في ختام ندوات الثلاثاء الاقتصادي سعيفان يعرض التحديات ويسأل: ما العمل؟!

اختتمت جمعية العلوم الاقتصادية ندواتها لهذا العام بمحاضرة قدمها الأستاذ سمير سعيفان تحت عنوان «تحديات الاقتصاد السوري ومخاطر تجاهلها»، حيث تطرق الباحث إلى ما رأى أنه أهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري..

انطلق سعيفان في بداية تقديمه من أن التحدي الأساسي الذي يواجهه الاقتصاد السوري يكمن في بنيته الهيكلية. وتابع مقدماً مثالاً على ذلك أنه مع انفتاح العالم عموماً ومع انفتاح الاقتصاد السوري بوجه خاص، بدأت الصناعة السورية تواجه تنافسية حادة مع الصين وتركيا إضافة إلى البلدان العربية، وأوضح أن ضعف المكون التقاني في بنية الهيكلية الاقتصادية السورية، سيؤدي إلى انخفاض القدرة التنافسية للاقتصاد السوري مقابل اقتصادات الدول الأخرى مثل الصين وغيرها. ورأى الباحث أن أحد عيوب السياسة الاقتصادية في سورية هو أن خطط الحكومة لا تستهدف تنمية قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى وبنية تقنية أكثر تطوراً، مبيناً أن الطابع الريعي ما يزال مرتفعاً في الاقتصاد السوري عموماً، وأن إنتاجية العامل السوري قد تراجعت بدل أن تزداد. كما بين سعيفان أن هناك تحدياً آخر يواجهه الاقتصاد السوري هو انخفاض معدلات النمو عما هو مطلوب وممكن، بالترافق مع التفاوت في توزيع الدخل، ورأى أن استمرار هذا التحدي سيؤدي إلى زيادة انقسام المجتمع إلى فئة صغيرة غنية وفئة واسعة فقيرة، وهذا له مخاطر ليس فقط على الاستقرار الاجتماعي وإنما أيضاً على التنمية بحد ذاتها.
ورأى سعيفان أن التحدي الذي يواجهه الاقتصاد السوري أمام الأزمة العالمية بالترافق مع سياسة انفتاحية سورية غير مدروسة، ومع طريقة معالجة غير كفوءة، يحمل تأثيرات متنوعة لا يمكن حصرها لقلة المعلومات التي تقر بها الحكومة حول ذلك، ورأى الباحث أيضاً أن الاقتصاد السوري يواجه تحدي تراجع الزراعة نتيجة رفع الدعم من جهة والعوامل المناخية من جهة أخرى، وبين أنه إذا تم أخذ هذا التحدي بالتوازي مع كيفية إدارة الحكومة لمشروع التحول إلى طرق الري الحديث، حيث يكثر الكلام مقابل قلة التنفيذ، فهذا يمثل إحدى المشكلات الأساسية التي تحتاج إلى معالجة، خاصةً أن الزراعة لا تؤمن الدخل فقط لشريحة واسعة من المجتمع، بل وتؤمن أيضاً الأمن الغذائي بالإضافة إلى مساهماتها الأساسية في بعض الصناعات الناشطة والناشئة في البلد.
وحول تحدي إصلاح القطاع العام، أوضح الأستاذ سعيفان أن مجرد الاستئناس بأحجام خسائر القطاع العام عدا دعم المحروقات، نجد أن هذه الخسائر تبلغ من 50 إلى 60 مليار ليرة سورية سنوياً، وجزء كبير من هذه الخسائر لم يكن هناك داع له، وبيّن الباحث أنه كان المفترض من هذا القطاع أن يدر على الخزينة ما يعادل خسائره كدخل يساعد في سد العجوزات. وحول الآليات التي تتبناها الحكومة لإصلاح القطاع العام، أوضح سعيفان أن الإصلاح بدأ نظرياًً في 1988 وتتالت النقاشات والدراسات، ولكن خلال الفترة السابقة كلها لم يحدث شيء ملموس على الأرض لإصلاح هذا القطاع، وهذا يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة للاقتصاد السوري، ولم يتم حتى محاولة البدء بإصلاح شركة أو شركتين على سبيل التجربة.

وبالنسبة للطاقة قال الباحث إن ما تبقى لدى سورية من نفط يمكن أن يستمر 17 عاماً فقط، إذا كان الإنتاج 380 ألف برميل يومياً، ويمكن أن يكفي الغاز السوري 36 عاماً إذا كان الإنتاج بمعدل من 10 إلى 12 ألف متر مكعب يومياً، ولكن الناتج المحلي من هذين النوعين من الطاقة لن يسد حاجة الاقتصاد السوري، ولابد من سد النقص المتوقع خلال السنوات القادمة عبر الاستيراد. ومع تراجع الدور الذي يلعبه النفط في تمويل نفقات الحكومة عموماً يسأل الباحث: ما هو القطاع الذي سيلعب هذا الدور؟!.
وعن الكهرباء أشار سعيفان إلى أن سورية قادرة على إنتاج من 7000 إلى 7500 ميغا واط ساعي، ولكن النمو يتطلب زيادة في هذا الإنتاج بحدود 500 إلى 700 ميغا واط ساعي سنوياً، وهذا يكلف نحو مليار دولار أمريكي سنوياً لتحقيقه، وهنا انتقل الباحث إلى التحدي الأكبر وهو عجز الموازنة، مبيناً أنه مع إضافة التكاليف والأعباء السابقة وغيرها من الأعباء إلى عجز الموازنة فيمكن تصور الوضع المستقبلي، الذي سيكون من أبرز سماته الضغط الكبير على الحكومة لتقليص الإنفاق، سواء الدعم الاجتماعي أو الزراعي أو الصناعي، وستضطر الحكومة إلى التمويل بالعجز وإلى مجموعة من الإجراءات الأخرى، وهذا كله سيؤدي إلى التضخم وسيؤثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية وارتفاع الأسعار وتدهور المعيشة.
بعد ذلك انتقل الباحث إلى تحدي الإدارة، ليعرب عن اعتقاده بأنه التحدي الأكبر، سواء للإدارة في الحكومة أو في القطاع الخاص أو في المجتمع، وأشار سعيفان إلى البلدان التي لا تملك موارد بالقدر الذي تملكه سورية ولكنها رغم ذلك حققت نمواً اقتصادياً يسجل لإدارتها، فالإدارة وتحديثها يمثل تحدياً كبيراً للحكومة، وبين أن الإدارة بتعريفها العام تشمل البنية التنظيمية والمؤسساتية، وكذلك الكادر البشري وتحديداً القيادات التي يناط بها مسؤولية توجيه مسير القطاعات. وتطرق إلى أن إدارة القطاع الخاص تملك الكثير من العيوب وضعف المبادرة، وتعتمد على الحكومة في اتخاذ القرارات الاستثمارية، وبيّن أيضاً أن الإدارة الحكومية حتى الآن، هي إدارة تتبع تقاليد صارمة ولا ترغب بالخروج عن المألوف. وطرح سعيفان أمثلة على كيفية إدارة الحكومة لمشكلات الاقتصاد السوري، منها مجمع يلبغا الذي بُدئ العمل على إنجازه منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي وتحوّل اليوم إلى مكب للقمامة. وأضاف أن الأمثلة كثيرة حول سلوك عدم إقران القول بالفعل الذي تسلكه الحكومة في إدارتها للمشكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري. وأنهى الباحث محاضرته بطرح سؤال: ما العمل؟!..

معلومات إضافية

العدد رقم:
407