التشاركية في الإسكان: ربح المستثمر أم حق 50% من السوريين بالتعويض؟!

التشاركية في الإسكان: ربح المستثمر أم حق 50% من السوريين بالتعويض؟!

المجلس الأعلى للاستثمار، أقر وبخبر مقتضب أن مستثمرين وبالتعاون مع المؤسسة العامة للإسكان، ومع المصارف العامة، أسّسوا سويةً (شركة عقارية وطنية مشتركة)، كل ما هو معلوم ومنشور عنها هو: رأس مالها البالغ 50 مليار ليرة..

إقرار الشركة الجديدة، مع المساحة الإعلانية، التي تفردها بعض صحف رجال الأعمال في سورية (للتشاركية وأفقها)، تدفع إلى طرح بعض الأسئلة حول هذا الشكل من التشاركية، وفي قطاع الإسكان تحديداً، حيث يجتمع (شَرَهُ الربح العقاري) مع أكثر من 11 مليون سوري ينتظرون تعويضهم عن بيوتهم المدمرة..

تبلغ حصة الشريك المستثمر (قلعي وزبيدي) نسبة 40% من الشركة الجديدة التي أعلن عنها بعد إقرار الموافقة للتشارك مع المؤسسة العامة للإسكان التي بحصة 25%، والمصارف العامة وتحديداً العقاري بحصة 10%، وأسهم أخرى ستطرح للاكتتاب العام.

لا نستطيع أن نناقش تفاصيل عقد الشراكة، لأنه غير معلن، كما تجري العادة في التكتم الحكومي على تفاصيل في إدارة المال العام! ولكننا يجب أن نذهب إلى ما هو أبعد من التفاصيل، وإلى أساس الفكرة، فشراكة بحصة 40% لمستثمر خاص، تعني حصةً من الأرباح بما يقارب هذه النسبة على الأٌقل، وتعني عملياً أن قطاع الإسكان في مرحلة إعادة الإعمار، عليه أن يكون قطاعاً رابحاً، وجزءاً هاماً من أرباحه ستعود للشركاء.

ما ثمن حتمية الربح؟!

قد يقول البعض: إن هذا الأمر بديهي، فالربح (حق طبيعي) للمستثمر! ولكن هذه (الحتمية)، تقابلها نتائج حتمية أيضاً في ظرف الكارثة السورية: فالقيام بمهمة الإسكان بمنطق الربح، يعني عملياً أنه على 11 مليون سوري تقريباً خرجوا من بيوتهم المدمرة، أن يدفعوا تكاليف إعمارها، بعد أن دفع غالبيتهم جنى عمرهم لملكيتها، وعليهم أن يدفعوا بأسعار اليوم، ومع ربح إضافي يعود للمستثمرين المشاركين في العملية؟!ألا يفترض أن يُدفع لهؤلاء، عوضاً عن أن يدفعوا؟! وإن وجد من يدفع عنهم لاحقاً، أي يدفع لهم تعويضات، فلماذا لا تخصص أموال التعويضات، لتمويل قطاع الإسكان، وتقديم التعويض سكناً لمن خسروا بيوتهم؟!

يقول البعض: بأن المسألة معقدة، وتحتاج إلى أموال كثيرة، لا يمتلكها جهاز الدولة المثقل فعلياً بالفساد، وبناءً عليه لا بد من القبول بحصة الشركات والمستثمرين من الربح! ولكن بالفعل المسألة معقدة، إلى الحد الذي يتوضح فيه أن وجود نسبة ربح مجزية للمستثمرين، واستمرار عقلية الربح، ستوسع من نسبة الفساد في إدارة المال العام في قطاع الإسكان كما غيره، ونسبة فساد في إدارة القروض العامة للمستثمرين، واستمرار جميع ما سبق، يعني عملياً عدم إنجاز المهمة، والتي هي بالدرجة الأولى: حق قرابة 60% من السوريين بتعويض السكن.

هناك واحد من الثمنين يجب أن يدفع: إما التنازل عن حق هؤلاء، وتدفيعهم ثمن الدمار، أو إدارة مهمة تأمين المأوى خارج عقلية (الشَّره العقاري)، أي التنازل عن جزء هام من حصة الأرباح في قطاع الإسكان في سورية خلال مرحلة الإعمار.

الأرض لسكانها

أما كيف من الممكن مواجهة أزمة السكن، بالحد الأدنى من أموال المستثمرين؟! فينبغي البحث عن إجابة رقمية وبالأدلة، وهذه عملية بحثية لا مجال لاستعراضها هنا، لكن يمكن الإشارة إلى اتجاهات البحث الأساسية:

لكي تتقلص للحد الأدنى حصة المستثمرين، وللحاجة لرؤوس أموالهم في هذا القطاع، يجب أن يتم تخفيض تكاليف قطاع الإسكان، للحد الأقصى الممكن، وتخفيض أسعاره. وهذا أولاً: يتضمن تكلفة الريع العقاري وأسعار الأرض التي تقارب 40% من كلفة السكن في سورية. حيث يمكن إلغاء هذه التكلفة على أراضي مناطق مشاريع إسكان من خسروا بيوتهم، أي نسبة 60% من السوريين، وبالتالي حصة هامة من السوق!

وهذه العملية تتيح، تحديد المواقع والأراضي، التي يجب أن تكون تجمعات سكانية في مواضع الدمار، وتتيح إعادة تنظيم المدن والتجمعات السكانية الكبرى في سورية، وتتيح تنظيم أماكن السكن والأراضي الزراعية في جزء واسع من الريف السوري، وتخرج قرابة مليون ونصف عقار مدمر في سورية ينبغي إعادة بناءها من سوق البيع والشراء، مع ما يحمله هذا من تأثير على مجمل هذه السوق، بانخفاض تكاليف السكن، والآجار، وأسعار العقارات، وانخفاض المستوى العام للأسعار، وزيادة الدخل الحقيقي تحديداً للأجور.

الحديد دون احتكار

كما يمكن تخفيض تكلفة مواد البناء، كالحديد بالدرجة الأولى: المادة الأساسية المستوردة، التي ينبغي أن تنتهي مرحلة احتكارها الطويلة في سورية، وينتهي معها ما جمع من أرباح ضخمة. اليوم على سبيل المثال: سعر طن حديد البناء في بداية شهر 2-2016 بلغت قرابة 560 دولار للطن، بينما السعر العالمي للاستيراد من البحر الأسود FOB يتراوح بين 360-420 دولار للطن، وكذلك السعر تقريباً في مصر.

فعملياً البحث عن عقود استيراد طويلة الأمد، وبتسهيلات دفع،  بين الدولة مباشرةً ودولة كالصين مثلاً الرائدة في واردات حديد البناء، ومستلزمات تصنيعه، يتيح تخفيض التكلفة، ومركزة الاستيراد منخفض التكلفة، وتوزيعه للمنتجين، لتحصل الشركات المحلية المصنعة على عائد منطقي  متناسب مع ظرف إعادة الإعمار، وإنهاء مرحلة (الصناعي- المستورد- المحتكر) التي سادت هذا القطاع كما غيره!

أو أن نقوم بالحصول على التعويضات المستحقة للسوريين من الدول التي ساهمت في الحرب، على شكل بضائع مجانية، كأن نحصل على التعويضات الواجبة من تركيا على شكل حديد بناء مجاني، على سبيل المثال لا الحصر. 

أو أي حلول أخرى، عدا عن الوضع السابق والحالي، حيث يحتكر استيراد الحديد، أو تجميعه خردة، ثم تصنيعه من قبل مجموعة ضيقة جداً، تدير مسألة الاحتكار وتحديد الأسعار فيما بينها..

ينتقل أصحاب رؤوس الأموال والنفوذ السوريين اليوم، من الاستثمار في مرحلة الدمار، إلى تهيئة أنفسهم للاستثمار في مرحلة إعادة الإعمار. لتتحول على سبيل المثال: أرباح (تعفيش) بقايا دمار منازل السوريين، من حجر ومعدن وأثاث، وغيرها، إلى (أموال بيضاء) قد تمول شراكات مع جهاز الدولة. إلا أن حجم الكارثة السورية، قد لا يتيح لهؤلاء وغيرهم مقاومة الحجم الكبير للمهمات الاقتصادية- الاجتماعية الكبرى، التي تتناقض مع الضيق الشديد لمنطق تدوير عمليات الاستثمار والإعمار لمصلحة  بعض القلة القليلة السابقة واللاحقة، وستكون أمام السوريين فرصة الاختيار: بين ربح قلة من المستثمرين في قطاع الإسكان على سبيل المثال، أم حق أكثر من نصف السوريين بالتعويض عن مساكنهم، وحق جميع السوريين بالسكن المحترم.

40%

تشكل تكاليف الأرض في سورية نسبة تقارب 40% من تكاليف العقار، وتصفير سعر الأرض يتيح تخفيض التكاليف بهذه النسبة.

34%

إن سعر حديد البناء المحلي احتكاري، وأعلى من التكلفة العالمية بنسبة 34%، وإنهاء الاحتكار يتيح تخفيض التكاليف بهذه النسبة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
798