معاناة فلاحي الغاب

يعتبر محصول القطن من أهم المحاصيل الاستراتيجية في سورية ويأتي في المرتية الثانية بعد البترول في تأمين القطع الأجنبي وله أهمية اجتماعية لا تقل عن الأهمية الاقتصادية حيث يعمل بزراعة المحصول وتسويقه وحلجه وصناعة الغزول والنسيج والزيوت ما يقارب 30% من العمالة السورية، وحتى مواشي المربين تستفيد من رعي بقايا المحصول في نهاية الموسم، كما يمكن استخدامه حطباً للتدفئة. إذن، فآلاف العائلات في سورية ترتبط مصلحتها بزراعة هذا المحصول الهام.

لقد فوجئ فلاحو الغاب بتخفيض المساحات التي ستزرع قطناً بما لا يقل عن /55000/ دونم، وظن الفلاحون أن هذا التطبيق سببه قلة المياه، ولكن تبين فيما بعد بأن الدولة أمرت بتخفيض المساحة بحجة أنها لا تستطيع تصريف المنتوج! وأنها ستخسر من جراء تسويق المنتوج في السوق العالمية، وقد طرحت الدولة سعرين لشراء الكيلو غرام الواحد من القطن:

الأول: بـ /30.75/ ل.س لإنتاج الأرض المزروعة وفق الخطة المقررة.

الثاني: وحسب سعر السوق وفق قانون العرض والطلب لإنتاج الأرض المزروعة خارج الخطة.
صحيح أن الخطة الزراعية وحسب القانون /14/ جاءت لتنظيم الإنتاج الزراعي، وزيادة مردوده وتحسين نوعيته، وهذه معادلة فيها طرفان، الطرف الأول فيها هو المستثمر (الفلاح) فعليه الالتزام بخطة الدولة، أما الطرف الثاني فهو الدولة ومؤسساتها، فعليها تنفيذ التزاماتها وخاصة ما يتعلق بشراء وتسويق المنتجات الزراعية وتحديد أسعارها مسبقاً وتأمين مستلزمات الإنتاج.

ومن خلال الواقع العملي وما عرضناه نلاحظ أن هذا التخطيط هو تخطيط مجزوء ـ تخطيط منقوص الجانب يجعل الفلاح منفذاً للخطة بظروف سيئة، مما يساهم برفع تكاليف الإنتاج ويخفض ربح الفلاح، ويمكن تبيان ذلك فيما يلي:

1- إن وضع سعرين لشراء القطن جعل التجار يفتشون مباشرة عن الفلاحين ذوي المساحات الصغيرة من أجل الترخيص بأسمائهم عدا التراخيص الوهمية التي يمكن أن ترخص لهم، وبالتالي يمكن شراء الكميات الزائدة عن الخطة من الفلاحين بأسعار السوق /15 ـ 16/ ل.س للكيلو غرام الواحد وتسويقها على رخصهم الوهمية بمقدار 30 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد.
2- اعتمدت الدولة المحاصيل البديلة لزراعة القطن وهي (عباد الشمس ـ فول الصويا ـ ذرة صفراء) دون الإعلان بشكل واضح عن أسعارها، ولم يعلن عن الاستعداد لاستلامها من قبل مؤسساتها وأشير فقط إلى أسعارها في العام الماضي وهذه الأسعار لا توازي القطن فهو أعلى من فول الصويا وعباد الشمس بمقدار الضعفين وأعلى بأربعة أضعاف من محصول الذرة الصفراء، وهذه المحاصيل البديلة أقل إنتاجاً من محصول القطن في وحدة المساحة.
3- التأخير في تنظيم الخطة الزراعية ينعكس سلبياً على الفلاح، فبدلاً من استجرار مستلزمات الإنتاج من بذار وأدوية وأسمدة من المصارف الزراعية فقد تم شراؤها من التجار وتعرضوا لأبشع استغلال أمام مرأى الجميع، (السلطات الإدارية والزراعية والتموينية والأجهزة) دون أن يسأل أحد التجار من أين جاؤوا بهذه المواد علماً أن بيعها محصور بالمصرف الزراعي.
4- إن مساحات القطن المرخصة لأغلبية فلاحي الغاب هي مساحات صغيرة تقارب /4/ دونمات من أصل المساحة الكلية، والبالغة /25/ دونماً، وقد أصبحت هذه المساحة تعيل بحدود /25/ شخصاً بدلاً من /5/ أشخاص في الماضي، وزراعة هذه المساحة الصغيرة وخدمتها تكون مرتفعة من حيث تكاليف الإنتاج ويضطرون إلى أن يسوقوا منتوجها للتجار عندها يتعرضون مرة ثانية للاستغلال.

ما هو الحل :
I ـ بدلاً من تخفيض مساحات زراعة القطن ووضع سعرين لشراء الكيلو غرام الواحد لا يستفيد منه سوى التجار، نرى التركيز على صناعة الغزول على أن تكون من نوعية جيدة وتحسين صناعة النسيج والألبسة، على أن تكون الصادرات السورية بالدرجة الأولى ألبسة أو نسيجاً إضافة لتغطية السوق المحلية وتنشيط إنتاج الزيوت المحلية المصنوعة من بذور القطن بدلاً من استيرادها من الخارج.

II- العمل على تخفيض تكاليف الإنتاج وذلك بـ:
■  تخفيض أسعار البذور والأسمدة والأدوية.
■  تسوية الأرض بجرارات الليزر بتكلفة قليلة.
■ الإسراع بمشروع تطوير الغاب واعتماد الري بالرش والتنقيط.
■ اعتماد بذور نقية عالية الإنتاج ومقاومة للأمراض مستفيدين من أخر تطورات العلوم.

III - عند وضع أرقام الخطة يجب أن تناقش مع الفلاحين كأفراد وجمعيات، حيث تناقش السياسة السعرية والمساحات المخصصة للزراعة والمصادر المائية وخصوبة التربة.

IV - عند اختيار محاصيل بديلة عن زراعة القطن يجب أن يسوق المنتوج لمؤسسات الدولة، وان يعلن عن أسعارها مسبقاً على أن تؤمن هذه الأسعار دخلاً للفلاح يعوضه عن محصول القطن.
وبالنتيجة عند وضع أي خطة زراعية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي إضافة إلى الجانب الاقتصادي، فأي خطة ينفذها الفلاحون يجب أن ينفذوها بأفضل الظروف حتى تعطيهم إنتاجاً أفضل وأسعاراً أفضل لتنعكس على حياتهم وحياة أفراد أسرهم بشكل إيجابي وتؤمن الحياة الكريمة اللائقة للذين يساهمون بإنتاج الخيرات المادية للمجتمع.

يجب أن نبقيهم في أراضيهم، لا أن نجبرهم على هجرها.
المكتب الزراعي المنطقي في حماة

معلومات إضافية

العدد رقم:
173