مليون هكتار من القمح...  وإنتاج بـ 400 مليون دولار تقريباً..

مليون هكتار من القمح... وإنتاج بـ 400 مليون دولار تقريباً..

1,1 مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي لا تزال قيد الإنتاج في سورية، وقد زرعت بالقمح في موسم العام الحالي، كما تشير التقديرات، ومن هذه المساحات فإن الإنتاج المتوقع لموسم 2017 الذي بدأت بواكير حصاده قد يبلغ 2,17 مليون طن! وفق تصريحات رسمية لوزير الزراعة، ولكن بعيداً عن التصريحات الرسمية فإن أرقام الغلة الوسطية في العام الماضي تقول: بأن مساحة كهذه ستنتج قرابة 1.5 مليون طن..

وبعيداً عن تقدير كميات الإنتاج الدقيقة، وهو الأمر الصعب في الظروف الحالية، إلا أن هذه الثروة الزراعية التي تقدر قيمتها في العام الحالي بحوالي: 400 مليون دولار تقريباً، بإنتاج 1,5 مليون طن، وسعر 140 ليرة، أي حوالي 270 دولار للطن، لا تزال مستمرة نسبياً، تدفع استمرارية إنتاجها عائديتها الجيدة في بعض المناطق، ومرابحها الهامة للوسطاء مع الطلب الواسع والمضمون على القمح ومنتجاته!

بين الجزيرة وسهل الغاب نطّلع على معطيات إنتاج القمح في سورية، ومآلات تسويقه...
قمح الجزيرة
(أربح) والمازوت هو السر
تقدر تكاليف الكغ من القمح المروي في الجزيرة السورية لهذا الموسم بحوالي 51 ليرة للكغ، وقرابة 20500 ليرة للدونم، بينما سعر البيع المحدد حكومياً يبلغ 140 ليرة للكغ. بعائد من كغ القمح يقارب 89 ليرة، ونسبة 74% ربح، وهي تقارب نسب الأرباح قبل الأزمة حيث كانت التكلفة تترواح بين 25-30% من السعر.
أي أن نسبة العوائد في الجزيرة لم تتغير كثيراً، لكن مع ذلك فإن مساحات القمح في الجزيرة لا تتوسع، حيث تقدر مساحات زراعة القمح في الجزيرة هذا العام بحدود 443 ألف هكتار، بينما القابلة للحصاد منها 369 ألف هكتار، أما التقديرات الرسمية للعام الماضي فتشير إلى أن المساحات المزروعة فعلاً كانت قد قاربت 472 ألف هكتار، بينما التقديرات المحلية كانت تشير إلى أن المساحات المزروعة لم تتعدَّ 394 ألف هكتار، أي بكافة التقديرات فإن المساحات لا تتراجع كثيراً، ولا تتقدم. ورغم أن العوائد لا تزال مجدية في الجزيرة، إلا أن منافسة منتجات أخرى تصديرية كالنباتات الطبية تدفع المزارعين إلى عدم توسيع مساحات زراعة القمح، حيث تصل عوائد زراعة حبة البركة واليانسون إلى أكثر من 600-700% من التكلفة!
التكاليف في الجزيرة لا تزال تتماشى مع الأسعار، والنقطة المفصلية في هذا الانخفاض في التكلفة والمحافظة على الجدوى، هي أسعار المازوت المنخفضة في المنطقة، والتي لا تتجاوز 43 ليرة للتر، بالإضافة إلى تكاليف الحصاد التي لا تتجاوز 2500 ليرة للدونم، بعد تحديد السعر للحصادات في المنطقة.
سعر التجار أقل بـ 28%
ستبلغ قيمة إنتاج القمح في الجزيرة حوالي 108 مليون دولار، بكميات قد تقارب 400 ألف طن، وسعر الحكومة محولاً للدولار أي حوالي 270 دولاراً للطن، ولكن هذه القيمة لن تعود للفلاحين لأن الجزء الأعظم منهم لن يبيع لمراكز التوزيع الحكومية مباشرة، التي لا يصل إليها إلا نسبة تراوحت في العامين الماضيين بين 15-20% من الإنتاج الكلي المقدر، بينما قرابة 80-85% من الإنتاج تدور في السوق، ولا تصل للحكومة مباشرة أو في أوقات الجمع الأساسية بل لاحقاً.
يفضل المزارعون ألا يتكلفوا على العتالة والنقل والأكياس والرشاوي والحواجز، والتي تشكل نسبة تفوق 10% من تكلفة الكغ، بل يبيعوا للتجار بأسعار تتراوح اليوم في الجزيرة بين 100-110 ليرة للكغ، وأقل من السعر الرسمي بمقدار 28%، بينما هؤلاء التجار لن يسلموه للحكومة بالضرورة، فمرابح بيعه في وقت لاحق وتحديداً في الشتاء أعلى، حيث ارتفع سعر كغ الطحين بنسبة 50% عن سعر القمح في الحسكة في شتاء العام الماضي رافعاً معه أسعار القمح المخزن، كما أن بيعه إلى حلب ودمشق يؤمن أسعاراً أفضل من السعر الحكومي كلما اقترب الشتاء، حيث يباع لاحقاً للحكومة بسعر أعلى، أو لتأمين حاجات بعض الصناعات الغذائية المرتبطة بالقمح مثل: الفريكة والبرغل التي أسعار الكغ منها تبلغ 10 أضعاف سعر القمح في حالة الفريكة، وثلاثة أضعاف في حالة البرغل.
أما التهريب كوجهة للقمح المنتج، فيبدو من المقارنات بأنه غير مجدٍ في الفترة الحالية من العام، وبالسعر الرسمي الحالي الذي يقارب 270 دولاراً للطن، فالنشرات الرسمية التركية لأسعار واردات القمح بأنواعها تشير إلى سعر وسطي يقارب 265 دولاراً للطن، وهو أقل من السعر الرسمي المحلي في هذا العام، بينما قد تكون جدوى التهريب أعلى في مناطق مثل ريف حلب، حيث تركيا منفذ أساسي للتصريف في الظروف الحالية.
سهل الغاب.. زراعة القمح (هامشية)
في منطقة سهل الغاب لم يعد القمح يزرع إلا لإراحة الأراضي وتنويع المحاصيل الضروري بين سنة وأخرى، بينما من حيث الجدوى فإن عوائد القمح ضئيلة ومخاطر الخسارة موجودة بشكل جدي.
فالتكلفة في منطقة السقيلبية للكغ أكثر من ضعف التكلفة في الجزيرة، حيث تكلفة الكغ تقارب: 110 ليرة، وتكلفة الدونم المروي قرابة 44 ألف ليرة، أي: أن العائد بالمقارنة مع السعر الرسمي لا يتجاوز 27%، وإذا ما أضفنا ريع الأرض إلى التكلفة، وهو ما يستحق للفلاح من ملكيته لأرضه والذي يقارب نسبة 25% من التكلفة، فإن المرابح الفعلية لا تتعدى 2%، أي أن صاحب الأرض كان يستطيع أن يؤجر أرضه هذه ليحصل على 13 ألف ليرة مقابل الدونم، وفق وسطي أسعار الأجار في السقيلبية لهذا العام، بينما سيحصل من زراعتها على عائد لا يتجاوز 12 ألف ليرة إذا ما أنتجت 400 كغ في الدونم! أي: عائد التأجير الوسطي أعلى من عائد الزراعة...
المازوت الغالي..
والآليات المحتكرة
التكاليف المرتفعة تعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار المحروقات، والري، وتكاليف الحصاد المرتفعة، فليتر المازوت في سوق المنطقة يقارب 350 ليرة للتر، ورغم أن المزارعين قد حصلوا على وقود من الحكومة بسعر 195 ليرة للتر، إلّا أن هذا لم يؤثر على تكاليف العمليات الأساسية التي تستخدم الوقود كالفلاحة، والري والحصاد، والتي تكاليفها يتحكم بها مالكو الآليات اللازمة أي: الجرارات والحصادات وشبكات الرذاذ للري، وهؤلاء يشترون المازوت الحكومي الموزع من المزارع، ويطلبون فوقه سعراً مرتفعاً لعمليات الفلاحة والحصاد والرذاذ.
فأصحاب الحصادات على سبيل المثال: طلبوا سعر 5000 ليرة لحصاد الدونم وسطياً، أما أصحاب شبكات الري بالرذاذ والجرارات المطلوبة لها فطلبوا أيضاً سعر 6000 ليرة لري الدونم برية واحدة، أما جرار الفلاحة فيطلب 7500 ليرة للدونم. وتكاليف هذه العمليات في الجزيرة لا تتعدى 2500 ليرة للحصاد، و3200 للري، و2000 ليرة للفلاحة والإبذار سوية! فأسعار المحروقات المنخفضة في السوق تؤثر على مستوى أسعار العمليات الزراعية ككل، وتقلل إمكانية فرض السعر الاحتكاري كما في حالة الغاب.
الحكومة باعت بذار شعير مع القمح..
ثم (جرمته)!
من أنتجوا قمحاً في منطقة السقيلبية وسهل الغاب لن يتجهوا كذلك الأمر إلى مراكز التوزيع الرسمية بشكل كبير، لأن البيع المباشر للتجار الذي أصبح متاحاً في ظل الفوضى الحالية أسهل، ويؤمن حصولهم على قيمة منتوجهم نقداً وبسرعة، بينما في مراكز التوزيع فإنه عدا عن كلف النقل والرشاوى والعتالة وغيرها، فإن تجريم القمح، أي: حساب نسبة الشعير والقش الموجود في القمح، وتخفيضه من السعر حيث يشير المزارعون في المنطقة إلى أن نسبة الشعير عالية في القمح فعلاً إلا أن السبب يعود إلى البذار الموزع حكومياً، والذي تشير تجربتهم إلى أنه يحتوي على نسبة 5-7% بذار شعير، عوضاً عن القمح، وتظهر هذه بعد الزراعة، وتحاسب الحكومة المزارعين على وجودها!
لذلك فإن أغلبهم يفضل البيع بأسعار أقل للتجار الذين إن سلموا للحكومة فإن باستطاعتهم أن يحصلوا على نسب تجريم أقل، وسعر أعلى لأن قدرتهم على دفع الرشاوي أعلى، وقد اشترى التجار من المزارعين في العام الماضي بأقل من السعر الرسمي بنسبة 20%، أي بسعر 80 من أصل 100 للكغ سعر العام الماضي، بينما باعوا للحكومة بسعر 89 ليرة للكغ أي بنسبة تجريم لا تتعدى 2%.
وبناء على ما سبق فإن مزارعي الغاب لم يعودوا مهتمين جدياً بزراعة القمح، فالمنطقة التي حيازاتها الزراعية صغيرة وتستمر بالتفتت، عليها البحث عن عوائد مرتفعة، ولا يمكن أن يكون القمح الذي قد يحقق ربحاً 12 ألف ليرة بالدونم خياراً أساسياً، مقابل النباتات الطبية التي تحقق عوائد في المنطقة تبلغ قرابة 500% في العام الحالي فالإنتاج قيمته 50 ألف، والكلف 10 آلاف ليرة، بينما في العام الماضي كانت قيمة الإنتاج 80 ألف، والعائد قرابة 700%، حيث انخفض السعر بنسبة 50% تقريباً خلال عامين بسبب زيادة كميات الإنتاج مقابل عدم زيادة الطلب، حيث تجار قلة يقومون بتصدير هذه الكميات الكبيرة من النباتات الطبية والعطرية كحبة البركة واليانسون بالدرجة الأولى.
المستثمرون يعملون في الغاب
والمزارعون يؤجرونهم الأراضي
بالمقارنة بين الجزيرة ومنطقة الغاب، فإن ظاهرة تأجير الأرض، متسعة في الغاب، حيث يكثر وجود مستثمرين (أي مزاعرون كبار قادروضن على تمويل زراعة مساحات كبيرة) يستأجرون الأراضي ويزرعونها في الغاب، أكثر مما تنتشر هذه الظاهرة في الجزيرة، ويدل على ذلك الأجار المنخفض لدونم الأرض في السقيلبية على سبيل المثال حيث يدفع المستثمر لصاحب الأرض 12-13 ألف ليرة بالدونم، بينما قد يحقق عوائد منه تقارب 50 ألف إذا ما زرع حبة البركة على سبيل المثال، أو بنسبة 25% أجار لصاحب الأرض.
بينما النسبة أعلى في الجزيرة حيث تترواح بين 30- 50% حسب المناطق، وفي بعض الحالات يساهم صاحب الأرض ببعض تكاليف الحصاد، ولكن مع ذلك النسبة أعلى من الغاب، ما يدل على الإنتاجية الأعلى للأرض، وعلى عدم توسع الظاهرة وبالتالي عدم وجود مساحات كبيرة معروضة للأجار، كما هو الحال في سهل الغاب.
والسبب يعود بالعمق إلى العائدية المنخفضة مع ارتفاع التكاليف الكبير في المنطقة من جهة، ولكن السبب الأهم هو التفتت الكبير في الحيازات الزراعية التي كان وسطي الحيازة فيها 25 دونماً فقط في عام 2010، فإذا ما توزعت إلى 4-5 قطع من الأراضي، فإن بعض الحيازات لا تتجاوز الـ 5 دونم اليوم، وبناء عليه فإنك كمزراع ستتجه حكماً إلى البحث عن طرف مستثمر يدفع أجار الأرض ويزرعها بما يشاء، وبهذه الحالة فإن الضامن أو المستثمر لن يقوم بزراعة الأرض بالقمح، بل سيزرعها بما هو ذو عائد أعلى لأنه سيدفع الربع لصاحب الأرض، أي لن يبقى له عائد يذكر إذا ما زرع قمحاً!
وتصل ضمانات البعض إلى 300- 400 ألف دونم في منطقة وسطي الحيازة فيها 25 دونم للأرض، تزرع هذه بأنواع مختلفة لكن أهمها النباتات الطبية وبعض أنواع الخضار التي تتقلب مرابحها حسب أسعار البازار وسوق الهال المتقلبة لحد كبير بين عام وآخر...

 

الخمس بالحد الأدنى للتجار!

يصل إلى الحكومة قرابة 20% من إنتاج القمح في الظروف الحالية، بينما 80% من هذه الثروة توزع عبر التجار، أي ما قيمته بأسعار القمح لهذا العام 320 مليون دولار، فإذا ما اشترى هؤلاء من المزارعين بسعر 110 ليرة للكغ، وباعوا بسعر 140 ليرة للكغ فقط فإنهم يحصلون على خمس قيمة القمح المنتج أي على حوالي 67 مليون دولار، وقد ترتفع هذه الأرباح في حالة تخزين القمح وبيعه لاحقاً مع ارتفاع الأسعار وفي أوقات الأزمات، من هذه الحصة يحصل القادرون على فرض أتاوات أي: عبر الحواجز بأنواعها والمعابر وغيرها على نسبة هامة من حصة التجار، ومن عمليات نقل للقمح كلها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
812