إقرار البدل النقدي لدعم المازوت.. السياسات والإجراءات الحكومية تمضي بـ «الدعم» إلى حتفه
أقرت الحكومة آلية الدعم النقدي الجديدة، متجاهلة موقف مجلس الشعب والاقتصاديين وغالبية الشعب السوري الرافض لهذه الآلية المقترحة، فبعد الهجوم الشرس الذي شنه بعض أعضاء المجلس النيابي السوري يوم الأحد 18/10/2009 على آلية الدعم النقدي وسلبياتها، وعلى المروج الأساسي لها في الحكومة، النائب الاقتصادي عبد اللـه الدردري، تغيب في اليوم التالي (الاثنين) السيد الدردري عن حضور جلسة مجلس الشعب المخصصة أساساً لبحث قضية الدعم، وبالتالي فإن مسألة الدعم المقترح (النقدي)، غابت أيضاً عن جلسة مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء 20/10/2009 المخصصة لبحث الدعم النقدي، على خلفية الخلاف الناشئ بين رئيس الحكومة ونائبه بعد إعلان الأخير، وبشكل قطعي، إقرار آلية الدعم النقدي في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء.
وفسّر الماء..
يشكل إعلان النائب الاقتصادي عبد الله الدردري بتاريخ 26/10/2009 عن أولى الشروط الحكومية لمستحقي الدعم على المازوت، «أن لا يتجاوز دخل الأسرة السورية المستحقة للدعم بـ10 آلاف ليرة على دفعتين حاجز الـ400 ألف ليرة سنوياً، بدل 300 ألف ليرة سورية سنوياً»، تأكيداً مراوغاً للشروط السبعة التي كان قد تم تسريبها للإعلام لاستحقاق الدعم ليس إلا، وفي هذا السياق أشار د. عابد فضلية إلى أن الدولة لم تكن بحاجة إلى آليات لتوزيع الدعم، فلا أحد متأكد من أن أية آلية ستوضع ستكون عادلة، وتوصل الدعم لمستحقيه الفعليين، ولكن هناك توقعات منطقية تقول: هناك شرائح عريضة من مستحقي الدعم قد لا يصلهم الدعم بالتأكيد.
ورأى د. عابد أنه من الأفضل تخفيض سعر المازوت إلى /12/ ليرة، والاستغناء عن البدل النقدي المقترح، لأن هذا التخفيض سيخفف عن كاهل المواطن المستهلك عبء تحصيل الدعم كل عام، وهذا يشمل كذلك الزراعة، والصناعة، والنقل، والأنشطة الخدمية والسياحية الأخرى أيضاً. فمبلغ الدعم النقدي /10/ ألف لن يعوض المواطن، ولا أصحاب الفعاليات الاقتصادية عن ارتفاع الأسعار، والمشكلة ليس بدعم فرق سعر المازوت للتدفئة، ولكن بالفرق الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف معظم أنواع السلع والخدمات في الاقتصاد السوري، وبالتالي فإن القوة الشرائية لجميع المواطنين بالمطلق قد انخفضت نتيجة ارتفاع أسعار كلف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع الأسعار في السوق.
ويعتقد د. فضلية أننا لم نكن بحاجة إلى خلخلة الاقتصاد السوري أساساً برفع أسعار المازوت إلى المستوى الذي رفعت به، حيث كان من الممكن رفع أسعار المازوت على مراحل في المدى الزمني القصير والمتوسط والطويل، وبشكل متدرج، لذلك فإن رفع سعر ليتر المازوت إلى /25/ ليرة دون تدرج كان خطأ فادحاً، والدليل إعادة سعره إلى /20/ ليرة، والحكومة تفكر حالياً بإعادته إلى /15/ ليرة، وقد لا يقر.
لقد كان بالإمكان إيجاد آليات أخرى لتأمين موارد للخزينة من أجل تقليل خسائر الدولة جراء تخفيض أسعار المازوت، عن طريق رفع أسعار البنزين، وأسعار بعض السلع التي يشتريها من لا يستحقون دعم الحكومة، ووضع ضريبة إضافية عليهم.
مجلس الشعب ونقابات العمال في خندق واحد
وكانت الحكومة تجاهلت آراء العديد من أعضاء مجلس الشعب في موضوع البدل النقدي، وهي تسعى لإصدار قرار من جانب الحكومة بغض النظر عن رغبة الشعب، وممثليهم في البرلمان، وهذا تحد جديد وفاضح لمصالح الشعب السوري، والذي تكرس بتأليف لجنة إشراف مركزية خلال اجتماع الحكومة لتطبيق وتنفيذ قرار الحكومة لدفع البدل النقدي عن دعم المازوت، وهنا يؤكد الدكتور عابد فضلية أن «آلية البدل النقدي لا تحمل أية إيجابية، وآلية تنفيذها معقدة جداً وشائكة، ومجهدة، ومكلفة، وفي النهاية قد لا تكون عادلة على أصحاب الدخل المحدود، ومستحقي الدعم، معتبراً أن مجرد تأجيل البت بموضوع الدعم النقدي، يعد مؤشراً على ضعف هذا البديل، فلو كانت الجهات الحكومية مقتنعة بهذا الخيار لتم إقراره. هناك اعتراضات كبيرة من قبل أعضاء مجلس الشعب والاقتصاديين والمواطنين، وعدد المؤيدين أقل بكثير من المعترضين، فلم أسمع، أو أقرأ، أن أحداً ما مع هذا البديل، أو يوافق على هذا البديل، أو يؤيده، سوى من يطرحه، وهي الجهات الحكومية.
واعتبر فضلية أن تشكيل لجنة لا يعني أن الدعم المادي أقر، وفيما لو أقر، فإن مهمة هذه اللجنة وضع آليات للتنفيذ، ولا يضر أو ينفع تشكيل هذه اللجنة، وقد ينفع فيما إذا أقر هذا البديل».
وهنا يجب التذكير أن الاتحاد العام لنقابات العمال في جلسته الدورية المنعقدة في 25 -26 تشرين الأول 2009، وبإجماع قل نظيره من كافة القيادات النقابية، شن هجوماً كاسحاً على الحكومة على مجمل أدائها، وطال الطريقة التي سيتم فيها توزيع الدعم النقدي وفقاً للشروط المقترحة، حيث هاجمت مجمل المداخلات الفريق الاقتصادي الذي أوجد هذه الآليات المرفوضة جملة وتفصيلاً من اتحادي العمال والفلاحين، لكونها تشكل ضرراً كبيراً على المواطن السوري والاقتصاد الوطني. وانتقد العمال الأداء الحكومي البطيء والسلبي، والتأخير في اتخاذ قرار مصيري لغالبية الشعب السوري، بينما الشتاء على الأبواب، ورفضت قيادة اتحاد العمال اتخاذ أي قرار حكومي بهذا الشأن قبل مشاورة العمال بموضوع الدعم. ويرى النقابيون أنه إذا كانت الحكومة قد ألغت القسائم بحجة الفساد، فلماذا لا تكافح الفساد ذاته؟! حيث أكد تقرير المكتب التنفيذي لاتحاد العام لنقابات العمال المقدم للمجلس أن متوسط رواتب العاملين في القطاع العام لا يتعدى 9 آلاف ليرة، ومتوسطه في الخاص لا يتجاوز 7532 ليرة، وهذا يعني أن الرواتب في كلا القطاعين لا تتجاوز 9 آلاف، ويؤكد على أن الأغلبية الساحقة من العاملين السوريين في كل القطاعات بحاجة إلى دعم، فكيف الحال بالنسبة لصفوف العاطلين عن العمل؟!.
الدعم ليس مجرد آلية توزيع
إن الحكومة تجهز المخططات منذ سنوات، وتضخم أرقام الدعم المقدم على المازوت، محاولة إيهام الناس أنها الدولة الوحيدة التي تقدم الدعم لمواطنيها، مشيرة في معرض هجومها على دعم المازوت إلى أن أسعاره عندنا أخفض من دول الجوار بأضعاف مضاعفة. وحتى قياساً بتكلفة الإنتاج في المصافي والاستخراج المحلي، فهل 20 ليرة لليتر تعد مقبولة ومعقولة لأسعار المازوت لجميع المواطنين السوريين؟
يرى د. فضلية أنه «عندما تكون أسعار المازوت بين /14 ـ 16/ ليرة للتر، تكون الحكومة أخذت جزءاً من حقها، وقللت من خسائرها كما تدعي، فإذا تم تخفيض سعر المازوت إلى /14/ ليرة، فإن العبء يكون أقل على المواطن، من خلال انخفاض أسعار السلع الخدمات /1%/، والتي تكفي لتعويض المواطن المنحة النقدية المقدرة بـ/10/ آلاف. فلا يمكن أن تكون آلية توزيع البدل النقدي عادلة بين طبقات المجتمع، وليست عادلة ضمن طبقة المستحقين أنفسهم، لأنه وبالتأكيد سيحصل عليها بعض من لا يستحقها، وبالتأكيد لن يحصل عليها لأسباب شكلية وإجرائية، تتعلق بآلية الدفع، كل من يستحقها، فلذلك يجب التفكير بطريقة أخرى أكثر موضوعية ومنطقية، ومستدامة، وليس بطريقة ردود الأفعال، فهذه الآليات المطروحة اليوم، والتي مورست السنة الماضية لتوزيع الدعم غير مستدامة، وغير عادلة على أصحاب الدخل المحدود. فمن مصلحة المواطن الفقير المستحق الدعم أن يستغني عن هذه المنحة المادية القليلة جداً، مقابل تخفيض سعر المازوت إلى مستوى متوسط. لأن التخفيض سيدعم القوة الشرائية للمواطن أضعاف الأضعاف مقارنة مع ما إذا أخذ هذا المبلغ النقدي».
وكان الباحث الاقتصادي د. نبيل مرزوق قد أشار في تصريح سابق لقاسيون إلى أن «المطلوب ليس توصيل الدعم لمستحقيه، بل توزيعه بشكل عادل ومتكافئ، وعلى الدولة أن تقوم بتقديم الدعم لمختلف الشرائح والفئات، كما أنه لا يمكن اعتبار الدعم سبباً رئيسياً للعجز على حين أن السبب الرئيسي هو السياسة الضريبية والتهرب الضريبي... كما يجب النظر إلى الإعفاءات الضريبية، وكم تكلف الاقتصاد الوطني»..
ورأى د. مروزق أنه «عند الحديث عن قضية الدعم يجب البحث عن النتائج الاقتصادية والاجتماعية له، وأثره على النمو، وأثر إزالة الدعم على الاقتصاد الكلي، والقطاعات الإنتاجية، والفئات الاجتماعية المختلفة، ولا يمكن النظر إلى مسألة الدعم بخفة وتسرع ودون دراسة لكافة مؤشرات تقليص الدعم أو إزالته.
الدعم على طريق التلاشي
من ينظر إلى خارطة الدعم والموازنة العامة المقررة في كل عام، يجد أن هناك علاقة عكسية بين الطرفين، حيث أنه كلما ارتفعت الميزانية، انخفضت قيمة الدعم، ففي العام 2006 كان اعتماد الموازنة 495 ملياراً، والدعم كان شاملاً حتى في المشافي والتعليم، ارتفع اعتماد الموازنة في العام 2008 إلى 600 مليار، والدعم على المشتقات النفطية كان حسب الحكومة 385 ملياراً، ثم في العام 2009 كانت الموازنة العامة 685 مليار والدعم انخفض على المازوت إلى 80 ملياراً، والآن في العام 2010 اعتماد الموازنة العامة 754 ملياراً، وآلية الدعم الجديدة تحرم 3 مليون أسرة من أصل 4،5 مليون من حقها في الدعم، والمقدر حجمه حسب الآلية النقدية بـ 20 مليار ليرة.. يقول د. عابد فضلية في هذا الإطار: «إن الموازنة هي انعكاس للسياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية للحكومة، وبالتالي رفع الدعم الذي يجري حالياً هو انعكاس للسياسات التي تنضوي في ظل وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، ورفع الدعم مطلب الدول الأوربية في اتفاق الشراكة السورية – الأوربية، والتي لديها مثلاً اللاءات الأربع: لا دعم، لا إغراق، لا احتكار، لا استغلال. كما أن تشكل الموازنة، وتوزيع المبالغ الاستثمارية والجارية فيها، والإنفاقات، والاستثمارات، والدعم، يوازي و يحاذي وصفات المؤسسات الدولية، المطالبة برفع الدعم. علماً أن هذه الوصفات التي تتبناها الدول الأوربية، ومؤسسات العولمة، لم ولا تطبق في دول أوربا والدول الرأسمالية ذاتها، فهم يطلبون منا رفع الدعم عن المواطن، وعن الزراعة، وهم يقومون بدعم الزراعة والمواطن. أليست التغطية الصحية شبه الكاملة دعماً للمواطن الأوربي، أليس الراتب التقاعدي جزءاً من الدعم، أليس تعويض البطالة للمواطن الأوربي دعماً أيضاً، أليس توفير فرص عمل للراغبين والقادرين دعماً للمواطن الأوربي. فهؤلاء يقومون بدعم مواطنهم بعشرات الأشكال المختلفة، وعشرات الأضعاف بدلاً من الـ 10 آلاف المقدمة عندنا. مطالبة هذه الدول برفع الدعم قد تكون مشروعة عندهم، لكن عندنا لا يمكن أن تكون، فهم قطعوا عشرات السنين من التطور الاقتصادي، والمادي، والاجتماعي، ولم يعد مواطنهم بحاجة إلى دعم الدولة، لكن المواطن عندنا ما يزال بحاجة إلى هذا الدعم الحكومي».
في هذا السياق ربما من المفيد الإضاءة مجدداً على ما قاله د. منير الحمش في وقت سابق، وهو أن قرار رفع الدعم يعني تهديد السلم الاجتماعي، مؤكداً أن «رفع الدعم هو قرار غير شعبي وغير وطني، فهذه الفوارق الهائلة بين مجموعة صغيرة من الأثرياء، ومجموع الناس، تسحق الطبقة الفقيرة يوماً بعد آخر، وهذا هدف ومطلب الصهيونية والعولمة». وأكد أن الدول التي تصنف أنها على أقصى الليبرالية لا تزال تستخدم الدعم، إذ إنها تقدم دعماً لمجتمعاتها وللخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم وتدعم المزارعين.