عقوبات أوروبية على العقوبات الأميركية!

عقوبات أوروبية على العقوبات الأميركية!

أثارَ مقترح توسيع العقوبات الأميركية الأخير على روسيا ردود فعل أوروبية صاخبة، تعكس مستوى الانقسام المتعاظم بين أوروبا وأميركا، ذهبت حدّ التهديد بإجراءات عقابية جوابية من قبل أوروبا بحق الولايات المتحدة الأميركية‫.‬ إذا ما شملت العقوبات الأميركية الشركات المشاركة في استثمار خط السيل الشمالي الذي يهدف إلى تزويد أوروبا بالغاز الروسي، الأمر الذي يعتبره الرسميون في الدول الأوروبية المركزية تهديداً لأمن الطاقة الأوروبي‫.‬

إذ توصل الديمقراطيون والجمهوريون الأمريكيون إلى اتفاق لإزالة العقبات القانونية أمام تشريع جديد، يسعى إلى فرض إجراءات عقابية على قطاعات اقتصادية روسية‫.‬ على أن العقوبات المراد إقراراها تستهدف بشكل علني إيقاف تشييد خط غاز السيل الشمالي‫-‬٢‫.‬ إذ سيتم معاقبة أية شركة تقوم بالمساهمة أو المشاركة في تطوير أو صيانة أنابيب تصدير الطاقة في روسيا‫.‬ الأمر الذي يشمل خمس شركات طاقة أوروبية كبرى ‫(‬شركتان ألمانيات، شركة فرنسية، شركة نمساوية وشركة بريطانية هولندية مشتركة‫)‬ تعمل على تشييد وتطوير خط السيل الشمالي ‫(‬المملوك  من غاز بروم بأكثر من ٥٠٪ بقليل‫)‬  لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق وألمانيا‫.‬ مع العلم بأن روسيا تزود أوروبا بثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ويجري العمل على مضاعفة هذه الكمية عبر تشييد السيل الشمالي ‫-‬٢ لتصبح ألمانيا الحلقة المركزية بنقل الغاز الروسي إلى أوروبا‫.‬
الأمر الذي استدعى ردود فعل أوروبية تحذيرية على أعلى المستويات السياسية والاقتصادية، حيث أكدت المفوضية الأوروبية بأن الإجراءات الأميركية أحادية الجانب تزعزع وحدة الصف الأطلسي‫، وأعلن جان كلود جانكر رئيس المفوضية الأوروبية بأنه: من غير المقبول ترجمة سياسة ‫«‬أميركا أولاً‫»‬ إلى ‫«‬المصالح الأوروبية آخراً‫»، ‬في حين اعتبر وزير الخارجية الألماني العقوبات المقترحة‫ كأحد أدوات السياسة الصناعية الأميركية، الهادفة لتعزيز ‬المصالح  والشركات الأمريكية‫.‬

في الوقت الذي أعلن فيه رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية بأن هذه العقوبات ‬تضر بأمن الطاقة الأوروبي، وبالاقتصاد الألماني بشكل كبير‫.‬
وزيرة الاقتصاد الألمانية لوَّحت بشكل علني بإمكانية  «تطبيق عقوبات أوروبية جوابية عبر منظمة التجارة الدولية‫» مؤكدة بأن اندلاع حرب تجارية بين أوربا والولايات المتحدة هو أمر سيء.‬
كما انضم وزير الخارجية الفرنسي إلى جوقة المحذرين من عواقب مشروع العقوبات الأميركية على وحدة الصف الغربي، داعياً إلى التحرك قائلاً‫:‬ ‫«سعياً لحماية أنفسنا من تأثيرات التشريع الأميركي، سيتوجب علينا العمل على تعديل القانون الأوروبي والفرنسي‫».

هذا ويمكن قراءة هذه العقوبات في سياق التحول العميق في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، وتضعضع الموقع الأميركي، إذ تهدف الولايات المتحدة إلى الهروب للأمام عبر تثبيت الدعامات المادية للوصاية الأميركية على أوروبا،  عبر استبدال الغاز الروسي بالغاز الأميركي‫، بالإضافة لمحاولة استثمار ريع القوة الأميركية بفتح أسواق طاقية جديدة‬، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأميركي من صعوبات هيكلية‫.‬ إلّا أنه من المرجح فشل المساعي الأميركية وتوليدها لنتائج عكسية ستسرع عملية الانقسام الأوروبي‫-‬الأمريكي، موسعة الطريق لمساعي الدول الصاعدة «لفطم» أوروبا عن أميركا، وإعادة إنتاج دورها الدولي اقتصادياً وسياسياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821