الصين... روبوتات أكثر لعصر قادم
تراجعت بمستويات حادة عملية دخول روبوتات جديدة إلى الإنتاج في عام 2009 وعقب الأزمة المالية العالمية، ولكنها عادت للانتعاش بشكل واسع بعد تلك المرحلة، ووصلت إلى مستويات قياسية من التركيب والتخزين.
يُعبّر قطاع إنتاج الروبوتات عن التكثيف الصناعي الرأسمالي العالمي وسط منافسة عالمية، لا تستطيع الدول المتقدمة أن تخليها في مواجهة النمو الهائل في هذا القطاع، في الدول الصاعدة والصين تحديداً.
أكثر من 254 ألف وحدة من الروبوتات الصناعية رُكبت عالمياً في عام 2015، مقابل 120 ألف وحدة في عام 2010 كما نما المخزون العالمي السنوي من الروبوتات المعدّة للتركيب بنسبة 54% خلال الفترة بين 2010 و 2015.
النسبة الأكبر من الروبوتات المركبة تدخل في قطاع صناعة السيارات والمركبات، مساهماً بنسبة 40% من الروبوتات المركبة، يليه قطاع الكمبيوترات والمعدات الإلكترونية، بينما تدخل الروبوتات في قطاع صناعة الآلات بنسبة 10% تقريباً.
أكبر تركيب وأعلى تخزين
ركّبت الصين أكبر عدد من الروبوتات في عام 2015 بنسبة 27% من التركيب العالمي، وتلتها كوريا الجنوبية، ثمّ اليابان، لتليها الولايات المتحدة بنسبة 10.8% من الروبوتات المركبة عالمياً في عام 2015.
ولكن التسارع الكبير في الدول الصاعدة يظهر من حجم النمو في مخزون هذه الصناعة بين 2010 و 2015، حيث تضاعف المخزون في الدول الصاعدة بنسبة 185% بينما تضاعف في الدول المتقدمة بنسبة 15.3% فقط، متراجعاً في كل من فرنسا، وإيطاليا، واليابان.
وبالمقارنة بين أكبر قوتين صناعيتين عالمياً أي: الصين والولايات المتحدة، فإن المخزون الصيني قد تضاعف خلال السنوات الخمس: أربع مرات وبمعدل 390% بينما نما المخزون الأمريكي بنسبة 42% فقط.
خطة (اخترع في الصين)
وسّعت الصين من إنتاجها وتركيبها للروبوتات بشكل كبير منذ عام 2013 ضمن إطار الخطة المعلنة في ذلك العام، والتي عنوانها (صنع في الصين 2025). والخطة لم تكن تهدف إلى توسيع الصناعة الصينية كماً، وهي أكبر مصنّع عالمي، بل كانت تهدف إلى رفع شعار (اخترع في الصين) وكانت جزءاً من خطة توسيع الابتكار عبر جوانب أساسية (الأول: رأس المال البشري، والثاني: هو: الإنتاج المحلي للروبوتات، والثالث هو: الصناعات عالية التكنولوجية. للانتقال من التركيز على السرعة، إلى التركيز على النوعية، من المنتجات إلى العلامات التجارية، ومن الصناعات الملوثة إلى الصناعات الخضراء) وفق هو أنغانغ، مدير مركز الدراسات الصينية بجامعة تسينغهوا.
وقد وضعت أهدافاً في مجال تصنيع الروبوتات، أولها: الوصول إلى 150 روبوتاً مقابل كل 10 آلاف عامل، وثانيها، هو: زيادة إنتاج الروبوتات بمعدل 100 ألف سنوياً. وخصصت لها صندوقاً استثمارياً حكومياً بمقدار 20 تريليون يوان.
الوصول إلى 150 روبوتاً مقابل كل 10 آلاف عامل، يعني: الوصول إلى المعدل الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تصنف الخامسة عالمياً، من حيث كثافة الروبوتات مقابل العمال، تسبقها كوريا الجنوبية بمعدل 390 روبوتاً مقابل 10 آلاف عامل والأعلى عالمياً، وتليها اليابان- السويد- ألمانيا. بينما المعدل الصيني في عام 2014 كان أقل من 10 روبوتات لكل عشرة آلاف عامل. ما يعني تكثيفاً كبيراً في الآلات عالية التصنيع، والتي تغني عن عدد كبير من العمل البشري في قطاعات محددة، الأمر الذي يعني: أن الصين بوضعها لهذا التحدي، فهي تضع أمامها تحديات هائلة في زيادة نسب النمو والتشغيل في قطاعات أخرى، وفي استمرار ارتفاع حصة الأجور ومستويات المعيشة، والأهم: في انخفاض معدل الربح في التصنيع الصيني. الأمر الذي بدأت آثاره تظهر مع انتقال العديد من الصناعات الغربية التي استوطنت في الصين إلى فيتنام وإلى الدول المجاورة حيث أجور العمل أقل، مقابل رفع الحكومة الصينية للحد الأدنى للأجور بشكل مضطرد منذ عام 2011.
تتغير توازنات الإنتاج الاقتصادي العالمي نوعاً وكماً، فالصين لم تعد المصنع العالمي للمنتجات الاستهلاكية، الذي أتاح لها أن تكون القوة التصنيعية الأولى عالمياً، بل تنتقل منذ عام 2013 لتتحول إلى مركز ابتكار صناعي عالمي بخطط ممنهجة، وأهداف معلنة لدخول باب الصناعات الثقيلة وعالية التكنولوجيا، وما يسمى القطاع الأولي، وإنتاج وسائل الإنتاج من أوسع أبوابه وبتسارعٍ كبيرٍ، ورغم القدرة الاستهلاكية العالية للصين، التي تتعزز بخطط رفع مستوى المعيشة وحصة الأجور، إلا أن هذا القطاع وبحجم القدرة الصينية لا يستطيع إلّا أن يكون قطاعاً عالمي الاستهلاك، ويواجه المنافسة الحادة للغرب المهيمن على هذا الإنتاج، إن سير الصين في هذا الاتجاه يعني تخفيض عالمي في مستوى أسعار الصناعات الثقيلة، وتخفيضاً كبيراً لمعدلات الربح الاحتكاري السائدة فيها وفرصة لرفع مستوى الإنتاج العالمي.
ولكن مع توسع الإنتاج، من سيستهلك منتجات الروبوتات والتصنيع الثقيل العالمي في ظروف أزمة اقتصادية عالمية، واحتمالات انفجارات مالية، وتراجع مستمر في التجارة العالمية؟ سيكون التحدي الأكبر أمام الداخلين الجدد، من الشرق والجنوب، على هذا القطاع، أن يؤمنوا ظروف استهلاك الآلات للجزء الأكبر من المساحة الجغرافية العالمية التي لم يطرق التصنيع أبوابها إلا بما لا يذكر، أي: تأمين استهلاك المعدات عالية التكنولوجية لدول الجنوب الأفقر، بما يتيح الخروج من احتكار الغرب على هذا القطاع وحجبه عن الآخرين لعقود وعقود من الهيمنة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 834