين الخارجي تتراجع خلال عقد مضى من 72% إلى حوالي 60%.
أما النصف الثاني من الدَّين الخارجي وهو طويل الأمد يتوزع مناصفة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بقرابة 490 مليار دولار لكل منهما في نهاية 2018.


المصدر: إحصائيات الدين العالمي- البنك الدولي.

الاحتياطيات 157% من الديون الخارجية

ترتفع استحقاقات الدَّين الخارجي الصيني في عام 2020، إذ تقدّر وكالة بلومبرغ بأن الديون الصينية مستحقة السداد ستبلغ 63 مليار دولار خلال النصف الأول من العام القادم فقط. وهي مبالغ سيكون على الشركات الصينية أن تؤمنها بالعملات الأجنبية خلال فترة قصيرة، ما قد يلعب دوراً في التأثير على قيمة العملة الصينية اليوان، التي تتراجع قيمتها مقابل الدولار ووصلت إلى أكثر من 7 يوان مقابل الدولار.
وفق المعايير الدولية فإن مستوى الملاءة المالية الصينية وضمانات سداد الدَّين عالية، فاحتياطيات الصين من العملات الأجنبية تغطي 157% من ديون الصين الخارجية في 2018. أما حالياً، فإن الاحتياطيات تقارب 3,1 تريليون دولار، بينما الديون الخارجية بأقصى تقديراتها 2,65 تريليون. ونسبة التغطية هذه تعطي الدَّين الصيني هامش أمان قياساً بالمعايير العالمية التي تقول بأن الاحتياطيات ينبغي أن تغطي 30% من الديون قصيرة الأمد و20% من عموم الدَّين وفق المعايير المرجعية لصندوق النقد الدولي للدول التي تتحكم بحركة رؤوس الأموال كما الصين. إلا أن هذا لا يلغي التأثيرات التي يحملها الدَّين الخارجي الصيني، وعموم دين الصين على النمو الاقتصادي الصيني والعالمي.

النمو الصيني الأقل منذ ثلاثين عاماً!

تزداد خطورة الديون عموماً مع تراجع الاقتصاد العالمي الذي انعكس على النمو الصيني. إذ نما الاقتصاد الصيني بمعدل 6% خلال الربع الثالث من العام الحالي 2019، وهو معدل أقل من توقعات البيانات الرسمية الصينية... بل وأقل معدل سجلته الصين منذ عام 1992. البعض يُحيل هذا التراجع إلى الحرب التجارية التي توقدها الولايات المتحدة على الصين بالدرجة الأولى، الأمر الذي يحمل تأثيرات مباشرة وجدية على الاقتصاد الصيني، إذ صدّرت الصين 19% من صادراتها للولايات المتحدة في 2018. ولكن هذا لا يجعل الحرب التجارية سوى حلقة أخيرة في سلسلة العوامل التي تعود على الأقل إلى تراجع الطلب العالمي وعموم التجارة العالمية بعد الأزمة المالية العالمية التي أضعفت قدرات الطلب لدى أكبر مستهلكي العالم في الغرب... وهو ما أثر على نموذج النمو الصيني الذي كان قائماً على التصدير.

تراجع النمو الاقتصادي الصيني السنوي

المصدر: المكتب الوطني الصيني للإحصاء


وقد اتجهت الصين بعد أزمة عام 2008 لتعديل نموذج نموها الاقتصادي، وحفزت نموها عبر الاستثمار الداخلي الواسع في البنى التحتية الصينية، الأمر الذي لعب دوراً في استمرار توسع النمو الصيني خلال عقد مضى، ولكنه لم يكن كافياً لإبقاء النمو في المستويات السابقة لعام 2010 (عندما سجل نسبة 12%)، إذ إن التراجع الاقتصادي العالمي يعيق استمرار النمو بالوتيرة ذاتها. ويقدّر البعض أن الاعتماد على استثمار البنى التحتية وصل إلى منتهاه، الأمر الذي يفسر سعي الصين إلى تصدير رأس مالها عبر مشروع طريق الحرير والاستثمار في إطارات أوسع.

لدى الصين دين كبير يشكل 20% من الدَّين الإجمالي العالمي، ولكن لديها دين خارجي قليل بالمقابل، وتتمتع بمزايا عدّة: وضع مالي أقل خطورة نتيجة الاحتياطيات الكبيرة ومستوى التحكم بحركة رؤوس الأموال، إضافة إلى سوقها الداخلية الكبيرة. إلا أن جملة هذه العوامل التي قد تضعها في موقع أفضل نسبياً وسط اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية، لا تستطيع أن تعزل نموها عن تراجع النمو العالمي، نتيجة ارتباط ناتجها بالتجارة العالمية، وارتباط نشاط شركاتها بمستويات عالية من الدَّين عموماً، وإن كان الخارجي ليس كبيراً وإمكانات تغطيته عالية.

استحقاقات سداد الدين الخارجي الصيني خلال كل ربع سنة


تتجه الصين نحو تعميق استقلالية نموذجها عن الغرب عبر توسيع الاستثمار في التكنولوجيا الصينية كما في برنامج (صنع في الصين 2030) وتحقيق سبق في العديد من هذه المجالات، كما أنها تسعى إلى دفع قدراتها التمويلية لتتحول إلى استثمارات ورافعة لتطوير الطلب في محيط إقليمي واسع يعبر آسيا وصولاً إلى أوروبا وإفريقيا، الأمر الذي يمثله مشروع طريق الحرير. ولكن هذه المشاريع الواعدة تجري في بيئة أزمة اقتصادية عالمية تزداد وضوحاً وتعمقاً ولن تكون الصين بمنأى عنها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
939
آخر تعديل على السبت, 16 تشرين2/نوفمبر 2019 03:08