انفجار أسواق الأسهم عالمياً... ما التالي؟
في الخامس من شباط 2018، سقط واحد من أسواق الأسهم الرئيسة في الولايات المتحدة: داو جونز، 1,175 نقطة أخرى، وهو أكبر تدهور في تاريخه. وسبق هذا انحدار بنسبة 665 نقطة يوم الجمعة الفائت. يقدّر هبوط هذين اليومين بحوالي 7,5%. وكذلك سجلت الأسواق الأمريكية الرئيسة الأخرى: نازداك وإس &ب 500، انخفاضاً ملحوظاً بنسب قريبة. وتبع ذلك الأسواق في اليابان وأوروبا خلال عطلة الأسبوع، كاستجابة للسقوط الأمريكي يوم الجمعة. ما الذي يجري؟ والسؤال الأهم: ما الذي سيحدث في الأيام والأسابيع التالية؟
ترجمة قاسيون
كان هذا ليعتبر «محصول عام جيّد» في الأوقات العادية. ورغم ذلك فإنّ اقتصاديي الاتجاه السائد يقولون بأنّها ليست فقاعة، لكنّهم لا يعطون تعريفاً لما هي الفقاعة بالضبط، وذلك لأنّهم لا يعرفون ما هي. لكن بالتأكيد فإنّ ارتفاع مؤشر داو من 16000 نقطة عام 2016 إلى 26000 في أقلّ من عام، يعتبر فقاعة. ولكن إن سألنا: لماذا الانهيار الآن، فلن يجيبنا أحد من هؤلاء بشيء.
كبار المستثمرين ينهون الفقاعة
إن ما يمثله الأمر في الحقيقة هو: مستثمرون مؤسساتيون كبار قرروا «أن يأخذوا أموالهم ويهربوا»، ويتركوا المستثمرين الصغار ليتحملوا الخسائر، والقادم أعظم. فالمحترفون يدركون بأنّ البنك الفدرالي سوف يرفع نسب الفائدة 3-4 مرات هذا العام. وقد بدأ هذا يدفع بأسواق السندات الماليّة إلى الانهيار، والآن تتبع الأسهم هذا المسار. لقد وصلت أسواق الأسهم إلى منطقة الفقاعة لعدّة أسباب:
أحدها، هو: الحقن الضخمة للنقود بلا أساس «free money» لمدّة تسعة أعوام عن طريق البنك الفدرالي، وبقيّة المصارف المركزية. وكانت هذه الكمية أكبر بكثير من تلك الضرورية للاستثمار في الإنتاج الحقيقي، ولهذا فقد تدفقت إلى الأسواق المالية في الولايات المتحدة وحول العالم. وتضاعفت أرباح الشركات منذ عام 2010 قرابة ثلاثة أضعاف، وتمّ تخفيض الضرائب على أرباح رأس المال بشكل مستمرّ، ليبلغ قدر التخفيضات تريليونات الدولارات منذ 2010 أيضاً. واستمرّت الشركات بالإبقاء على تدفقات ماليّة ثابتة من رأس المال، توزعها على حاملي أسهمها، مع سبع سنوات من إعادة شراء الأسهم، ودفعات الأرباح الموزعة على المساهمين، ليبلغ متوسط هذه الدفعات تريليون دولار سنوياً، لمدّة سبعة أعوام. لقد أدّت الأرباح، وأرباح الأسهم، وإعادة الشراء، ومكاسب تخفيض الضرائب على رأس المال، إلى تدفقات بقيمة تريليونات الدولارات في الأسواق المالية.
أضف إلى ذلك مستويات قياسيّة لشراء المستثمرين الصغار للسندات عبر «الشراء بالهامش_ margin buying وهي آلية شراء للأسهم عبر دفع جزء من الأثمان بواسطة الاقتراض، وبضمانة أسهم أخرى من مؤسسات مالية كبرى تحصل على جزء من قيمة الأسهم المشتراة، أي: إمكانية توسيع شراء الأسهم بالدين_ المترجم». وارتفاع الشراء بهذه الطريقة هو دوماً إشارة على حدوث فقاعة، ودعونا لا ننسى التخفيضات الضريبيّة للاستثمار والأعمال التي أصدرها ترامب، والتي تقدّر بأكثر من 4 تريليون دولار، والتي تأتي على رأس الأسباب جميعها، فقد كان من شأنها أن تدعم الأرباح بزيادة فورية بنسبة 10-13%، وتلك زيادة على ما حققته الشركات الأمريكيّة بالفعل من أرباح. لقد أدّى هذا الضخّ الهائل من المال في أسواق الأسهم والأسواق الماليّة الأخرى إلى هذه الفقاعة.
لكن ماذا عن الإفلاس؟ ولماذا الآن تحديداً، وليس قبل أو بعد؟ يعود السبب إلى التغيرات في الأسواق نفسها: ظهور ما يسمّى «اندفاع الإتجار momentum trading» من قبل مؤسسات كبرى، مثل: صناديق التحوّط الكمي وغيرها. وكذلك بسبب التحوّل إلى الاستثمار السلبي، وما يسمّى بالصناديق المرتبطة بمؤشرات الأسهم «Index funds»، وكذلك بسبب مشتقات صناديق التبادل التجاري «ETF» التي تقود الأسعار أيضاً. وكلّ ما سبق، هي آليات تؤدي إلى امتصاص ارتفاع الأسعار في مزيد ومزيد من رأس المال، الذي يتضخم فقط بسبب ارتفاع الأسعار، وينتج عنه بالمقابل المزيد من ارتفاع الأسعار.
واستمرّ ذلك حتّى أقنعهم البنك المركزي بأنّ «وعاء النقود بلا أساس» قد استُنفذ. قام بعدها المحترفون بأخذ أموالهم والهرب بها، وتركوا «قطيع» المستثمرين الصغار يحضن الحقيبة الفارغة.
الانكماش الحقيقي سيظهر لاحقاً
ما يثير الاهتمام أكثر، هو: أنّ أسعار فائدة البنك الاحتياطي الفدرالي لم تصل بعد إلى 2% وتصدّع النظام. ففي عام 2007، كان على معدل فائدة الاحتياطي الفدرالي أن تتجاوز 5% قبل أن ينهار سوق الائتمان ويدخل في الحركة البطيئة. لكنّني تنبأت من قبل، بأنّ المسألة هذه المرة ستكون هكذا. فمعدلات فائدة الاحتياطي الفدرالي لا يمكن أن ترتفع فوق 2 إلى 2,25% (وسندات الخزينة لمدّة عشرة أعوام فأكثر، أعلى بكثير من 3%) دون أن تسرّع حصول أزمة ائتمانيّة أخرى.
لكنّ انهيار الأسهم في الثاني والخامس من شباط ليس هو البداية، ولا النهاية، لما هو قادم. قد يكون هناك عدّة انخفاضات في الأيام القادمة، لكنّها ستستقر. سيكون هناك نوعاً ما من التعافي. لكن سيكون هناك ارتداد في السعر dead cat bounce»»، كما يحدث دوماً في مثل هذه الحالات. فبعد بضعة أسابيع، أو ربّما بضعة أشهر، سيبدأ الانكماش الحقيقي، وسيكون هذا هو الانكماش الفعلي.
فإذا ما تذكرنا أحداث عام 2008، كان انهيار الرهن العقاري وبنك بير ستيرنز للاستثمار في أوائل 2008 هما علامتا التحذير. تبعهما انتعاش مؤقت دام حتّى ظهر الوجه الحقيقي للانهيار، مع فاني ماي وليمان بروذرز. قد لا ينشأ الحدث الأكبر في الولايات المتحدة هذه المرّة، بل خارجها. فاليابان وأسواق مال اقتصادات السوق الناشئة، عرضة لذلك بشكل خاص، لكنّ الأسواق الماليّة العالميّة متكاملة ومترابطة بإحكام في النظام الرأسمالي الحالي. فالعدوى مدمجة في النظام العالمي، والمستثمرون يحركون أموالهم حول العالم في لحظة. سوف يسحبون أموالهم في نهاية المطاف. لننتظر ونرى، بينما تستعيد الأسواق استقرارها بشكل مؤقت. هل هي فرصة لرمي خسائر مستثمري القطيع الصغار، الذين سيخسرون تريليونات الدولارات في الفترة المقبلة؟ هل هذا هو السؤال الذي سيطرحه المستثمرون المحترفون، والمستثمرون المؤسساتيون، وصناديق التحوّط ومالكوا الأسهم والرأسماليون الكبار على أنفسهم الآن، أم أنّ السؤال سيكون عن الانكماش الذي سيقود الأسواق 20% على الأقل في الأيام والأسابيع القادمة؟
وسوف يسألون أنفسهم أيضاً، إن كان البنك الاحتياطي الفدرالي سيبقى على خططه لرفع معدلات الفائدة؟ إن فعل، فسيكون قد تحدد بأنّ الفقاعة الكبيرة في الأسهم ما بين 2010 و2018 قد انتهت، وسيتم التحرك إلى الهوامش في المستقبل المنظور، ولن يكون ذلك مؤقتاً. سيأخذون تريليونات الدولارات التي يملكونها ويهربون. وعندما يفعلون ذلك، سيبدأ الانكماش الحقيقي ليمهد الطريق إلى الركود القادم.
في هذه الأثناء، علينا أن نترقب ارتداد الأسعار. كم سيكون الارتداد مرتفعاً، وعندما يهبط من علو، فهل ستكون هبطته مميتة أم أنّه سينهض ويسير مجدداً؟