في الهيئة السورية لشؤون الأسرة: استطلاع يكشف عورات الإصلاح... ويفضح البؤس الاجتماعي!

قامت الهيئة السورية لشؤون الأسرة بإجراء استطلاع لرأي الأسرة السورية حول أوضاعها المعيشية في ظل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجارية، حيث أكد القائمون على البحث أن فكرة الدراسة أتت لتطرح مجموعة من التساؤلات الهامة، أهمها:

كيف تقَِّيم الأسرة السورية انعكاس الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية على أوضاعها المعيشية والصحية والتعليمية والسكنية؟
كيف ترى أوضاعها المعيشية الحالية مقارنة بأوضاعها المعيشية خلال عملية الإصلاح في السنوات الخمس المنصرمة؟
كيف تنظر إلى مستقبلها المعيشي في ظل واقعها الحالي وما هي توقعاتها حوله؟
ما مدى معرفتها بالإجراءات المتخذة في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

ما هي أولوياتها ومشكلاتها المعاصرة؟
وقد بينت الدراسة تحت بند «الخصائص العملية والمهيأة للمشتغلين ضمن قوة العمل» مدى تدني قيمة الدخل والأجور التي ينالها المشتغلون من الأعمال الأساسية، حيث تبين أن: «64% من المشتغلين يتلقون أجوراً ضعيفة لا تتجاوز قيمتها الشهرية 10000 آلاف ليرة سورية».
أما نسبة المشتغلين الذين يتلقون دخلاً في حدوده الوسطى (أي بين 10000 ليرة سورية وأقل من 20000 ألف ليرة سورية) فلم تتجاوز /28.6%/ فقط، والنسبة الصغيرة المتبقية تمثل المشتغلين الذين ينالون دخولاً جيدة تفوق الـ20000 ألف ليرة، وهذه الأرقام تؤكد أن النسبة الكبرى من أفراد المجتمع يعيشون ظرفاً اقتصادياً قاهراً، ينجم عنه مستوى معيشي متدن يتزايد تحت وطأة الغلاء.
 أما بالنسبة لأهم مصادر دخل الأسرة السورية (النقدية والعينية)، فقد أوضح /69.1%/ ممن شملهم الاستطلاع بأن الرواتب والأجور هي أهم مصدر لدخل أسرهم، يلي ذلك من حيث الأهمية الدخل العائد من ملكية العقارات (أراضي، محلات، منازل) والذي تستفيد منه نسبة /14.1%/ فقط، واعتبر أكثر من نصف أفراد العينة أن الدخل الشهري الأدنى المطلوب لتغطية نفقات أسرهم يتجاوز الـ 20000 ألف ليرة سورية.
 وحول أداء مكاتب التشغيل وتأثيرها خلال السنوات الخمسة الأخيرة، رأت نسبة كبيرة جداً وقدرها /59.4%/ ممن شملهم الاستطلاع، بأنه لم يكن لها أثر يذكر، وكذلك الأمر بالنسبة لإنشاء هيئة التشغيل (مكافحة البطالة سابقاً) حيث اعتقد /57.9%/ من أفراد العينة بأنه لم يكن لها دور يذكر (وهذا يؤكد الدور السلبي الذي لعبته وزارة الشؤون الاجتماعية).
وعن مستوى الرضا عن الأوضاع الاقتصادية، فقد أكدت الدراسة أن نسبة /42.1%/ غير راضين، ولعل هذا يرتبط على الأغلب بالعوامل الآتية: ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، عدم التوازن ما بين الدخل والاستهلاك، استمرار انخفاض مستوى الأداء والانجاز على المستوى التعليمي والصحي والسكني... إلخ، ولذلك احتلت أولوية زيادة الرواتب والأجور المرتبة الأولى بين التحسينات التي يرغبها أفراد عينة البحث، وجاء ضبط الأسعار في المرتبة الثانية، وتلاها في المرتبة الثالثة إيجاد فرض عمل للشباب، وهذه مؤشرات هامة جداً تدل على الحاجة المعيشية الملحة لأبناء الأسرة السورية، لذا لابد من أخذها على محمل الجد ضمن إستراتيجيات السياسات التنموية المحلية، وهذه المؤشرات إن دلت على شيء فإنها تدل على النسب العالية لأرقام الفقر التي وصلت برأي أحد الباحثين إلى 44 % وهذا مؤشر خطير.
أما أهم مشكلات الأسرة السورية فقد كانت ارتفاع أسعار السلع، تليها مشكلة الديون المتراكمة، واحتل تدني دخل الأسرة المرتبة الثالثة، ثم جاءت مشكلات زيادة الضرائب وارتفاع أسعار الفواتير الشهرية، وارتفاع كلفة العلاج في المشافي والعيادات الخاصة في المراتب التالية.
أما فيما يتعلق بالأساليب المتبعة للتعامل مع الظروف الاقتصادية فإن /93.6%/ من مجموع الأسر السورية تلجأ إلى أسلوب واحد على الأقل للتعايش مع أوضاعها الاقتصادية المتدنية، وبينت النتائج أن /81.9%/ من الأسر المشمولة بهذه الدراسة تلجأ إلى ترشيد الاستهلاك دائماً أو أحياناً، وتتبع /70%/ منها أسلوب الاستدانة من الآخرين، بينما تصل نسبة العائلات التي  يلجأ أفرادها إلى العمل الإضافي لتحسين دخلها إلى /55.7%/ في حين تقوم /49.1%/ منها باستهلاك مدخراتها و/56.2%/ بتأخير سداد الالتزامات المالية كأجرة المنزل والأقساط والفواتير والديون، ويعتمد /46.5%/ من الأسرة أسلوب حرمان أفرادها من بعض الحاجات كالتعليم والتدريب والسكن، فيما تلجأ /32.8%/ من أسر العينة إلى بيع ممتلكاتها أو مقتنياتها الثمينة.
وفي الختام وضمن فقرة التوصيات والمقترحات يوضح البحث أنه غالباً ما يتجاوز المعنيون توصيات الأبحاث وكأنها فقرة تزين البحث ولا تغنيه. ولكن طبيعة البحث الحالي تجعل من الأخذ بتوصياته أمراً في غاية الأهمية، كونها مبنية على ما ترغب الأسر السورية بتحققه من حلول لأزماتها ومشكلاتها المعيشية، خاصة ونحن نتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
ففي مجال التعليم أوصى البحث  بمتابعة تنفيذ قانون التعليم الإلزامي الأساسي في محافظات القطر كافة، لضمان أن يحظى الجميع بالتعليم، ولتجنب تسرب أي تلميذ أو تلميذة منه. وتطوير أساليب التدريس وتدريب الكوادر المستمر وتحديث المناهج التعليمية بما يتناسب مع روح العصر، وإعادة النظر بقانون الاستيعاب الجامعي وبسياسة القبول في الجامعات السورية، ومكافحة الفساد في المؤسسات التعليمية.
أما في مجال الصحة فقد أوصى  بفرض الرقابة والمحاسبة في القطاع الصحي العام والخاص معاً. والإسراع في تنفيذ قانون الضمان الصحي ليشمل جميع المواطنين، والتوسع في أنشطة القرى الصحية، وزيادة عدد المراكز والمشافي في الأرياف والمناطق النائية وبأقل تكلفة.
وفي مجال السكن أوصى بوضع خطط واستراتيجيات للحد من حركة السكن العشوائي، وإعادة النظر بقانون الإيجار الجديد بما يضمن حقوق المؤجر والمستأجر، وضبط أسعار العقارات ومواد البناء، وزيادة الاهتمام بالمساحات الخضراء.
أما في المجال الاقتصادي فقد أكد البحث على العمل لضبط الفساد في القضاء بالدرجة الأولى، لتمكين المؤسسات القضائية من محاربة الفساد في بقية القطاعات الأخرى، وزيادة مستوى الدخل عبر زيادة الرواتب والأجور والمنح للتخفيف من آثار الفجوة بين ما يكسبه أفراد الأسرة وما يجب أن يتوافر لهم لسد حاجاتهم الأساسية، وتعديل السياسية الضريبية بشكل ينسجم مع أسس العدالة الاجتماعية.
أخيراً لابد من القول إن هذا البحث من أكثر الدراسات أهميةً وجديةً خلال السنوات المنصرمة، ويجب الوقوف جدياً على ما كشفه من مؤشرات وأرقام خطيرة تدل على مدى تدهور الحالة المعيشية للمواطن السوري.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
407