لماذا وكيف تسعى الصين إلى تغيير النظام الاقتصادي العالمي؟

لماذا وكيف تسعى الصين إلى تغيير النظام الاقتصادي العالمي؟

يقدم البحث المنشور على موقع rising powers project بعنوان: «دور الصين في إدارة الاقتصاد العالمي، وإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» محاولة لتقييم دور الصين ضمن خارطة الاقتصاد العالمي اليوم.. 

يسعى البحث إلى تقديم إجابات عن الأسئلة التالية: هل نشهد اليوم تغيّراً في موازين القوى العالمية مماثلة لما حدث بعد الحرب العالمية الثانية؟ أم أن الدور الصيني في إدارة الاقتصاد العالمي هو مجرد دور تابع أو مكمل للنظام القائم؟

لتقييم تحول الدور الصيني في إدارة الاقتصاد العالمي، يجب علينا أولاً: تقييم دور الصين داخل المؤسسات الدولية مثل: البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية، حيث إن نظام الإدارة في تلك المؤسسات اليوم ينحى للتكيّف مع الصعود الصيني. بالإضافة إلى دراسة الدور البارز للصين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية لتحديد فيما إذا كان هذا البنك موازياً أو مختلفاً في إجراءاته الإدارية عن تلك الموروثة في المؤسسات الدولية التقليدية. فيما يلي نقدم قراءة لأهم ما جاء في تلك الدراسة.
الهيمنة ضمن المؤسسات الدولية
إن من أبرز الانتقادات الدائمة والموجهة للمؤسسات الدولية التقليدية وخاصة البنك وصندوق النقد الدوليين، هي: السيطرة التاريخية لدول المركز الرأسمالي الغربي على عملية صنع القرار فيها وتغييب دور الدول النامية، وعلى الرغم من الإصلاحات الشكلية المتعلقة بزيادة نسب التصويت للدول النامية في تلك المؤسسات، فإن تأثير الدول الصاعدة مثل: الصين والبرازيل وغيرها لايزال ضعيفاً مقارنة بالولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان.
ومن أحد أسباب عدم الرضى الصيني عن عمل المؤسسات الدولية هو: عدم وجود دعم أمريكي لبعض المشاريع والقروض التي يجري التصويت للموافقة عليها، فالولايات المتحدة لم تدعم سوى نصف مشاريع البنك الآسيوي للتنمية في الصين خلال أعوام 2004-2011 ودعمت نسبة40% فقط من مشاريع الصين في البنك الدولي خلال نفس الفترة، أي أن المشاريع المدعومة هي مشاريع انتقائية تخدم المصالح الأمريكية في نهاية المطاف.
ومن ناحية أخرى فإن عدم وجود عدالة في تمثيل المصالح السياسية والاقتصادية لدول الجنوب هو ما يدفع الصين للسعي نحو دور أكبر داخل تلك المؤسسات، حيث ازداد دورها منذ السبعينات وهو ما يظهر واضحاً على سبيل المثال في أروقة الأمم المتحدة.
فهل تسعى الصين إلى زيادة تأثيرها وإحداث خرق في النظام الدولي القائم؟ أو إلى تغيير النظام القائم وبناء نموذج جديد؟ يرى الباحثون أنها تعمل على الاستراتيجيتين معاً، أي الدفع نحو المزيد من النفوذ، وفي حال التعثر، فإنها تعمل على خلق إطارات جديدة لإدارة الاقتصاد العالمي. وبعبارة أخرى: طالما أن الوضع لا يزال على ما هو عليه ضمن المؤسسات الدولية التقليدية فإن الصين تسعى للالتفاف على تلك المؤسسات، ودعم مؤسسات وبنوك التنمية البديلة.
الإحباط الصيني من المؤسسات الدولية
تعكس اليوم التغيرات الداخلية في البنك الدولي والبنك الأسيوي للتنمية التغير في التأثير الاقتصادي العالمي للقوى الكبرى، حيث تستخدم هاتان المؤسستان الاقتصاديتان العالميتان نظام التصويت القائم على الوزن النسبي للعضو في الاقتصاد العالمي، وخلال العقد الماضي شهدت كل من هاتين المؤسستين تغيراً متزايداً في حجم رؤوس الأموال يتبعها تغيرٌ في الوزن النسبي لأصوات الأعضاء.
توضح الجداول التالية التغير في نسب التصويت للدول الكبرى داخل البنك الدولي والبنك الآسيوي للتنمية بين عامي 2005 و 2015، وتظهر بيانات البنك الدولي تضاعف النسب التصويتية للصين أكثر من مرة ونصف من 2,7 إلى 4,8 خلال تلك الأعوام، وعلى الرغم أن الولايات المتحدة لا تزال تملك أكبر نسبة من الأصوات لكنها تراجعت من 16,3 إلى 16,1 وأيضاً بالنسبة لليابان وبعض دول الاتحاد الأوروبي. كذلك الأمر تظهر بيانات البنك الآسيوي للتنمية تراجع نسبة التصويت الأمريكية بدرجة أكبر من تراجع نسب التصويت الصينية لتكون نسبة التصويت الصينية في عام 2005 هي 5,57% وتتراجع في عام 2015 إلى 5,45%، بينما كان تراجع الولايات المتحدة أكبر ولكن نسبة تصويتها في البنك الآسيوي بقيت 12.79% عام 2015.
نسبة التصويت في البنك الدولي
بناء على ما سبق فإن الوزن النسبي للصين داخل المؤسسات الدولية لا يزال ضعيفاً ولا يعكس الوزن الاقتصادي والسياسي الفعلي لها، وهو ما دفع الصين للبحث عن آليات بديلة تضمن وجود دور لها أكثر فاعلية على خارطة النظام الدولي يتناسب مع وزنها الحقيقي، ومن تلك الآليات اتفاقيات التمويل التعاونية والأموال المخصصة للعمليات الخاصة خارج إطار المؤسسات المالية التقليدية.
الرؤية الصينية الحديثة وإنشاء مؤسسات جديدة
طالما أن الوضع داخل المؤسسات المالية لا يزال يحمل درجة عالية من هيمنة دول المركز الرأسمالي الغربي المتراجعة، فما هي خطة الصين لتغيير الوضع القائم؟ حسب الكاتب إن الصين عملت على استخدام القوة الناعمة لمواجهة النظام أحادي القطب الذي تبع الحرب الباردة، من خلال العمل على زيادة وزنها وتأثيرها داخل المؤسسات القائمة من جهة والعمل على خلق البدائل من جهة أخرى.
منذ عام 2000 تحولت الصين من دولة متلقية للمساعدات الدولية إلى واحدة من أكبر الدول المانحة لتلك المساعدات، وخاصة للدول المعزولة دولياً بسبب مواقفها السياسية مثل: إيران، كوبا وبورما. مما جعل الولايات المتحدة تصب جهودها في محاولة ردع الدول الأخرى من اللحاق بالركب الصيني. ورغم الجهود الأمريكية، فإن البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية أعلن عام 2016 عن مشاريع استثمارية في الصين برأس مال أولي يصل إلى 100 مليار دولار. ويعتبر هذا البنك محطة جديدة في عالم التمويل الاستثماري فبالنظر إلى ممارساته نجد أنها تختلف عن القواعد التنموية التقليدية في المؤسسات المالية الدولية الأخرى. وهي ممارسات أقل شروطاَ وأكثر مراعاةً لظروف الدول المستدينة كما أنها تقوم على أسس التعاون المتبادل.
ويرى البعض أن البنك الأسيوي للاستثمار في البنى التحتية هو واحد من أدوات المشروع الصيني لبناء نموذج اقتصادي عالمي بديل متمثل بشكل رئيس في مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» التي تسعى إلى إحياء طريق الحرير التاريخي وتوسيعه. أي: أن إنشاء هذا البنك هو إشارة صينية على ضرورة وضع حدٍ لممارسات المؤسسات المالية التقليدية القائمة.
ففي عام 2013 العام الذي طرحت فيه مبادرة إنشاء البنك، أكد الرئيس الصيني أن سياسة الإقراض وتقديم المساعدات من قبل البنك ستتم بعيداً عن الشروط السياسية المتبعة في المؤسسات المالية الغربية، أي: أن البنك سيكون جزءاً من الرؤية الصينية الشاملة نحو إدارة جديدة للاقتصاد العالمي. كما أن النوايا المعلنة لبعض الدول الأوروبية بالانضمام إلى هذا البنك تشير إلى النظام العالمي ذي الهيمنة الأمريكية والمستمر منذ عقود بدأ يشهد تحديات جدية.

*الأوزان في الاقتصاد العالمي تتغير، والمراكز تتأزم وينفتح الأفق أمام القوى الصاعدة لتغير موازين القوى ليس اقتصادياً فقط! بل بكل ما يستتبعه الوزن الاقتصادي من مهمات في السياسة الدولية، والتي لن تكون بنوك التنمية الجديدة التي تقود قاطرتها الصين سوى واحدة من التجليات الأولى...

معلومات إضافية

العدد رقم:
813