الدولار والبنزين... من كان يتوقع عكس ذلك!
قارب سعر صرف الدولار سعر الـ 600 ليرة في سوق دمشق السوداء خلال يوم 16-6-2019.. واصلاً إلى الذروة التي وصل لها في عام 2016، وقد ترافق هذا مع رفع الحكومة لسعر البنزين المحرّر في السوق، والذي كما جاءت التصريحات الرسمية سيسعر وفقاً للسعر العالمي. وما يجري ليس مستغرباً بل هو النتيجة الطبيعية لسياسة مواجهة العقوبات الأمريكية، بتحميل نتائجها على عموم السوريين، وتحصيل عوائدها لصالح كبار السوق.
ارتفع سعر البنزين غير المدعوم بنسبة 13% من 375 ليرة لليتر وصولاً إلى 425 ليرة لليتر... بينما لم يرتفع السعر عالمياً، ولم يرتفع كذلك في لبنان حيث تستورد المحروقات كما نستوردها عبر تجار يحددون السعر الحر وفق كلفهم، لا بل انخفض بين بداية آيار ومنتصف حزيران بنسبة: 5%.
بكافة الأحوال، فإن السعر السوري لا يتحدد على كلفة السعر العالمي فقط، بل على نسب الكلف التي ترتفع مع توسع العقوبات، وارتفاع كلف عمولات الوسطاء المستوردين التي تقارب 40%، من الكلفة وفق حسبات سابقة.
ولا بدّ أنّ لآخر جولة من العقوبات الأمريكية أثراً في هذا التسعير، وزيادة في العمولات، فعملياً كشفت العقوبات الأخيرة أن الجزء الأعظم من المحروقات ويستورد عبر شركة مستوردة تعود إلى رجل أعمال سوري، كانت قد كشفت العقوبات سابقاً أنَّ شركة عائدة له ذاته أيضاً تقوم باستيراد القمح.
إن تصعيد العقوبات لن يرتب خسائر على الوكلاء، بل قد يكون فرصة لزيادة العمولات، ولكن مع كل تصعيد ينبغي توقع ارتفاع في مستوى الأسعار، ارتفاع في الطلب على الدولار، وارتفاع في نسبة توقف النشاط الاقتصادي، وخسائر للمال العام تدفع الدولة لرسوم أعلى وتقشف أكبر في الإنفاق.
الدولار وصل 600 ليرة، وقد ينخفض قليلاً بعد هذا التصعيد، فبعد الارتفاع الماضي لم ينخفض دولار السوق عن 550 ليرة. والموجات ستستمر طالما أن النشاط الاقتصادي الأساسي هو استيراد الأساسيات بأسعار احتكارية أعلى من الأسعار العالمية.
خسرنا مع توقف الائتماني الإيراني بضائع نفطية بقيمة تقارب 240 مليون دولار شهرياً، وهذه الآلية لم تعوّض بآلية أخرى، كما فعلت مثلاً فنزويلا سريعاً بعد التصعيد الأمريكي ضدها، إذ فتحت حسابات بالعملات المحلية للتعامل مع روسيا الدولة المستعدة لتجاوز العقوبات على فنزويلا. بينما لم تحصل هذه الخطوة في الحالة السورية حتى الآن، رغم الحديث عن الكثير من التعاون الاقتصادي. والعرقلة ترتبط منطقياً بالأطراف المحلية التي ستخسر وكالاتها وعمولاتها، بإلغاء عقود استيراد الأساسيات، وتوجه جهاز الدولة إلى الاستيراد المباشر بعقود رسمية وبتعامل خالٍ من الدولار.
العقوبات لن تُرفع إلا ضمن التسويات السياسية الكبرى، وهي لحظة آتية، ولكن إلى حينها فإن العقوبات تحقق هدفها بالدرجة الأولى من خلال طريقة التعامل المحلية مع العقوبات. فإذا كان هدف الأمريكيين زيادة التوتر الاجتماعي، فإن الوضع الاقتصادي المتدهور يوماً بعد يوم سيؤدي إلى هذه النتيجة... وسيغتني من العقوبات من اغتنى، ويفتقر من يفتقر، وتنتقل أزمة البلاد السياسية العميقة إلى مستويات أعلى مع توسع التهميش وتراجع قدرات ودور جهاز الدولة، وتركز النهب والثروة لدى نخب النفوذ والمال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 918