العقل الوصائي والعقل الإداري في الاقتصاد الوطني!!
حتى الآن، وبعد أن جرى ما جرى للقطاع العام من انهيار أكثر شركاته، فإن النوايا على ما يبدو مازالت تتعلق بالجهات الوصائية لاتخاذ قرارات بشأنه وهي التي وقفت عاجزة عبر سنوات عن اتخاذ أي قرار إصلاحي.
مازالت النقابات العمالية والقوى الغيورة على القطاع العام تؤكد: إذا كانت هناك نوايا حسنة تجاه القطاع العام الصناعي فإن الاقتراحات أن تترك لوزارة الصناعة الفوائض والأرباح والضرائب لمدة خمس سنوات، وتقدر سنوياً بأكثر من ثلاثين مليار ل.س، وهي كافية لإصلاح وهيكلة هذا القطاع وفق أهمية كل شركة، ولكن طرحت وزارة الصناعة هذا الحل منذ سنوات عديدة ولم توافق عليه وزارة المالية لماذا؟
هناك أكثر من رأي في الفريق الاقتصادي ويظهر ذلك واضحاً من خلال تصريحات وزير الصناعة ووزير المالية والنائب الاقتصادي.
الخلل العام والتصفية
شركات متوقفة بالكامل وخساراتها بمئات الملايين كشركة الكبريت والزجاج والبورسلان والوليد وتصنيع الميكرو، وعدد الشركات الخاسرة أكثر من 70 شركة في القطاع العام الصناعي.
وهناك شركات في طريقها إلى التوقف كشركة الإطارات والزيوت والألبان والكونسروة والأحذية وغيرها.
وهناك شركات رابحة، ولكنها تعاني من مشاكل لا حصر لها، وهي في طريقها إلى التوقف، ويرافق ذلك كله تراجع دور الدولة الاقتصادي بالتوافق مع صندوق النقد والبنك الدوليين ومعروف للجميع أهداف هاتين المؤسستين وما هي النصائح التي تقدمها للدول النامية تحديداً.
هذا الواقع بشكل عام لم يكن عفو الخاطر وإنما تم عن سابق تصور وتصميم ونتيجة خطة اتخذت ولازالت تطبّق، وانطلاقاً من ذلك، ومن هذه البوابة الأساسية انتشر الترهل والفساد بين المدراء دون محاسبة ودون مساءلة، ونموذج ذلك نقدم هذه الواقعة التي تنبئ عن الكثير.
كيف تنجح ولماذا؟
مؤسسة الأدوية بحلب، «فارمكس» سابقاً، التابعة للمؤسسة العامة للتجارة الخارجية تبلغ مبيعاتها السنوية /700/ مليون ل.س، وفي مستودعاتها أدوية بمبلغ مليار ل.س.. تؤمن المؤسسة لجميع مشافي الدولة الأدوية اللازمة، وخصوصاً الهامة منها لعلاج السرطانات والهرمونات والدم، ويلجأ المواطن أيضاً إلى المؤسسة عندما تفتقد الأدوية الهامة لتأمين حاجته بدلاً من السماسرة والسوق السوداء.
تفتق العقل الإداري مؤخراً عن عبقرية قل نظيرها إلا في مؤسسات القطاع العام، وعمد إلى نقل مقر ومستودعات المؤسسة من وسط حلب في باب الفرج إلى منطقة الليرمون التي تبعد عن المدينة أكثر من 10كم، المبنى الحالي وسط المدينة أجرته السنوية 70 ألف ل.س، وهو تابع لمؤسسة خيرية، وأسباب النقل كما تقول الأوساط الإدارية «من أجل تخفيف النفقات على الدولة»، والعمال يتندرون على هذه الأوساط المتحالفة مع سماسرة القطاع الخاص، حيث أن المؤسسة مع وجودها وسط المدينة لم تكن تدفع أجور نقل العمال. والآن سوف تدفع سنوياً /750/ ألف ل.س نقل عمال!! أيضاً سوف تنخفض المبيعات إلى أكثر من النصف وذلك لبعد المؤسسة عن المدينة، فهي مؤسسة خدمية، بالإضافة إلى التكاليف الكبيرة التي تتكبدها المؤسسة من خلال تأسيس مستودعات وبرادات للتخزين، وجميع هذه المعدات موجودة في المبنى السابق.
أمناء المستودعات في المؤسسة يقولون إن المستودعات في المقر الجديد غير جيدة، ولا يمكن تخزين الأدوية فيها، وبالتالي فإن أدوية ثمنها مليار ل.س مهددة بالتلف، ويطالبون وزارة الصحة بإرسال مندوبين للإطلاع على الوضع.
هذا ما يريده السمسار
قال بعض العاملين لمدير المؤسسة في حلب إن المبيعات سوف تنخفض فأجابهم: لا يهم.. المهم أن نبيع لمشافي الدولة فقط!! قالوا له: «سوف تنشط السوق السوداء؟» قال: حتى لو حرقت المؤسسة لا يهم.
المدير العام يتهرب من لقاء العاملين ولم يكن موافقاً على نقل المؤسسة.
في كل الأحوال خطوة النقل هذه تستهدف مؤسسة إنسانية خدمية في القطاع العام، وهي لا تختلف شكلاً ومضموناً عما يجري لمؤسسات القطاع العام الأخرى الإنتاجية منها والخدمية، والهدف واضح وضوح الشمس: مئات التجار والسماسرة يتضايقون من وجود مؤسسة ناجحة في القطاع العام لأن مستودعاتهم تغص بالأدوية، ووجود فارمكس وسط البلد ومبيعاتها التي تصل إلى /700/ مليون ل.س سنوياً تؤذي تجارتهم وسمسرتهم، لذلك كانت هذه الخطوة الجريئة للعقل الإداري الذي يمارس فجوراً بحق القطاع العام دون مساءلة أو محاسبة، ويلتقي هذا العقل مع توجهات بعض الجهات الوصائية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 386