حول مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي الإصلاح الاقتصادي والنمو الاقتصادي
يجري نقاش نشيط حول مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي وإن كان هذا يدل على شيء فإنه يدل على أهمية الموضوع المطروح وحساسيته بالنسبة للفئات الاجتماعية المختلفة.
وإن كان المشروع المطروح قد عالج فكرة الإصلاح وركز على الجوانب القطاعية منه، إلا أنه لم يستطع أن يظهر الترابط والتكامل بين السياسات الأساسية التي يجب اتباعها من أجل الوصول للهدف المطلوب.
فمثلاً كيف يجب أن يتم الربط والوصل بين السياسة الأجرية والسعرية والضريبية والاستثمارية لكي تخدم كلها بمجملها الهدف الموضوع، هذا ما لم يستطع المشروع إظهاره بشكل واضح.
مفهوم الإصلاح
الإصلاح كي يكتمل كمفهوم يجب أن يتضح هدفه القريب والمتوسط والبعيد والوسائل والآليات التي يجب أن تتبع للوصول لهذه الأهداف، ومن الواضح أن الهدف الأساسي للإصلاح الاقتصادي هو تطوير الاقتصاد الوطني، ولكن أي تطوير؟ ومصلحة من من الفئات الاجتماعية يجب أن يخدم بالدرجة الأولى؟ هذا ليس واضحاً تماماً في المشروع نفسه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كان المشروع قد وضع هدف 3 % نمو سنوي، فإنه لم يوضح لماذا 3 % تحديداً،ولم يضع هدفاً متوسطاً وبعيداً في هذا المجال، مما يبقي رقم 3 % معلقاً في الفراغ وغير قادر على تبرير نفسه.
كما أن عدم وضوح الترابط بين السياسات الأساسية المذكورة أعلاه وكيفية تخديم إحداها للأخرى يجعل هذا المشروع ناقصاً ولا يؤسس لبرنامج حقيقي.
إذاً، إذا كان واضحاً الهدف القريب فهو غير مربوط بالأهداف البعيدة مما يجعله غير قابل للتطبيق وإذا كانت البرامج القطاعية واضحة فهي غير مربوطة بالسياسات العامة التي هي نفسها غير مترابطة فيما بينها ما يجعل البرامج القطاعية في التطبيق مع الزمن حبراً على ورق.
إن أي إصلاح حقيقي يجب أن يستند إلى نقطتين:
تطوير الاقتصاد الوطني بشكل مدروس وعلمي بحيث يجري التحكم بنسب النمو فيه التي يجب أن يكون هدفها تحسين مستوى معيشة الناس.
فبأي وتيرة يجب أن يتحسن مستوى معيشة الناس، هذا ما يحدد نسب النمو المفترضة وليس العكس، أي أن نسب النمو المقترحة لا تؤخذ إسقاطاً من الواقع الحالي وإنما تؤخذ من ضرورات تحسين مستوى معيشة الناس لاحقاً.
كيفية تحقيق النقطة المركزية للإصلاح
كل الدراسات والإحصاءات تشير إلى أن مستوى الدخل لا يتناسب مع مستوى المعيشة وهو يتطلب رفع حجم الدخل الوطني ضعفين وثلاثة أضعاف من الحالي، وإذا استندنا إلى الأرقام المفترضة في المشروع، فإن الوصول إلى هذا الهدف سيحتاج إلى عشرات السنين، وهو أمر غير معقول وغير صحيح اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
إن تحقيق نمو معقول وممكن للدخل الوطني يتطلب مضاعفته خلال السنوات السبع القادمة من أجل حل المهام الاقتصادية والاجتماعية الكبرى المطروحة أمام البلاد وهدف كهذا يتطلب نمواً سنوياً لا أقل من 7 %. وهذا الرقم ليس اعتباطياً وإنما مشتق من ضرورات الواقع بينما الرقم المقترح يستند في أحسن الأحوال إلى تصورات مبنية على أرقام السنين الماضية.
إن طريقة حل مسألة النمو بهذا الشكل لن تعالج المشاكل التي تنتصب أمام بلدنا ومجتمعنا وإنما ستزيدها تعقيداً لأن الواقع سيفرض عاجلاً أو آجلاً البحث عن وسائل تسريع النمو لمصلحة البلد والمجتمع.
إن 3% من النمو إذا تحققت لن تفعل شيئاً إلا المحافظة على الواقع الموجود في أحسن الأحوال.
موضوع تحديد نسب النمو ومصادره
إذا كانت مضاعفة الدخل الوطني خلال عشر سنوات تتطلب نمواً قدره حوالي 7% فما هو حجم الاستثمارات والتوظيفات التي يجب أن تتحقق لتنفيذ هذا المعدل.
إن التوظيفات الجديدة يحددها بنهاية المطاف حجم التراكم المتاح في الدخل الوطني، أي الدخل الوطني محذوفاً منه حجم الاستهلاك والمعروف في التجربة العالمية تاريخياً أن حجم نمو 0% يتطلب اقتطاع 10 % من الدخل الوطني لتوظيفها في مجال التجديد والاستبدال لتعويض الاهتلاكات السنوية فما هو إذاً حجم التراكم للوصول إلى 7 % من النمو؟ إن 1 % من النمو يحددها فعالية الرأسمال الموظف أي مردوده. فمردود الـ100 ليرة توظيفات يمكن أن يكون 10 ليرات أو 20 ليرة أو 30 ليرة سنوياً، وهذا متعلق بفعالية الاقتصاد الوطني ودرجة تطور القوى المنتجة وإنتاجية العمل ودرجة التطور العلمي التكنيكي ومستوى تأهيل اليد العاملة وكذلك مستواها المعاشي…
سنفترض أن مردود الرأسمال في ظروف بلادنا هو 20% أي كل 100 ليرة سوري تعطي مردوداً مقداره 20 ليرة سورية سنوياً، وهذا الرقم ليس بالقليل وليس بالكثير، ولا يعقل أن يكون المردود أقل منه كي يكون الاقتصاد فعالاً مع أنه يمكن أن يكون أقل من ذلك في ظروف بلادنا. وليس هناك حتى الآن دراسات دقيقة حول هذا الموضوع.
في هذه الحالة سيتطلب 1 % من النمو 5 % تراكم من الدخل الوطني، بينما سيتطلب الـ 7% من النمو تراكماً حجمه حوالي 7*5 = 35 % وإذا أضفنا إليها الـ 10 % الأولى يصبح لدينا 45 % أي أن الحجم الضروري للتراكم لتنفيذ المهام المطلوبة يجب أن يكون بحدود 40 % في حدوده الدنيا، بينما 3 % المفترضة تتطلب تراكماً قدره 25 % من الدخل الوطني في أحسن الأحوال بينما 40% ستحقق نمواً متسارعاً وهو المطلوب بالنسبة لبلد كبلدنا. وهذه الـ 40 % تعادل عملياً حوالي 300 مليار ل.س سنوياً. بينما الـ3 % تتطلب حوالي 200 مليار ل.س سنوياً.
لأول وهلة يظهر أن الرقمين خياليان غير قابلين للتطبيق في ظروفنا الملموسة إذ أنه لم تصل نسب التراكم لسنوات عديدة إلا لحوالي 12 % مما يفسر نسب النمو المقاربة للصفر في السنوات السابقة.
المسألة الأساسية هي مصادر هذه التوظيفات فنمو التراكم لابد أن يتم على حساب الاستهلاك الذي يدخل ضمنه مجموع الأجور والأرباح. فعلى حساب من يجب أن يتم هذا التراكم. على حساب الأجور المحددة أصلاً؟ أم على حساب الأرباح التي انفلتت في السنوات الأخيرة وخاصة في المجالات غير المشروعة.
بيت القصيد
إن الدراسات المختلفة تدل أن 20% من الدخل الوطني ينهب بأشكال مختلفة من قبل البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية، مما يحد من الاستهلاك الشعبي العام ومن قدرة الاقتصاد على تحقيق التراكم المطلوب للنمو اللاحق. إن الحد من هذا النهب سيؤمن المصدر الأساس للنمو المطلوب ولا حل غير ذلك وإلا سنظل ندور في حلقة الأهداف المعلنة وغير القابلة للتحقيق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 180