الصين تكبح جماح (تماسيحها)...

الصين تكبح جماح (تماسيحها)...

في الشهر الرابع من العام الحالي اجتمع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، وأعلن أن مستويات الخلل في النظام المالي الصيني أصبحت خطرة، وتتطلب إجراءات ضبط عال، فالمديونية مرتفعة بشكل استثنائي، ولكن المؤشر الأكثر لفتاً للأنظار هو من يأخذ مبالغ القروض وماذا يفعل بها؟!

الشركات الخاصة الاستثمارية العملاقة الصينية التي تأسست في مراحل مختلفة بين منتصف الثمانينيات، وخلال التسعينيات، تتغول في النظام المالي الصيني، بعلاقات لا تخلو من الفساد الذي تغدو محاربته عنواناً أساسياً في الصين منذ عام 2013، ورئاسة الرئيس الصيني الحالي شي جي بينغ. فالشركات الكبرى تحصل على الجزء الأكبر من الإقراض الذي يقدمه النظام المصرفي الصيني، ببنوكه الحكومية الكبرى، حيث تتيح ملاءة هذه الشركات وعلاقاتها بجهاز الدولة سيلاً من الإقراض، أدى إلى توسعها بشكل استثنائي، لتصبح العنوان الأبرز في فقاعة أسهم السوق المالية الصينية في شنغهاي تحديداً.
شراء أصول غربية بدين حكومي!
في الشهر الرابع من العام الحالي تم تحديد الاستهداف القادم لضبط السوق المالية ومخاطرها، حيث حدد الرئيس الصيني (تماسيح المال الكبرى التي تهدد الاستقرار المالي وضرورة إيقاف تدفق الأموال خارج البلاد).
وأتت الإجراءات الملموسة بتاريخ 24-6-2017 عندما أطلقت لجنة تنظيم البنوك الصينية حملة تطالب فيها البنوك الصينية، بتسليم معلومات حول ديون شركات محددة من ضمنها أكبر خمس شركات استثمارية صينية، وبيانات حول قروض الشركات الاستثمارية الخمس الكبرى، استثماراتها الخارجية، وتحديداً ملكياتها، في قطاع الترفيه السينما والفنادق والأندية الرياضية في الغرب.
حيث إن الشركات الصينية الاستثمارية أنفقت في عام 2016 مبلغاً قارب: 250 مليار دولار بنمو عن عام 2015 قارب 142%، لشراء أصول شركات غربية، وجزء كبير منها في قطاعات الترفيه والإعلام والرياضة، كالمساهمة في نادي ميلان، وشراء شركة إنتاج في هوليود، وسلاسل فندقية في نيويورك، وغيرها.
وسلوك الشركات الصينية المذكور يتوسع منذ عام 2009، واندلاع الأزمة المالية العالمية، وتتوقع السلطات الصينية بأن ديونها الحكومية هي مصدر أساسي لهذه الأموال، الأمر الذي يساهم عملياً في تراجع احتياطي النقد الأجنبي الصيني، ويهدد استقرار العملة الصينية اليوان، ويضخم من أزمة المديونية.
مجرد مساءلة السلطات وطلبها تدقيق بيانات هذه الشركات، أدت إلى تراجع كبير لقيمة أسهمها في السوق المالية الصينية، حيث خسرت Fosun نسبة 5.8%، و HNA 6.1%، بينما أوقفت الشركة الاستثمارية العملاقة Dalian Wanda تداول أسهمها بعد أن خسرت في يوم واحد نسبة 10% من قيمة هذه الأسهم.
آثار لا بد منها..
يتوقع المتابعون أن أثر عملية التدقيق لن يتوقف عند تصحيح الفقاعة في قيمة أسهم هذه الشركات، بل قد تؤدي الإجراءات المتوقعة بتضييق التدفق النقدي الإقراضي لهذه الشركات إلى تراجع كبير في سيولتها، ومستوى أعمالها.
الإجراءات الحالية تصعيدية ولكن سبقتها منذ بداية العام الحالي إجراءات تقييدية لعمليات إخراج الأموال، أدت عملياً إلى عرقلة الكثير من صفقات شراء الشركات الاستثمارية الصينية لأصول في أوروبا والولايات المتحدة الوجهتين الرئيسيتين لهذه الأموال. حيث إن الصفقات المعقودة في هذا العام أقل من الفترة ذاتها في العام الماضي بنسبة 57%، ويضاف إليها تحقيقات قضائية مع رئيس مجموعة anbang للسؤال حول طرق تمويل عمليات الاستحواذ في الأصول الخارجية.
يتوقع المحللون جميعهم تأثيرات مالية بل واقتصادية للإجراءات الحالية، ولكنهم يرون أن توقيت اتخاذها مدروس، فأداء الاقتصاد الصيني في العام الحالي أعلى من التوقعات، كما أن الإمكانات الضخمة للقطاع المالي الصيني تساعد على تجنب آثار واسعة، فأصول القطاع المصرفي تبلغ 33.68 تريليون دولار، وسوق أسهم واسعة تقدر قيمتها الإجمالية بحوالي 52 تريليون يوان، وقطاع تمويل يبلغ 18 تريليون يوان، وقطاع تأمين يقارب 16 تريليون يوان.

كلما تعقدت أزمات الاقتصاد العالمي، كلما وجدت الصين نفسها مضطرة لمواجهة أعنف مع قوى المال الكبرى التي أنشأتها مرحلة التبني الليبرالي الصيني، والانفتاح على الاقتصاد العالمي، والنمو الكبير في الاقتصاد الصيني. فلن يستطيع مشروع النمو أن يستمر، ولن تستطيع مشاريع التكامل والتعاون الاستراتيجية التي تقودها الصين أن تنجح، طالما أن تهديدات عدم الاستقرار المالي تحيط بالاقتصاد الصيني وتهدد جدياً مساره. فكل تعمق للأزمة واقتراب لآجال انفجار فقاعاتها، عليه أن يزيد من عمليات التضييق المالي على السوق وعلى حركة رؤوس الأموال، ودور أعمق اقتصادياً لجهاز الدولة الصيني الذي يضع حتى اليوم الاشتراكية هدفاً واضحاً صريحاً! وهو ما تظهر معالمه في الصراع المعلن مع رؤوس الأموال الصينية العملاقة اليوم، الأمر الذي لا ينفصل عن عملية محاربة واسعة للفساد الذي ينجم بطبيعة الحال عن هذا المستوى من الانفتاح على سوق المال العالمية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
817