أزمة الخليج اقتصادياً  (عابرة للمحيطات)...

أزمة الخليج اقتصادياً (عابرة للمحيطات)...

الأزمة السياسية في الخليج اليوم لها تبعاتها الاقتصادية، التي وإن كانت قطر ستدفع ثمنها بالدرجة الأولى، إلا أنها لن تقتصر عليها أو على المنطقة بل ستمتد إلى الأسواق الاقتصادية والمالية العالمية..

لا يمكن فصل الأزمة الخليجية عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتجليها في التراجع الأمريكي الذي يضطرهم إلى تغيير السياسات في المنطقة وفي أماكن أخرى، وترك الحلفاء القدماء لمصيرهم، بل وتسريع تدهورهم! 

إنها ليست المرة الأولى التي يدفع فيها الاقتصاد العالمي فاتورة تلك السياسات الأمريكية، فعندما أرادت الولايات المتحدة الضغط على روسيا من خلال تخفيض أسعار النفط، كانت النتيجة تراجع في ميزانيات الدول المنتجة للنفط في الخليج، وأزمة امتدت تأثيراتها لتعمق من أزمة التجارة العالمية وتؤدي إلى تراجع كبير في الطلب العالمي، وتؤثر على حركة الاستثمارات إلى المنطقة ومنها...
وفي حالة شبيهة اليوم، فإن التضييق على قطر لأنها (راعية الإرهاب) ما هو إلا إيعاز أمريكي لحلفائها بتقديم (قربان) تغيير سياساتها في المنطقة، ومؤشر على أن الأزمة السياسية في الداخل الأمريكي تدفعهم إلى اتخاذ قرارات تنعكس بشكل سلبي على الحلفاء المتخمين مالياً في الخليج العربي، وهؤلاء أوزان مالية في الأسواق العالمية، ما يعني انعكاسات مباشرة على المستوى الاقتصادي والمالي العالمي، فدولة قطر وإن كانت دولة ذات مساحة جغرافية ضيقة إلا أن وزنها المالي كبير وارتباطاته واسعة، وهذا يعني أن التراجع القطري لن يكون سهلاً، بل سيؤدي إلى اضطرابات في المنظومة المالية والاقتصادية حكماً..
للأزمة الخليجية-القطرية أضرارها المباشرة على الاقتصاد القطري وأبرزها: إغلاق المعبر البري الوحيد الذي يمد قطر بحوالي 40% من احتياجاتها الغذائية، بالإضافة إلى إغلاق الموانئ أمام السفن القطرية، وتراجع الصادرات النفطية.
ضريبة النفط والغاز
تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم، وهي من أهم المناطق بإنتاج النفط الخام وأكبر مصدر للغاز المسال في العالم حيث تصدر سنوياً ما نسبته 30% من احتياجات السوق العالمية. أكبر مستوردي الغاز القطري هم الصين، الهند، بريطانيا، كوريا الجنوبية واليابان، حيث توجهت قطر مؤخراً نحو السوق الآسيوية لتسويق الغاز. أي: أن إغلاق معبر الفجيرة الإماراتي وغيره أمام السفن التي تنقل الغاز القطري، سينجم عنه نقص في العرض وارتفاع في الأسعار العالمية، الأمر الذي سينعكس سلباً على الصين وباقي المستوردين الآسيويين بشكل أساسي، وعلى أكبر المستوردين العالميين في أوروبا، بينما سيفتح الباب أمام منتجي الغاز العالميين لتعويض خسائر النفط وفي مقدمتهم روسيا التي ستشكل حالة ارتفاع أسعار الغاز العالمية فرصة لها لتعويض خسائر قطاع النفط في السنوات الماضية وستشكل دفعة جديدة في علاقات تبادل الطاقة بين الصين وروسيا. إلى الآن أتى الانعكاس سريعاً على أسعار النفط إذ لم تكد تمضي على الأزمة الخليجية-القطرية أيام حتى انعكست بظلالها على أسعار النفط عالمياً، لترتفع نحو 1 في المائة، كذلك ارتفعت أسعار الذهب مع توجه المستثمرين إليه لتفادي الأخطار.
داخلياً، يعتمد الاقتصاد القطري بشكل أساسي على العائدات النفطية، حيث بلغت الإيرادات النفطية ما نسبته 58% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، يليه قطاع المال والعقارات والخدمات والصناعة التي تشكل مجتمعة ما نسبته 30% من الناتج، أي: أن تراجع الإيرادات مع تراجع الصادرات النفطية يعني خللاً كبيراً في الميزانية القطرية وصناديق استثمارها السيادية ذات التشعبات الواسعة..
الاستثمارات القطرية
جهاز قطر للاستثمار هو صندوق ثروة سيادي مختص بالاستثمار المحلي والخارجي أسسته الحكومة عام 2005 لإدارة فوائض النفط والغاز، ويعتبر تاسع أكبر صندوق سيادي في العالم بموجودات قدرها 335 مليار دولار، تتركز استثماراته على شكل أسهم وأصول أخرى في قطاعات المصارف والعقارات والطاقة والسيارات بشكل أساسي، وتمتد حول العالم من الشرق إلى أوروبا، وروسيا والأمريكيتين.
في ألمانيا تشير التقارير إلى قلق بشأن الأزمة سببه حجم الاستثمارات القطرية وتمركزها في مفاصل أساسية للاقتصاد الألماني، حيث تعتبر قطر أكبر مساهم في بنك دويتشه، وتملك 17% من أسهم فولكسفاغن و3% من شركة سيمنز العملاقة، كما تعتبر واحدة من أهم الشركاء التجاريين مع ألمانيا، حيث بلغت صادراتها من الشركات الألمانية حوالي 2.5 مليار دولار مما يضعها في المرتبة 52 ضمن قائمة المستوردين، وهي ثالث أكبر سوق للصادرات الألمانية في الوطن العربي، بينما بلغت الواردات القطرية إلى ألمانيا حوالي نصف مليار دولار محتلة المرتبة 79 في قائمة المصدرين.
وفي روسيا بلغت الاستثمارات القطرية حوالي مليار و400 مليون دولار بالإضافة إلى حصة من استثمارات بالشراكة مع شركة غلينكور السويسرية بقيمة 11 مليار دولار موزعة على العقارات والطاقة والطرق.
بالإضافة إلى استثمارات بقيمة 622 مليون دولار في العقارات الأمريكية ونسبة 8% من أسهم شركة بروكفيلد التي تملك عقارات رئيسة حول العالم، وحصة 61% من شبكة أنابيب الغاز في بريطانيا والتي تمتلكها الشبكة الوطنية. كما تملك قطر حصة هامة من أسهم مصارف عالمية مثل البنك البريطاني باركليز بحصة تقارب 6% وحصة 8% من المصرف السويسري كريديت سويس. بينما حجم تبادلاتها التجارية مع الإمارات وحدها يصل إلى 10 مليار دولار.
يظهر مما سبق أن الاستثمارات القطرية مرتبطة بقطاعات المال والطاقة والعقارات، وممتدة على مساحات جغرافية واسعة، لذلك فإن التخفيض الائتماني الذي قامت به وكالة موديز العالمية لكبريات شركات النفط والغاز، والصناعة، والعقارات في دولة قطر، سيؤدي إلى تأثر شركات كبرى أخرى بالتخفيض، وأن ترابط المال ضمن المنظومة الرأسمالية اليوم لن يسمح لتراجع رأس المال القطري دون ارتدادات تنعكس على المركز وتعمق أزمته..

تعطي قطر نموذجاً لحجم تشعب الفوائض المالية لدول الخليج وارتباطاتها العميقة بالسوق العالمية في المراكز، ونموذجاً على تحول الثروات الطبيعية لهذه الدول إلى ثروات مالية ترفد المراكز المالية والشركات الكبرى عالمياً وتعود بعوائد كبيرة على (مشايخ النفط)، ولكنها أيضاً تحمل تأثيرات الأزمات الاقتصادية العالمية إلى صناديقهم السيادية، وتحول أزماتهم السياسية-الاقتصادية إلى نقاط اضطراب مالية واقتصادية عالمية...

 

تبلغ مساهمة قطاع النفط والغاز من الناتج المحلي القطري نسبة 57.7% .

تشكل صادرات قطر من الغاز المسال نسبة 30% من احتياجات السوق العالمية.

تبلغ موجودات الصندوق السيادي القطري 335 مليار دولار ويعد تاسع أكبر صندوق عالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
814