البتكوين... (بروفا) مال الغرب الجديد
بينما يمتلئ الفضاء الإلكتروني بالصخب حول البتكوين وغيرها من العملات الإلكترونية، إلا أنك لن تجد سوى تقارير مقتضبة في الإعلام العالمي حول إنشاء عملة الكترونية تسمى: عملة التسويات الخدمية (USC) بتحالف من عشر بنوك غربية كبرى...
صدرت تقارير في الصيف الماضي حول أن أربعة من عمالقة المال ستشرع في تأسيس عملة الكترونية للتعامل البنكي المشترك والبنوك هي: USB السويسري، دوتشه بنك الألماني، سانتاندر الإيطالي، والأمريكي: BNY MELLON، بالإضافة إلى شركة ICAP البريطانية، الشركة الأكبر عالمياً في تعاملات الوساطة بين البنوك، التي انضمت إلى البنوك الأربعة. وانضم إليهم لاحقاً خلال عام 2017: باركليز من بريطانيا، كريدت سويس من سويسرا، البنك التجاري الكندي، HSBC البريطاني، مجموعة متسوبيشي المالية من اليابان، وstate street من الولايات المتحدة. وقد ازداد العدد من أربعة إلى عشرة. وجميعهم بنوك من العيار الثقيل، وضمن قائمة أقوى 50 بنكاً عالمياً. وقد سمي هذا التجمع بالتحالف العالمي لتطوير التعامل البنكي الإلكتروني عبر العملات الإلكترونية.
عشرة من أغنى بنوك العالم
لقد أشار أعضاء التحالف: أن العملة الجديدة، ستتشابه نسبياً مع العملات الإلكترونية، أو العملات المشفرة على نموذج البتكوين. ولكنها ستبقى مستعملة من قبل (مجتمع البنوك) للتسويات المتبادلة. حيث يمكن أن تتم عمليات التبادل دون تسمية الأطراف، كما في حالة استخدام البتكوين، وأية عملات إلكترونية خاصة أخرى. باستخدام تكنولوجيا “block chain” والتي تسمح بالتبادل دون تحديد الهوية، ودون وسيط بنكي.
فايننشال تايمز أشارت أيضاً: أن أطراف الاتفاق تخطط خلال العام الحالي أن تقدم مسودة المشروع التجريبية للبنوك المركزية التي تتبع إليها ليتلقوا موافقتهم، وفي بدايات عام 2018 سيتم الإعلان عن بدء التعامل التجاري بهذه الآلية ولكن ضمن مجموعة محدودة من التعاملات قليلة الخطورة.
التحالف إذاً يرتبط بدول مثل: سويسرا، وألمانيا، وإيطالياً، والولايات المتحدة، بريطانيا، واليابان، وكندا. ومسألة الموافقة على إصدار عملة التسويات الخدمية ستكون بالتنسيق بين ستة بنوك مركزية: الفيدرالي الأمريكي، الأوروبي، السويسري، بنك انكلترا، الياباني، والكندي.
أي: بهذه الحالة فإن المشروع يجب أن يقر بشكل مشترك من قبل البنوك المركزية كلها في المنظومة الغربية. والتي تسمى بـ CB-6: البنوك المركزية الستة.
مرت أكثر من سنة منذ إنشاء هذا التحالف، وحتى الآن لم يظهر وصف لعملة التسويات الخدمية، أو تقارير حول تقديم المشروع للبنوك المركزية المعنية، ويتضح بأن هناك صعوبات وتأخيراً في الجدول الزمني. ورغم التعقيدات يبدو أن الأعضاء في التحالف، واثقون من نجاح المشروع، ولكن كيف يمكن تفسير هذا؟
CB-6: كارتيل البنوك المركزية الستة
رؤيتي للإجابة هي التالية: إن مشروع هؤلاء العشرة العمالقة، ليس بأية حال مشروعاً تجارياً مغامراً، فعملة التسويات الخدمية، ليست لعبة حظ، بل هي مشروع (تنظيم اجتماعي) شامل، وعندما يتم تبنيه فإن البنوك المركزية ستعطي موافقتها...
فالتحالف الذي يحتاج إلى تنسيق من البنوك المركزية الستة (CB-6) ليس مصادفة. فهذه البنوك الستة تشكل احتكار البنوك المركزية العالمي. وهذا الاحتكار المنظم (الكارتيل) بدأ يأخذ شكله خلال الأزمة المالية بين عامي 2007- 2009، فكيف تجلى ذلك؟
بدأت هذه البنوك المركزية الستة، تنظم عمليات تبادل العملات، لكي تمنع التبدلات الكبرى في معدلات وقيم هذه العملات، وتعطيها ثباتاً أعلى. وقد بدأ هذا كله مع انطلاق الفيدرالي الأمريكي لتقديم الكميات الكبيرة من الدولار للبنك المركزي الأوروبي. وفي نيسان 2009، وسع الأمريكان هذه العملية لتشمل بنك انكلترا، واليابان، وسويسرا. بداية حددت عمليات تبادل العملات (SWAP) زمنياً وكمياً: فخلال أسبوع تبادلٍ، يحصل البريطاني على 30 مليار استرليني، المركزي الأوروبي: 80 مليار يورو، بنك اليابان: 10 تريليون ين، السويسري: 40 مليار فرنك سويسري. وقد استمرت الاتفاقية حتى شباط 2010، وبعدها مددت الفترات الزمنية ووسعت الكميات، وأجريت تعديلات.
وبعيداً عن التفاصيل، فإنه في 10- 2013 أقر الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الخمسة الأخرى، اتفاقية غير محدودة زمنياً، لتبادل العملات بكميات غير محدودة، وصرحوا: إن هذه العملية لن تتوسع لتضم البنوك المركزية الأخرى عبر العالم.
العديد من الخبراء يعتقدون بأن CB-6، هي نسخة تجريبية للبنك المركزي العالمي المستقبلي. وفي إطار التحالف الاحتكاري لتداول العملات، فإن هناك مسعى واضحاً لخلق عملة موحدة جديدة، سيكون لها بشكل مؤقت بعض الدعم والاعتماد على العملات الوطنية لهذه التجمعات الغربية الكبرى.
اليورو_ والمركزي الأوروبي مجرد اختبار
إن عالم العملات، والمال يمر في مرحلة انتقالية، وهي تشبه الفترة التجريبية الأوروبية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. حيث استمرت العملات المحلية كالمارك الألماني، والفرنك الفرنسي، والليرة الإيطالية، وغيرها ولكن في الوقت نفسه كانت العملة المشتركة للجميع والتي كان اسمها في حينه: (ecu) تنمو وتتوسع وتصبح أقوى. في 1999 استبدلت هذه العملة باليورو، الذي تحول في عام 2003 إلى العملة الأساسية وألغي التعامل كاملاً بالعملات المحلية السابقة. على التوازي، لم يكن ملحوظاً تأسيس بنك مركزي أوروبي متكامل، وفي بداية 1994، وبناء على اتفاقية ماستريخت، أسست المؤسسة النقدية الأوروبية، والتي تحولت في 1998 إلى البنك المركزي الأوروبي.
والآن سنعود إلى مشروع تأسيس العملات الإلكترونية. التحالف بين البنوك الكبرى العالمية، يعد بأن المشروع سيعلن في العام القادم 2018. ويبدو هذا مشابهاً لولادة (الفونيكس)، والتي تحدثت عنها المجلة المالية البريطانية: Economist في عام 1988، والتي تعود لأسرة روتشيلد، وبغض النظر عن تسمية العملة الجديدة التي تسعى المنظومة الغربية المالية لتشكيلها، فإن التحالف المذكور من البنوك العشرة الكبار، ومن خلفهم البنوك المركزية الستة، سيكون حجر الزاوية، وسيتأسس منه لاحقاً البنك المركزي العالمي بعملة موحدة، ومنظومة الكترونية مشفّرة.
سيزول الدولار واليورو وحتى البتكوين...
العملة التي ستقدم من قبل التحالف، والمسماة بـUSC ليس لها علاقة مباشرة بالعملات الإلكترونية الخاصة، والتي يفيض الإعلام بالحديث عنها، بينما المعلومات قليلة حول مشروع تأسيس عملة USC. (فمالكو المال) يفهمون أن العملة الجديدة العالمية، يجب أن تولد في صمت تام! سيصدر هؤلاء المتحالفون العملة الجديدة، تحت حماية العملات التقليدية الموجودة حالياً مثل: الدولار واليورو، والين وغيرها من عملات المراكز المالية العالمية الستة. وعملياً فإن العملة الجديدة التي يريدون تشكيلها، هي وليدة ونتاج البنوك المركزية الست، والتي تقف بشكل غير مرئي، خلف البنوك العشرة الكبار المتحالفة. ومن خلفها (مالكو المال).
إن ولادة مثل هذه العملة الإلكترونية، سيترافق مع تسارع كبير في انهيار العملات الوطنية، وبالمقابل من المؤكد أنه مع انقشاع الضباب، فإن العملات الإلكترونية الخاصة جميعها كالبتكوين والإيثوريوم وغيرها ستختفي، مع انتهاء الحاجة إليها.
وتتمثل الحاجة إلى البتكوين وشبيهاتها حالياً بالأسباب التالية، أولاً: تطوير التكنولوجيا المستخدمة في العملات الإلكترونية، والتي ستستخدم في العملة العالمية الجديدة. ثانياً: من أجل أن يتعود الناس على استخدام هذه النقود غير الورقية، ثالثاً: من أجل أن تخلق سحابة دخان، تغطي النشاط الحقيقي (لمالكي المال) في التحول نحو عملة عالمية جديدة واحدة.
بعض الوقت سيمر، وسيتم لاحقاً تنظيف الفضاء الإلكتروني من أنواع فضلات العملات المشفرة أو الإلكترونية كلها. وستكون (الفونيكس) الإلكترونية، أو أية تسمية أخرى للعملة العالمية الجديدة بدون أي منافس.
إن مشروع التحالف البنكي من العشرة، لإنشاء عملة USC الإلكترونية، هو خطوة كبرى لمالكي المال، يجب أن تتم بحذر وبصمت، لخلق معسكر متمركز للتبادل الإلكتروني بين البنوك. والعملة الإلكترونية هي أداة لدى مالكي المال، في مسعاهم الدائم ليتحولوا إلى (حاكمي العالم). الاتحاد الأوروبي يمكن أن يعتبر التجربة أو الاختبار الذي قام به مالكو المال، وهم المساهمون الأساسيون الخاصون من العائلات الكبرى المالكة للفيدرالي الأمريكي. حيث تسعى الأوليغارشية المالية العالمية، لتنظم التحول إلى العملة العالمية.
بعض الوقت سيمر وسيظهر بعده بنك مركزي عالمي على أساس CB-6، وعملة عالمية جديدة والتي لن تنتج اليورو ولا حتى الدولار، ولكن عملة جديدة يسميها البعض بالفونيكس...
من مقال Valentin Katasonov