آخر أيام العقوبات...
ليلى نصر ليلى نصر

آخر أيام العقوبات...

أكثر من 27 برنامج عقوبات لا تزال مفعلة تطبقها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2017 عبر العالم، على دول ونشاطات محددة، أغلبها مستمرة منذ عقود كما في العقوبات على كوبا، وعلى العراق، وعلى إيران، وعلى كوريا الشمالية وغيرها.

تزداد وتيرة منظومة العقوبات الأميركية في المرحلة الحالية، رغم أنها لا تؤتي ثمارها المطلوبة، بل قد تؤدي لنتائج عكسية، كما حدث في إيران، التي ينبغي أخذ أثر العقوبات عليها بعين الاعتبار، عند النظر إلى نموذجها الاقتصادي الذي ساعدها في الوصول إلى اختراقات تكنولوجية كانت محرمة على دول الأطراف، وكما في حالة روسيا الأقرب التي أدت العقوبات عليها وحرب النفط إلى تعزيز نموذج اقتصادها الكلي وتركيز مزيد من الاستثمار في الصناعة و الزراعة وتحقيق وتائر تعافٍ سريع.
وعلينا أن نتساءل لماذا ترفع الولايات المتحدة من وتيرة العقوبات، طالما أن آثارها تدفع الدول الجدية المُعاقبة إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية، وزيادة فعاليتها؟ إن الأمريكيين يحاولون الاستفادة من وزنهم الاقتصادي والمالي الحالي، قبل مزيد من التراجع، ليؤخروا تقدم الوزن الاقتصادي والسياسي للآخرين، فالعقوبات الأميركية الجديدة اليوم على روسيا تجعل الشركات الأوروبية في قطاع الطاقة مثلاً تقف وقفة جدية لتختار بين مشاريعها مع روسيا، وبين السوق الأمريكية الواسعة، التي ستحرم منها إذا ما طبقت عليها العقوبات في حال تعاونها مع روسيا، هذا إضافة إلى التضييق الكبير الذي يطبق على الشركات المعاقبة في المنظومة المالية العالمية المتمركزة أميركياً. ولهذه العقوبات بالتأكيد تأثيرات اقتصادية على روسيا، والأهم على المقدمات المادية للتعاون الروسي-الأوروبي (الأوراسي)، حيث إن تأخير العلاقات الاقتصادية والربط يؤخر التعاون السياسي وإزالة عناصر التوتر المصطنعة بين الروس والقارة الأوروبية.
ولكن هذه الأداة الأمريكية بالتشويش، تأخذ الحلف الأميركي الأوروبي إلى مزيد من التناقض، والانقسام، لأن روسيا لديها مشروعها الأوراسي ولكن لديها أيضاً 40% من الثروات العالمية ضمن حدود البلاد الشاسعة،  وتنتظر كذلك عوائد عالية قريباً من جسور نقل الطاقة، التي مدت للصين وآسيا عموماً، وكل هذا مجال حيوي وهام للاستثمار، إذا ما تضيقت البوابات الأوروبية لعوائد الطاقة. ولكن الثمن الأقسى ستدفعه الصناعة الأوروبية، وسيظهر في التراجع الاقتصادي وأزمة الديون إذا ما انتقلت هذه العقوبات إلى التطبيق، وقد تحقق شركات الطاقة الأميركية مكاسب ومرابح مباشرة من السوق الأوروبية. ولكن مؤقتة، فأي إجراء من شأنه أن يضعف الاقتصاد الأوروبي الهش، من شأنه أن يُسرِّع انفجار أزمة الدين الأوروبي، وبالتالي أزمة الدين العالمي، ما يعني فتح الباب للدوّامة الكامنة في الاقتصاد العالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821